ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    «الأعلى للجامعات» يعتمد قواعد تنسيق القبول    مليون جنيه سعر أول سيارة كهربائية بشركة النصر للسيارات وهذا موعد الطرح    8.8 مليار جنيه قيمة الكميات الموردة من القمح بالبنك الزراعي المصري    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي.. في بيان رسمى    محافظ الجيزة: حريصون على استمرار تجربة أسواق اليوم الواحد    السعودية وقطر تقدمان دعما ماليا للعاملين في القطاع العام بسوريا لمدة 3 أشهر    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    الأهلي يهنئ وادي دجلة وكهرباء الإسماعيلية بالتأهل للممتاز    عمرو السولية يودع الأهلي بعد 9 سنوات ونصف: فخور بالرحلة... وانتهت مغامرة الرقم 17    محافظ القاهرة يتفقد امتحانات نهاية العام للشهادة الإعدادية :ضبط ملاحظ وطالب لتصويرهما امتحان الجبر بالمنوفية والسويس    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    "سيبتك" أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    وزير الحكم المحلي الفلسطيني: مصر تلعب دورا محوريا للتوصل إلى وقف إطلاق النار    وزير الثقافة وخالد جلال وحماده الموجي أول الحاضرين فى عزاء والد رئيس دار الأوبرا    تكريم محمد صبحي بجائزة إنجاز العمر في احتفالية القومي لحقوق الإنسان    حكم صيام يوم عرفة وعلى من يجوز    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    طبيب «جلدية» يحذر من الأمراض المنقولة بالميكروبات في عيد الأضحى    بعد تداول فيديو ضربها.. القومي للطفولة والأمومة يودع ضحية عنف والدها في المهندسين دار رعاية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    «بقالي 20 سنة بغني ولسه بيداري».. موقف طريف بين روبي وجمهورها في الأردن (فيديو)    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    مصرع وإصابة 3 أشخاص بطلقات نارية إثر مشاجرة مسلحة في قنا    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد رسامة شيوخ وشمامسة جدد بكنيسة في المنيا    السعودية وروسيا ودول في "أوبك بلس" تعلن عن زيادة كبيرة في إنتاج النفط اعتبارًا من يوليو    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية: سياسة التجويع الإسرائيلية مستمرة منذ 20 عاما    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال رصف شارع الجيش بدسوق    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    إنتر ميلان يطارد النجمة الرابعة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2025    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    وزارة الصحة تعلن خطة التأمين الطبي لعيد الأضحى المبارك وموسم الاجازات الصيفية بجميع المحافظات    أيمن أبو عمر يوضح أعظم العبادات والطاعات في عشر ذي الحجة    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    وزير الخارجية ل"صوت الأمة": السياسة الخارجية المصرية تستند لمبدأ "الاتزان الاستراتيجي"    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    سقوط طالبة من سلم الدور الأول بكلية البنات عين شمس والجامعة تنقلها لمستشفي الطوارئ    محمد الريفي عن طليقته: ربنا يكرمها ويكرمني.. ومستحيل أتكلم عن الماضي    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    وزيرة التنمية المحلية تطمئن على جاهزية محافظة الإسكندرية لمواجهة الطقس السيئ    برأة راندا البحيري من تهمة سب وقذف طليقها    250 مليون نحلة طليقة في الهواء بعد انقلاب شاحنة.. ماذا حدث في واشنطن؟    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    الزمالك وفاركو.. استعداد أمني مشدد لتأمين مباراة الجولة الأخيرة من بطولة الدوري    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    رسوم ترامب والسباق الانتخابي الكوري الجنوبي: من يحسم المواجهة؟    القنوات الناقلة ل مباراة الأهلي والاتحاد مباشر في دوري سوبر السلة والموعد    الإفتاء تكشف كفارات الحج التي وضعها الشرع    «كنت سندي في مواقف كتير».. نجم الأهلي يودع معلول برسائل مؤثرة    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالصور| "الوطن" ترافق الباحثين لاستطلاع هلال رمضان بالصحراء الشرقية
5 باحثات من قسم الشمس بمعهد الفلك يشاركن في رحلة البحث عن هلال رمضان في الصحراء الشرقية
نشر في الوطن يوم 17 - 06 - 2015

على ربوة مرتفعة بمنطقة حلوان، حيث يستقر المرصد الفلكي هناك وقفن في انتظار العربة، بعدما حزمن أمتعتهن وجمعن ما تيسر من الطعام والشراب يكفي لنهار وليلة من العمل الشاق داخل الصحراء الشرقية، وحين حلت الساعة الثانية من ظهر الثلاثاء، ترجل الخمس سيدات، أعضاء الفريق البحثي المختص باستطلاع هلال شهر رمضان، نحو السيارة لتبدأ الرحلة نحو الصحراء الشرقية، حيث يستقر مرصد القطامية الفلكي على بعد 100 كيلو متر من القاهرة.
"ماجدة وسارة وهبة وفاطمة وصافيناز"، خمس باحثات من "قسم الشمس" لم تفارق البسمة وجوههن طوال الطريق الصحراوي تحت وطأة حرارة الشمس في كبد السماء، ما بين مرصد حلوان إلى مرصد القطامية التابع له، كانت مهمتهن الأولى هي العودة محملين بالخبر اليقين عن رؤية هلال شهر رمضان للمسلمين، من فوق أعلى قمة بصحراء القطامية على ارتفاع يزيد عن 450 متر عن سطح البحر.
100 كيلو متر داخل الصحراء كانت المسافة، أخذت السيارة تنهب الأرض في الطريق ما بين "القاهرة - العين السخنة" حتى الكيلو 60 وهناك انحرفت عن الطريق لتسلك مدق جبلي ضيق يكفي بالكاد لعبور السيارة، غير مكتمل الرصف، يخلو من الإشارات، كثير المنحنيات، شديد الوعورة، يعلو كلما توغلت أكثر داخل تلك الصحراء القاسية، ويرتفع بك حتى يظهر في الأفق قبة حديدة، ومعها تنشق الطريق نصفين وتظهر لوحة معدنية سوداء تشير إلى اليسار "مرصد القطامية الفلكي".
هناك تظهر قبتين حديديتين، الأولى كبرى وتستقر شرق المرصد فوق أعلى نقطة في تلك الصحراء المترامية الأطراف، والأخرى صغرى حيث تستقر نحو غروب الشمس.. تتوقف السيارات ويغادر السائق بعد الاتفاق معهن على موعد للعودة في اليوم التالي ليحملهن من حيث أتين، تبدأ السيدات الخمس في الصحراء حيث كان في استقبالهم محمد الصادق الباحث المساعد بقسم الفلك، سبقهم للمرصد برفقة موفد دار الإفتاء، ذهبت كل منهن إلى الاستراحة المخصص لها، لتستريح قليلًا قبل بداية العمل مع غروب الشمس.
بسمرة وجهه، يشمر "الصادق" عن ساعديه، ويبدأ في تشغيل مولد الطاقة لينير المكان الظلم حيث لا تتوفر الكهرباء بذلك المرصد الذي يعد أكبر تليسكوب في الوطن العربي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويقول بامتعاض ل"الوطن": إن المكان الذي بني في العام 1964 ليكون امتدادًا لمرصد حلوان يعاني من إهمال شديد، فلا تتوفر به مياه صالحة للشرب وبلا كهرباء ويعتمد على المولدات في توفير الطاقة لواحد من أقدم المراكز البحثة في الشرق الأوسط، بخلاف عدم توفر عمال بشكل كافٍ للعمل بالمكان، فالمرصد لا يعمل به سوى 4 عمال يتنابون بشكل أسبوعي على التواجد داخله.
حين بدأت الشمس ترحل نحو الغروب لتستعد للمغيب، وتحركت عقارب الساعة نحو الخامسة والنصف، يخرج "الصادق" يجمع الخمس سيدات، ويبدأ في نقل التلسكوبات الصغيرة من إحدى الغرف، ويضعها بجانب القبة الحديدية الصغرة، غرب المرصد، وعلى مبعدة منه تظهر الشمس بوضوح.
ماجدة حسين، قائد الفريق كانت أول الحاضرين، والتي جمعت شمل الفتيات قبل شهر من الرحلة، تقول بابتسامة عريضة إن فكرة جمع 5 سيدات لرؤية الهلال لم تكن معدة أو محسوبة مسبقًا، ولكنها جاءت مصادفة، فالبعض منهن يرى أن مسافة مرصد القطامية أقرب من المراكز السبعة الأخرى التي تعمل على رؤية الهلال في نفس التوقيت سواء في توكشى، أو قنا، أو وادي النطروان، أو مطروح أو السلوم، ولكنها في نفس الوقت لا تجد الرحلة شاقة ولا متعبة، فهن معتادات على تلك الطلعات في الصحراء "من أيام الجامعة"، ولكنها المرة الثانية لها في مهمة رؤية الهلال.
كانت المرة الأولى ل"ماجدة" حين خرجت لاستطلاع الهلال في السلوم: "الرؤية هنا مختلفة.. الجو صافي جدًا ونقي من أي أتربة"، فالأجواء الملبدة دائمًا ما تقف عائقًا أمام مهمتهم، وعلى هذا الأساس يكون اختيار تلك الأماكن التي تستقر فيها السبع مجموعات على مستوى الجمهورية، نقاء الجو وقلة الأتربة والارتفاع عن سطح البحر، وتشير إلى أن تلك المدن على بعد آلاف الكيلو مترات في عمق الصحراء، وتقول بعدما قطبت حاجبيها، إن اقتراب تلك المدن من المرصد "بوظ الجو وخلى المرصد مش زي زمان.. زمان كنت تحسن أكنك جوه المجرة ولا جنب الكوكب من كتر صفاء الجو".
تتحرك "ماجدة" بسرعة، وتحاول مساعدة "الصادق" في نقل عدد من التليسكوبات الصغيرة لموضع الرؤية، أقصى غرب المرصد، تلتقط أنفاسها بصعوبة، وتقول إن العوامل المناخية تؤثر على عملية رصد الهلال، وليست بالضرورة السبعة مواقع على مستوى الجمهورية ترصده: "ساعات تهب عواصف ترابية متخلش تقدر تشوفه في المكان اللي أنت واقفة فيه"، وتشير إلى آخر مرة كانت تستطلع فيها الهلال، ولم تره، كانت في موقع توشكي وهو ما رصد الهلال وصامت الجمهورية وفق ذلك الرصد.
على مبعدة من "ماجدة" يفق موفد دار الإفتاء يمسك نظارة معظمة ويستعد لعملية الرؤية، وتقول عنه، إن الحساب الفلكي طيلة عملها لم يختلف في رؤية الهلال مع دار الإفتاء، وإنه دائمًا يتفق الطرفان على رؤية الهلال: "صعب حسابات الفلك تغلط".
وفق تلك الحسابات جاءت "ماجدة" وفريقها للمرصد في الصحراء الشرقية ليس لإثبات عدم وجود الهلال ولكن لتوثيق حساباتهم التي أثبتت من قبل سنة منقضية عدم ثبوت الهلال، وإن الأربعاء سيكون المتمم لشهر شعبان، فرغم ولادة القمر حسب قولها ولكنه يسبق الشمس في الغروب ب"11 دقيقة" كاملة: "مفيش مانع نأكد كلامنا وحساباتنا من خلال الرؤية العينية أو بالتلسكوب".
يجذب "صادق"، الذي يتردد على مرصد القطامية منذ أكثر من 18 عامًا طرف الحديث من ماجدة، مشيرًا إلى أن مصر واحدة من تلك الدول التي لا تعتمد على الفلك فقط في رؤية الهلال ولا الرؤية الشرعية القائمة على العين المجردة، ولكن تمزج الاثنين معًا، وفي حين اختلافها "رغم إن ده عمره ما حصل"، تكون الغلبة لرأي الرؤية الشرعية لدار الإفتاء: "إحنا مجرد استشاريين لدار الإفتاء.. ولسنا أصحاب الرأي النهائي".
تتعالى ضحكات "ماجدة" كلما تحدث أحدهم عن تلك المفارقة التي جمعت خمس سيدات في فريق واحدة لرصد الهلال: "فضلينا ست ونبقا راجل وست ستات (اسم مسلسل كوميدي)"، تقولها ماجدة وينخرط الجميع في الضحك، وتعقب: "هي جت قدرًا".
بالقرب من القبة الحديدية الصغرى، كانت "سارة سعيدة" تحاول تسلق السلم الضيق الواصل إلى غرفة التليسكوب، تتكشف وتتابع بشغف عملية تحضير التلسكوبات، تصر على المساعدة في وضع المعدات رغم خبرتها القليلة: "دي المرة الأولى اللي أطلع أرصد فيها الهلال"، ولكن رفيقتها تصر على الاستفادة من تلك التجربة ليس لمجرد رؤية الهلال وحسب ولكن يبيتون ليلتهم في التدريب على استخدام التلسكوبات الكبرى في متابعة المجرات والكواكب والنجوم الصغيرة.
لم تجد "سارة" أي رفض من قبل أهلها على الخروج إلى الصحراء لاستطلاع الهلال: "هما متعودين على كده من وإحنا في الكلية"، وتجد أنه على العكس تمامًا فهناك تشجيع على خوض تلك الرحلة من الأسرة: "وفي الأول وفي الآخر ده شغلي"، مشيرة إلى أنها من اختارت بنفسها الخروج في مأمورية استطلاع الهلال.
تحاول الفتاة العشرينية دائمًا توعية من حولها بالفلك وأهميته: "في بلدنا محدش عارفة قيمة الفلك"، لافتة إلى أنه من النادر أن تجد واحدًا يعرف أن مصر بها مرصد يعد الأهم والأقدم في الشرق الأوسط لعلوم الفلك.
وأثناء التحضير كان ل "صفيناز وشريهان" مآرب آخر فقد داهمها الجوع: "هنروح ناكل تكونوا جهزتوا الحاجة ويكون الغروب قرب أكتر من كده" تقولها شريهان أحمد، باحث الفلك، والتي تتأبط ذراع رفيقها، باحث علوم الشمس صافيناز محمد، وتلك المرة هي الأولى لهما أيضًا في رصد هلال شهر رمضان: "بس بالنسبة للمرصد إحنا جينا تسعميت مرة، ده بيتنا التاني ومتعودين نبات هنا ومتعايشين مع المكان بعقاربه بتعابينه بكل ما فيه"، فهما منذ سنوات الكلية وكان المكان مقصدًا للتدريب والتعلم.
تترجل "صفيناز وشريهان" بهدوء نحو الاستراحة على موعد بالتجمع مرة أخرى مع اقتراب غروب الشمس، وتقول ل"شريهان" ل"الوطن"، إنها حاولت رصد الهلال من خلال مرصد حلوان ولكن التلوث الضوئي حال دون ذلك، في حين تتحدث صفيناز بزهو شديد عن موقع مرصد القطامية: "في يابانيين وهنود وجنسيات مختلفة بيقطعوا كل المسافة ديه عشان ييجوا يعملوا أبحاث في مرصد القطامية".
تتذكران لحظات الخوف في الزيارة الأولى لهما ليلًا للمرصد، تضحكان على ما شعروا به من رعب، ولكن سرعان ما اعتادا على العمل في الصحراء والمبيت داخل تلك الاستراحات التي لا توفر حتى إضاءة للمعيشة، وتقول "شريهان" إنها ليست مجبرة على زيارة المرصد والمشاركة في استطلاع الهلال ولكنها أصرت على المشاركة في الرحلة من أجل التعلم على التليسكوب الخاص بالقبة الحديدية الشرقية والذي يعد أكبر تليسكوب في الشرق الأوسط.
تجد شريهان متعتها الوحيدة في متابعة الظواهر الفلكية، وحرب النجوم والكواكب: "من أمتع ما يمكن مثلًا لما تشوف مجرتين بيخبطوا في بعض"، وتقول إن ما يظهر في الصور شيء والمشاهدة برؤية العين شئ آخر: "يعني لما تشوف المجرة وشكل النجوم".
دقائق وعاد الجميع ملتفًا مرة أخرى حول التلسكوبات في أقصى غرب المرصد، فقد اقترب اللحظات الحاسمة، يظهر حينها بينهم محمد الخميسي، الباحث المساعد في قسم الفلك، برفقة طفليه "أحمد ومحمود" اللذين أصرا على الحضور لمشاهدة هلال رمضان، يحضر معه بعض أوراق "السلوفان" لصناعة فلتر، يقترب أحد الواقفين محاولاً النظر من فوهة التليسكوب ولكن يحذره "الخميسي": "ده تليسكوب بيجمع النور لو بصيت لقدر الله ممكن يدمرلك الشبكية لازم يكون في فلتر عشان يهدي من أضرار ضوء الشمس الي بيجمعها التليسكوب".
يبدأ الجميع في التناوب على التليسكوب، لمشاهدة مظهر الشمس لحظة الغروب، والبحث عن الهلال ولكن دون جدوى.. الجميع واحد تلو الآخر ينظر من التليسكوب في انتظام.. الجميع يشاهد الشمس وكأنه يراها للمرة الأولى في حياته.
مشهد الشمس وهي تحاول الاختباء خلف الجبال يدعو للتأمل، فالجميع يقف في صمت.. لا أحد يتحدث.. الجميع يتابع المشهد ولو أنه يشاهد المغيب لأول مرة في حياته، الجميع يشعر بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه ناحية مسلمي مصر، يرن هاتف موفد الإفتاء، ولكن لا يستعجل في اتخاذ القرار، "الصادق" يخبر الجميع أن الحسابات الفلكية تقول لو ظهر سيكون في الجزء السفلي من الشمس.
يمسك موفد الإفتاء بالنظارة المعظمة تارة ويدقق النظر، وينظر في التليسكوب تارة أخرى، يحاول الاتصال على دار الإفتاء ولكن ضعف الشبكات يحول دون ذلك، يقول له الباحث "الصادق" إن عليه أن ينتظر حتى يختفى الشفق.
تختفي الشمس رويدًا رويدًا، ويبدأ الشفق الأحمر ينتشر في الأفق، يضفي على روعة مشهد الجبال المترامية لمعة.. الجميع يقف في إبهار من إبداع الخالق، ويخرج "الصادق" هاتفه، وما يهمه الآن هو أن يجن الليل، وتقول "ماجدة" إن مدة المكوس "مدة ظهور القمر في الأفق بعد غروب الشمس بعد ميلاده في أول الشهر"، لا بد أن تزيد عن 4 دقائق حتى يتسنى للعين المجردة رؤيته بوضوح.
يستقر موفد دار الإفتاء على عدم رؤية القمر، وأن الأربعاء متمم وبذلك يكون أول أيام رمضان هو الخميس، يتصل بدار الإفتاء ويخبرهم بنتيجة الاستطلاع والبُشرَى. يهنئ الجميع بعضهم بعضًا بحلول الشهر الكريم: "رمضان كريم"، والابتسامات تعلو الوجوه ويتجلى في الأنحاء إبداع الخالق في الصحراء: "مهما بنشوف من ظواهر فلكية لكن لاستطلاع هلال شهر رمضان واقع آخر"، تقولها سارة سعيد والضحكة لا تفارق شفتيها.
لا تتوقف الاتصالات، وترن هواتف الباحثين.. الكل يستعلم عن نتيجة الرؤية ويريد معرفة نتيجة الاستطلاع، وتأتي الردود في زهو، فالأفراد الموجودين في المكان هم أول من عرفوا نتيجة الرؤية قبل 70 مليون مصري، ومسؤولون أن يحملوها للجميع.. "الخميسي"، يرد على أحدهم ويخبره بالنتيجة: "زي ما قولتلك رمضان الخميس.. كل سنة وأنت طيب".
يتجه موفد دار الإفتاء والباحث الفلكي "الصادق" نحو الاستراحة، عليهما أخذ قسط من الراحة لإتمام مهمة أخرى تنتظرهما وهي الاستقرار على موعد آذان الفجر والتفريق بين الفجر الكاذب والفجر الصادق.. البعض يلملم أشياءه، والخمس باحثات يجبن المكان وتستعدن للمبيت، ليلة في التعلم ومشاهدة الكواكب والسدوم والنجوم، وذلك من خلال التليسكوب الأكبر في الشرق الأوسط والذي يستقر في القبة الحديدية الكبرى.
ناحية الشرق هناك تستقر القبة الحديدية الكبرى فوق أعلى ربوة بالمكان، عدد من درجات السلم الرخامي، عليه أن تصعدها لتدخل بوه القبة، في الطابق الأسفل تستقر غرفة التفضيض، ويقول "الخميسي" إنها الغرفة الأولى من نوعها في الشرق الأوسط والتي تستطيع إعادة تجديد عدسة التليسكوب، والتي تتسع لأكثر من مترين، فالعدسة الفضية الخاصة بالتليسكوب لا بد لها من إزالة المادة الفضية وإعادة وضعها مرة آخرى من خلال ذلك الجهاز المستقر بالطابق الأرضي.
سلم رخامي ضيق، ينتهي بك إلى مشهد أكبر تليسكوب بالشرق الأوسط، ويقول "الخميسي" إن تلك القبة بها جزء يسمح بإدخال الإنارة سواء بشكل جزئي أو بشكل كامل، يشير إلى تلك الغرفة ذات الجدران السوداء ويقول إن التليسكوب تم تطويره قبل سنوات ليعمل من خلال الكمبيوتر وليس بشكل يدوي.
يضيف "الخميسي"، أن ذلك التليسكوب لا بد له أن يعمل في حالة إظلام تام: "حتى السيجارة مينفعش تولعها جنبه"، مشيرًا إلى الخطر المحدق بالمرصد والذي يتطلب نقل لمكان آخر أو إنشاء مرصد جديد، والعاصمة الإدارية الجديدة ستؤدي بمرصد القطامية إلى مصير مرصد حلوان، والذي فقد كل عمله وتحول لمبنى إدارة بسبب الزحف السكاني والتلوث الضوضائي، مشيرًا إلى أن القوانين الفلكية العالمية والتي تجيز المرصد لا بد أن تكون المساحة المحيطة بالمركز على مسافة 15 كيلو في كل الاتجاهات خالية من أي مصدر للإضاءة: "مرصد حلون بقى مجرد مبنى إداري.. والعاصمة الجديدة اللي هتكون قريبة جدًا من هنا هتنهي مستقبل المرصد"، مشيرًا إلى مرصد حلوان لم يستطع رصد الهلال منذ أكثر من 20 عامًا.
يصعد "الخميسي" نحو سط القبة، يشاهد الأفق ويقول إن عددًا من الباحثين انتبه لذلك الخطر، وخصوصًا في ظل ظهور الإضاءة المنبعثة من تلك المدن الجديدة: "العبور وبدر ومدينتي والرحاب"، يصمت برهة ويشير بأصبعه إلى الإنارة التي تظهر في الأفق من تلك المدن، بجانب إنارة طريق العين السخنة وطريق السويس، ويقول إن الباحثين وبعض المتخصصين شرعوا في وضع خطة لإنشاء مرصد جديد.
سانت كاترين هي أحد المناطق التي استقر عليها الباحثون لإنشاء المرصد الجديد، يقول "الخميسي"، مؤكدًا أن المانع الأمني لاقتراب سانت كاترين من إسرائيل هو ما يمنع إقامته هناك، مشيرًا إلى أن ذلك المكان رغم مثاليته مشيرًا إلى أنه نفس المكان التي استقرت عليه مصر وإسرائيل عقب معاهدة السلام لإقامة مرصد فلكي مشترك، والتي كانت ستتكفل به الأمم المتحدة ببناءه ولكن رفض باحثي الفلك المصريين للتطبيع حال دون ذلك، مشيرًا إلى أن المكان الآخر التي يبحثون إنشاء مرصد هناك هو الصحراء الغربية في أحد المناطق القريبة من جنوب الوادي.
في استراحة الباحثين يجلس "الصادق"، يتمنى أن يكون الاهتمام بالمرصد كمثيله في الدول الأوروبية، وخصوصًا أنه الوحيد من نوعه بالشرق الأوسط، مشيرًا إلى "المُوِّلد" الذي يعتمد عليه مركز بهذا الحجم في عملية الإنارة، مشيرًا إلى عدد من العمال يعدون على أصابع اليد الواحدة، مؤكدًا أن هؤلاء من يعملون بالمركز بخلاف الباحثين، مشيرًا إلى أن عدد العمالة قليل جدًا، ولا تفكي لإنجاز الأبحاث وحماية المركز وتنظيفه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.