قديمًا اهتدي العرب بمواقع النجوم، وسخّروا علوم الفلك لمعرفة اتجاهات الإبحار، رغم بساطتها في ذلك الوقت، كما تمكنوا من التفرقة بين الأجرام السماوية التي تتحرك بشكل مختلف عن باقي النجوم الثابتة، وكانت مصر صاحبة السبق في مجال علوم الفلك بالعصر الحديث، ففي عام 1903 تأسس مرصد حلوان الفلكي، الذي كان يعدُّ أحد أكبر وأهم المراصد الفلكية في العالم العربي حينها، وكانت مهمته تتعلق برصد الأهلّة، وتحديد مواقيت الشهور بالتقويم الهجري. ومع ازدياد عومل التلوث في المدينة، تقرر بناء مرصد جديد علي ارتفاع 476 مترًا عن مستوي البحر في موقع القطامية علي مسافة 80 كيلو مترا في الصحراء جنوب مرصد حلوان، وبدأ العمل به عام 1963 حيث كان له إنجازات كبيرة في مجال الأبحاث الفضائية، ومع البدء في إنشاء العاصمة الإدراية الجديدة، توقع كثير من الخبراء أن يؤثر موقعها علي كفاءة عمل مرصد القطامية، ما دعا المعهد القومي للبحوث الفلكية إلي البدء في إنشاء مرصد جديد يكون بديلاً عن المرصد القائم حاليًا. »آخر ساعة» كان لها هذا الحوار مع الدكتور أشرف تادرس، رئيس فسم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بحلوان.. ما دور قسم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية؟ - قسم الفلك يضم ثلاثة معامل رئيسية، معمل الفلك النجمي ومهمته البحث في الأرصاد المتعلقة بالنجوم سواء نجوم متغيرة أو نابضة، ومعمل المجرة وهو يرصد المجرات الكونية بكافة أشكالها وأنواعها، ومعملا جديدا تم افتتاحه مؤخراَ بقسم الفلك، وهو معمل فيزياء الطاقة، وهو مهتم بكل ما يتعلق بالنجوم ذات الطاقة المرتفعة التي نسميها بالنجوم النابضة التي تنطلق منها أشعة متعددة. كيف تُقاس قوة التليسكوب الفلكي؟ - قوة التليسكوب تُقاس من حجم المرآة الرئيسية الخاصة به، حيث يتم تسليط الضوء من شق يقع في منتصف القبة علي مرآة مقعرة تجمع أشعة الضوء وتعكسها علي سطح مرآة أخري ثانوية في عملية معقدة من أجل متابعة الظاهرة الفلكية، ومرصد القطامية يضم أكبر تليسكوب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قادر علي رصد الظواهر الفلكية علي بعد 30 ألف سنة ضوئية، أي حشود نجمية ومجرات لا يمكن رؤيتها من خلال التليسكوبات العادية، لذلك كان هناك الكثير من المشروعات المشتركة في إطار التعاون الدولي في دراسات النجوم تتم من خلال مرصد القطامية، حيث ساهم في اختيار أنسب نقاط هبوط رواد الفضاء خلال رحلات أبوللو إلي سطح القمر. هل هذه المشروعات مستمرة حتي الآن؟ هناك فترة انخفض فيها التعاون الدولي معنا نتيجة تعطُّل المرصد لأكثر من عشر سنوات بسبب وجود مشاكل في المرايا التليسكوبية الخاصة به، وهي مرايا يتم تصنيع زجاجها في الأساس من مادة الزيرودوكس التي لا يوجد بها عامل تمدد مهما كانت حرارة الشمس، لأن أي تمدد في سطح الزجاج الخاص بالتليسكوب يشوِّه الصورة التي يتم التقاطها من خلاله، وإعادة تصنيع مرآة من نفس النوع تستغرق مدة عام كامل، فنحن نتكلم عن مرآة ضخمة للغاية تزن 2 طن ويصل سمكها إلي 30 سم، بينما يصل قطرها إلي مترين وهي تصنع في شركة كارل زايس الألمانية، أكبر شركة للبصريات في العالم ، حيث يتم صقلها وعمل زاوية التقعر لسطحها بطريقة دقيقة للغاية وبعد أن يتم الانتهاء من تصنيعها تترك للتبريد بصورة طبيعية لا تتعرض فيها لأي عوامل خارجية مفاجئة، وقد تم الانتهاء من تصنيع مرآة جديدة للمرصد عام 2008، وبعدها عاد التعاون في مجال الأبحاث الفلكية مع العديد من الدول، خاصة مع اليابان. ماذا عن الصعوبات في رصد واستطلاع أهلّة الشهور العربية؟ كل دول العالم لديها برامج محاكاة دقيقة جداً يمكن أن تتنبأ بمكان القمر، وظهوره من عدمه في أول الشهر العربي، ولكن المشكلة تكمن في رؤيته بالعين المجردة، فلم تعد رؤية الأفق كما كما كانت منذ 1400 عام مثلاً نتيجة التلوث والكثافة السكانية العالية، ونحن نعتبر في منطقة صحراوية في جبل المقطم لذلك يأتي الهواء محملاً بكميات من الغبار ما يخلق حالة من الضباب تمتص الضوء السماوي وهذا ما قد يحجب رؤية الهلال في أول الشهر العربي لأنه يكون رقيقا للغاية فلا يمكن رصده إلا من خلال تليسكوب قوي مع وجود إحداثيات مسبقة بمكانه، أو رصده من خلال القمر الصناعي من خارج الغلاف الجوي. ما أحدث الاكتشافات التي تم تسجيلها في مرصد القطامية؟ هناك اكتشاف جديد يتعلق بالنجم المتغيِّر، وهو نجم يتغيّر ضوؤه بشكل قوي وملحوظ نتيجة التغيُّرات التي تحدث في باطنه، فبعد أن يتم رصد النجوم يتم دراستها بعمق أكبر حتي يتم التعرف علي نوعها، وقد تم تسجيل هذا الاكتشاف في الولاياتالمتحدة باسم ثلاثة من الباحثين في المرصد وهم محمد الصادق ومحمد درويش وأحمد شكري. هل فعلًا سيؤثر مخطط إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة علي عمل المرصد؟ تم إطلاعنا علي خرائط توضح امتداد العاصمة الإدارية الجديدة، فوجدنا أن المرصد يقع في وسط الموقع الخاص بها، ومن المتوقع ان يؤثر هذا الأمر علي كفاءة المرصد بصورة كبيرة لأن من شروط عمله أن تحيط به دائرة خالية نصف قطرها حوالي 30 كيلو مترا، لعزله عن المؤثرات الضوئية القادمة من المدن، ونحن بدأنا بالفعل في استشعار تأثير الضوء الناتج عن إنشاء المدينة الجديدة علي الأفق الغربي للمرصد، فبدلاً من أن يتم تتبع الجرم السماوي من الشروق إلي غروب الشمس، نضطر لانتظاره حتي يرتفع علي مسافة 30 درجة قوسية من الأفق لكي نبتعد عن منطقة الوميض القادمة من المدينة. وكيف تم التعامل مع هذه المشكلة؟ الحكومة وافقت مبدئيًا علي إنشاء مرصد فلكي جديد، ونحن من جانبنا قمنا بتحديد 3 أماكن لإنشائه بجنوبسيناء من ضمنها جبل سانت كاترين، وهو أعلي جبل موجود بالمنطقة، وتعتبر المنطقة بكرا لم يطالها الزحف العمراني بصورة كبيرة. ما معايير اختيار مكان المرصد الجديد؟ - كلما ارتفع مكان بناء المرصد تقل كثافة الغلاف الجوي وهذا يساعد علي دقة الرصد الفلكي بصورة مثالية، لذلك نجد أن جميع المراصد الفلكية يتم بناؤها علي الجبال، فمرصد القطامية علي سبيل المثال تم بناؤه علي ارتفاع 480 مترا، وإذا تم بناء المرصد الجديد علي جبل سانت كاترين سيكون علي ارتفاع يقارب 2600 متر أي أنه سيعلو السحاب، كما أنه سيكون بعيداً عن الكتل السكنية التي يبنعث منها الضوء، خاصة أن المرصد البصري يعمل ليلا بصورة كلية. ما الإمكانيات التي سيضمها المرصد الجديد المزمع إنشاؤه بجنوبسيناء؟ - المرصد الجديد سيخدم المنطقة بأكملها لأنه سيحتوي علي إمكانات متقدمة للغاية من ناحية الرصد والاستطلاع خاصة أن حجم مرآته سيقارب 10 أمتار وسيمتد عمله إلي ما يقرب من 60 عاماً سيتم فيها رصد الظواهر الفلكية شديدة الخفوت في أعماق الكون التي تتجاوز مسافة 30 ألف سنة ضوئية باستخدام تقنية الأشعة تحت الحمراء والأشعة المرئية، علي عكس مرصد القطامية الذي يقوم برصد الظواهر الفلكية عبر الأشعة المرئية فقط. هل يمكن نقل مرصد القطامية إلي مكان آخر؟ - هذه الفكرة غير قابلة للتطبيق علي أرض الواقع، فالمرصد تم البدء في إنشائه في فترة الخمسينيات والقبة التي تعلوه يبلغ قطرها عشرين مترا وتزن مائة طن وهي عبارة عن جدران مزدوجة من الصلب الخالص تدور بزاوية 360 درجة ويوجد بها شق يوجه منه التليسكوب ناحية الجرم السماوي الذي يتم رصده بحيث تدور معه تلك القبة من الشروق حتي الغروب ومن الصعب أن لم يكن من المستحيل نقلها، وعلي فرض نقل التليسكوب فقط وهو أهم جهاز داخل المرصد سنحتاج إلي شركة متخصصة في هذا المجال لتتساوي تكاليف النقل في النهاية مع تكاليف إنشاء مرصد جديد. إذن كيف سيتم التعامل معه بعد إنشاء المرصد الجديد؟ - البنية التحتية لمرصد القطامية تشجعنا علي الإبقاء عليه كما هو مع إمكانية أن يظل يُستخدم كموقع للتدريب الفلكي بحيث يتم إنشاء قبة سماوية صغيرة بها تليسكوب راديوي لتكون أشبه بمدينة علمية متكاملة لتدريب العرب والأفارقة في كل ما يخص دراسة الفضاء والفلك. لماذا لا يُدرج مرصدي حلوان والقطامية ضمن معالم السياحة العلمية في مصر؟ - هذه الفكرة تأتي في سياق تشجيع إنشاء المدارس الفلكية وقد تم تطبيقها سابقاً في فترة الثمانينيات والتسعينيات ويمكن إعادة تطبيقها بحلول عام 2018 وستكون المدرسة حينها تابعة للاتحاد الدولي الفلكي.