البابا تواضروس الثانى يصلى الجمعة العظيمة فى الكاتدرائية بالعباسية..صور    إسكان النواب: مدة التصالح فى مخالفات البناء 6 أشهر وتبدأ من الثلاثاء القادم    أحمد التايب لبرنامج "أنباء وآراء": موقف مصر سد منيع أمام مخطط تصفية القضية الفلسطينية    أمين اتحاد القبائل العربية: نهدف لتوحيد الصف ودعم مؤسسات الدولة    نشرة الحصاد الأسبوعي لرصد أنشطة التنمية المحلية.. إنفوجراف    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    وزارة الصحة توضح خطة التأمين الطبي لاحتفالات المصريين بعيد القيامة وشم النسيم    برواتب تصل ل7 آلاف جنيه.. «العمل» تُعلن توافر 3408 فرص وظائف خالية ب16 محافظة    أبرزها فريد خميس.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدا في الجمعة الأخيرة من شوال    الذهب يرتفع 15 جنيها في نهاية تعاملات اليوم الجمعة    محافظ المنوفية: مستمرون في دعم المشروعات المستهدفة بالخطة الاستثمارية    حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العامة في ميناء دمياط    عضو «ابدأ»: المبادرة ساهمت باستثمارات 28% من إجمالي الصناعات خلال آخر 3 سنوات    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    نعم سيادة الرئيس    السفارة الروسية بالقاهرة تتهم بايدن بالتحريض على إنهاء حياة الفلسطينيين في غزة    المحكمة الجنائية الدولية تفجر مفاجأة: موظفونا يتعرضون للتهديد بسبب إسرائيل    حاكم فيينا: النمسا تتبع سياسة أوروبية نشطة    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    سموحة يستأنف تدريباته استعدادًا للزمالك في الدوري    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    الغندور: حد يلعب في الزمالك ويندم إنه ما لعبش للأهلي؟    مؤتمر أنشيلوتي: عودة كورتوا للتشكيل الأساسي.. وسنحدث تغييرات ضد بايرن ميونيخ    تشافي: نريد الانتقام.. واللعب ل جيرونا أسهل من برشلونة    «فعلنا مثل الأهلي».. متحدث الترجي التونسي يكشف سبب البيان الآخير بشأن الإعلام    "لم يحدث من قبل".. باير ليفركوزن قريبا من تحقيق إنجاز تاريخي    بسبب ركنة سيارة.. مشاجرة خلفت 5 مصابين في الهرم    مراقبة الأغذية تكثف حملاتها استعدادا لشم النسيم    كشف ملابسات واقعة مقتل أحد الأشخاص خلال مشاجرة بالقاهرة.. وضبط مرتكبيها    إعدام 158 كيلو من الأسماك والأغذية الفاسدة في الدقهلية    خلعوها الفستان ولبسوها الكفن.. تشييع جنازة العروس ضحية حادث الزفاف بكفر الشيخ - صور    تعرف على توصيات مؤتمر مجمع اللغة العربية في دورته ال90    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" يتراجع ويحتل المركز الثالث    الليلة.. آمال ماهر فى حفل إستثنائي في حضرة الجمهور السعودي    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    عمر الشناوي ل"مصراوي": "الوصفة السحرية" مسلي وقصتي تتناول مشاكل أول سنة جواز    مواعيد وقنوات عرض فيلم الحب بتفاصيله لأول مرة على الشاشة الصغيرة    دعاء يوم الجمعة المستجاب مكتوب.. ميزها عن باقي أيام الأسبوع    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة.. فيديو    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    مديرية أمن بورسعيد تنظم حملة للتبرع بالدم بالتنسيق مع قطاع الخدمات الطبية    بعد واقعة حسام موافي.. بسمة وهبة: "كنت بجري ورا الشيخ بتاعي وابوس طرف جلابيته"    خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور محمد إبراهيم حامد يؤكد: الأنبياء والصالحين تخلقوا بالأمانة لعظم شرفها ومكانتها.. وهذه مظاهرها في المجتمع المسلم    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    قوات أمريكية وروسية في قاعدة عسكرية بالنيجر .. ماذا يحدث ؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    محافظ المنوفية: 47 مليون جنيه جملة الاستثمارات بمركز بركة السبع    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صاحب بناء هندسي محكم في أعماله

‮ ‬لا جدال‮ "‬أن ترتيب الحدث في الرواية قضية أساسية تفرضها طبيعة الحدث والشخصيات والزمان والمكان،‮ ‬وكلما أجاد الروائي ترتيب حدث روايته،‮ ‬كان أكثر قدرة علي إبلاغ‮ ‬المتلقي رسالته الفنية فالترتيب الجيد يضفي علي النص قوة ويكسبه ميزة خاصة به‮ "(‬1‮) ‬علي أنه ثمة محزور تفرضة طبيعة المادة الروائية في الرواية التي توظف التاريخ،‮ ‬ألا وهي مزج الأحداث التاريخية بالأحداث الواقعية،‮ ‬وقد رأينا أن الحدث التاريخي يفقد طبيعته،‮ ‬ويتحول بفعل رؤية الكاتب وطبيعة السرد الروائي إلي مادة روائية تدخل في نسيج العمل الروائي المشكل،‮ ‬لذلك سندرس الرواية التاريخية عند سعد مكاوي واضعين في اعتبارنا أنها لا تختلف عن الرواية المعاصرة من حيث البناء‮. ‬
‮ ‬وإذا تأملنا الحدث جيداً،‮ ‬نجده مجموعة وقائع منتظمة أومتناثرة في الزمان وتكتسب تلك الوقائع خصوصيتها وتميزها من خلال تواليها في الزمان علي نحو معين،‮ ‬وإزاء هذا نجد أن الزمان حقيقة مطلقة تكتسب صفتها المحسوسة من خلال مرور تلك الوقائع،‮ ‬لهذا فكل من الحدث والزمان لا يكتسب خصوصيه إلا من خلال تداخله مع الآخر،ويعرف الدكتور،‮ "‬زغلول سلام‮ " ‬الحدث بأنه‮ "‬اقتران فعل بزمن‮"‬‮ ‬‮(‬2‮)‬
أما الزمن فهو"ضابط الفعل‮ "‬،‮ ‬وبه يتم وعلي نبضاته يسجل الحدث وقائعة‮ " ‬‮(‬3‮)‬‮ ‬علي أن هذا الفعل لابد أن يقع في مكان ما،‮ ‬وهكذا لا يمكن فصل المكان والزمان عن الحدث‮. ‬
‮ ‬أما بناء الحدث في الرواية فنقصد به‮ " ‬الترتيب الذي يكون عليه الحدث،‮ ‬أي صورة تواليه في الزمان‮ "‬‮(‬4‮)‬‮ ‬والمكان أيضاً‮.‬ولما كان البناء الروائي‮ : ‬بناء الأحداث وترتيبها يختلف عند سعد مكاوي من رواية إلي أخري،‮ ‬رأينا أن ندرس طبيعة هذا البناء في كل رواية علي حدة،‮ ‬لما تتميز به كل رواية من رواياته الثلاث،‮ ‬موضوع البحث ببناء خاص بها،‮ ‬وقد كشف لنا التحليل أن بناء الأحداث عنده أي سعد مكاوي يتأرجح بين البناء التقليدي للأحداث وبين ما أطللقنا عليه البناء المتوازي للأحداث،‮ ‬إذ تدخل رواية‮ "‬السائرون نياماً‮" ‬تحت الأخير وتدخل‮ "‬لا تسقني وحدي‮ " ‬تحت البناء التقليدي في حين تجمع‮ "‬الكرباج‮" ‬بين البناءين معاً‮ ‬؛ مما جعلها في النهاية تخرج في شكل بدا أقل بكثير من إمكانيات سعد مكاوي الفنية حتي لتعد من وجهة نظري‮ - ‬أضعف روايات الكاتب،‮ ‬ونتناول فيما يلي بناء الأحداث في روايات الكاتب،‮ ‬مفهوم البناء وأبرز الخصائص الفنية للعمل الذي يندرج تحته‮. ‬
‮- ‬البناء المتوازي‮ :‬
لقد اقترن تاريخ الرواية في القرن العشرين بمحاولات تجديد في أساليب السرد وطرائف البناء والاستخدام المتنوع للزمن،‮ ‬مثل تيار الوعي عند فرجيينا وولف وجيمس حويس،‮ ‬وكتاب الرواية الجديدة في فرنسا ولعل سعد مكاوي الذي عاش فترة من الزمن في فرنسا قد لمس بنفسه هذه المحاولات التجديدية في لغتها الأصلية مما كان له تأثيره علي بناء روايته ونقرر بدءاً‮ ‬أنه‮ ‬غير ميال إلي الانعطاف الحاد في التجديد،‮ ‬فكما سنري في الفصل الخاص بالسرد والحوار ميله إلي الاتجاه التقليدي في السرد،‮ ‬نجده أيضاً‮ ‬في بناء رواياته يتأرجح بين البناء التقليدي وبين استخدام أبنية جديدة،‮ ‬كما هوالحال في اعتماده للبناء المتوازي في رواية‮ "‬السائرون نياماً‮". ‬وهو نمط من البناء،‮ ‬اعتمد تقسيم أحداث الرواية علي عدة محاور،‮ ‬تتوازي في زمن وقوعها،‮ ‬ولكن أماكن وقوعها تكون متباعدة نسبياً،‮ ‬وتظل لتلك المحاور شخصياتها الخاصة بها،‮ ‬تنمووتتطور إلي أن تلتقي في خاتمة الرواية،‮ ‬أوقد تظل معلقة‮ "‬‮(‬5‮)‬‮ ‬ولا يعني تزامن الأحداث توقف جريان الزمن في الرواية،‮ ‬إذ هو المؤشر الذي نضبط عليه إيقاع الأحداث،‮ ‬والواقع أن أية رواية مهما ادعت من فنون التجديد لا يمكن بحال من الأحول أن تستغني عن أثر البناء التقليدي،‮ ‬أي تتابع الأحداث في الزمن،‮ ‬وإلا توقف القص،‮ ‬وانتفي الشكل الحكائي كلية‮ "‬،‮ ‬وفي هذه الحالة لا يمكننا أن نطلق علي العمل صفة الروائية أوالقص،‮ ‬ونحن عندما نضع رواية‮ "‬السائرون نياماً‮" ‬تحت مصطلح البناء المتوازي،‮ ‬لا يعني افتقارها إلي البناء التقليدي،‮ ‬إذ هوكائن في كل محور من محاور أحداث الرواية الثلاثة،‮ ‬كما سنري فيما بعد،‮ ‬بيد أننا نعتمد الصفة المسيطرة علي البناء،‮ ‬وهي هنا في‮ "‬السائرون نياماً‮" ‬التوازي‮. ‬
‮ ‬تدور الأحداث في الرواية علي مدي ثلاثين عاماً،‮ ‬حددها الكاتب بقوله‮ " ‬الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث هذه القصة لا تكاد تتجاوز ثلاثين سنة‮ ( ‬1468‮ ‬‮ ‬1499‮) ‬من عمر سلطنة المماليك‮ "‬‮(‬6‮)‬‮. ‬وهي فترة طويلة نسبياً‮ ‬زاخرة بالأحداث الكثيرة المتشعبة مما يجعل مهمة الكاتب شاقة في تنظيمها وبنائها بناء‮) ‬محكماً،‮ ‬ولم يكن أمام سعد مكاوي للوصول إلي هذا البناء المحكم إلا أن يسقط فترة زمنية من السرد التاريخي وصلت إلي ما يقرب من تسعة وعشرين عاماً‮ ‬دون الاخلال بالسرد القصصي فإسقاط فترة من الزمن الواقعي،‮ ‬لا يعني اختزال الأحداث والشخصيات علي إمتداد الرواية،‮ ‬لذلك كان لجوء الكاتب إلي البناء المتوازي في تركيب الأحداث خير وسيله للوصول إلي بناء فني محكم قادر علي توصيل رؤية الكاتب‮.‬
وفي الرواية تتوازي الأحداث في ثلاث محاور أساسية تؤلف بإجمالها حدث الرواية،‮ ‬وهي‮ : ‬المحور الأول،‮ ‬الذي يربتط بالمماليك والسلاطين وما يدور في فلكهم من شخصيات داخل القلعة وخارجها‮. ‬والمحور الثاني،‮ ‬الذي يرتبط بالشخصيات الشعبية وهو يختلف عن المحور السابق المرتبط مكانيا بالقاهرة فقط،‮ ‬وبخاصة القلعة،‮ ‬في أن يجمع بين مكانين هما‮ : ‬القاهرة وميت جهينة،‮ ‬بمعني آخر المدينة أوالقرية،‮ ‬مما يشي بدلالة وحدة الشعب وتماسك الشخصيات المؤلفة لهذا المحور،‮ ‬يؤكد ذلك وقوف شخصيات أخري من الصعيد بجوار أهل‮ "‬ميت جهينة‮" ‬والقاهرة في صراعهم مع آل حمزة‮. ‬
أما المحور الثالث،‮ ‬فيرتبط بشخصية حمزة‮ "‬الكبير وابنة إدريس‮ "‬وحفيده من بعدهما الذين يمثلون الطبقة البرجوازية،‮ ‬بكل قيمتها ومثلها الاجتماعية والمادية،‮ ‬في مواجهة الشعب في القرية‮. ‬
ويظهر بقوة تماسك البناء في الرواية من خلال المحور الثاني الذي يمثل حلقة الوصل بين المحورين الأول والثالث،‮ ‬ثم من خلال تفاعل شخصيات كل محور علي حدة،‮ ‬وحيث لكل منها بنيتها الخاصة المتماسكة في حد ذاتها،‮ ‬إذا تتصارع شخصيات كل محور مع بعضها البعض،‮ ‬كما سنري من خلال الأحداث‮. ‬
يقسم‮ "‬سعد مكاوي‮" ‬روايته إلي ثلاثة أجزاء،‮ ‬ويعطي لكل جزء اسما خاصا به‮ : ‬الطاووس الطاعون الطاحون،‮ ‬وهي معادلة منطقية جداً‮ ‬فإذا انتشر الظلم والسلب والنهب،‮ ‬وتمتعت فئة صغيرة وعاشت متخمة برفاهيتها فهي ك‮ (‬الطاووس‮). ‬وإذا استشري الفقر وعم وعاشت فيه الغالبية العظمي البائسة وتلظت علي نيرانه فهي‮ (‬الطاعون‮)‬،‮ ‬وحتي إذا استمرت هذة الأوضاع لمدة ثلاثين عاما،‮ ‬فلا بد أن تتقلب وتتغير الأحوال،‮ ‬وحين يفيض الكيل بالمطحونين ينطلقون من‮ (‬الطاحون‮) ‬إلي الثورة‮ "‬‮(‬7‮) ‬
ويتشكل بناء الرواية من خلال الصراع في المحور الثاني‮ / ‬الشعب مع محوري الرواية الآخرين،‮ ‬وذلك علي مستويين رئيسيين،‮ ‬المستوي الأول‮ : ‬السلطان‮ / ‬الرعية،‮ ‬والمستوي الثاني الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة‮ (‬العمال في القاهرة والفلاحين في ميت جهينة‮) ‬وبين الطبقة البرجوازية التي يمثلها آل حمزة‮. ‬وبذلك يتشعب الصراع مما يثري العمل درامياً،‮ ‬ويعطيه حيوية متدفقة تجعل الرواية نابضة بالحياة وزاخرة بالقيم الإنسانية والروحية‮. ‬
1‮-‬تحت المستوي الأول‮ :‬
يدور الصراع بين الشعب والمماليك،‮ ‬يمهد الكاتب لهذا الصراع منذ بداية الرواية من خلال تشوق‮ "‬يوسف الجهيني‮ " ‬لرؤية السلطان،‮ ‬فبالكاد يفلح في رؤية شاربه،‮ ‬مما يشي بالانفصال واتساع الفجوة بين الشعب والحاكم،‮ ‬ثم قتل‮ " ‬بلباي‮ " ‬للشيخ‮ " ‬علاء الدين السجين وتسعة آخرين،‮ ‬ويستمر الصراع حتي يبلغ‮ ‬ذروته القصوي في اختطاف‮ "‬عزة‮ " ‬أخت‮ " ‬خالد‮" ‬من الحمام وهي عارية،‮ ‬وقد جعل الكاتب عملية الخطف بمثابة رمز لاختطاف مصر كلها علي يد عصابة المماليك،‮ ‬فيقول علي لسان زليخة‮ ". " ‬أينما تول وجهك فثم وجه عزة،‮ ‬يداها في البحر المالح وقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها الطاهرة‮ "‬‮(‬8‮)‬‮ ‬علي أن هذا الاختطاف يمثل أيضاً‮ ‬ نقطة تحول في طبيعة الصراع،‮ ‬إذ يبدأ من بعده الصراع المسلح والمواجهة الفعلية بين المماليك والشعب،‮ ‬لتكون بمثابة بداية الثورة،‮ ‬وفي الآن نفسه بداية لانتقال الصراع إلي المستوي الثاني‮. ‬
2‮- ‬وتحت المستوي الثاني‮ :‬
يدور الصراع بين الشعب وبين الطبقة البرجوازية‮ (‬آل حمزة في ميت جهينة‮)‬،‮ ‬ولا يعني هذا انتهاء الصراع بين المماليك والشعب،‮ ‬إذ هوكامن في نفوسهم،‮ ‬لذلك ينفجر مرة أخري في الجزء الثالث من الرواية،‮ ‬وذلك من خلال حادثة الشيخ الدلاتوني في القاهرة،‮ ‬حيث ينزل المماليك داره مفرقين شمل تلاميذه،‮ ‬قتلاً‮ ‬وتشريداً‮. ‬
وفيه أيضا ذ أي المستوي الثاني‮ - ‬ينتقل الصراع إلي القرية،‮ ‬ليبدأ في الأول صراعاً‮ ‬تقليدياً‮ ‬له جذوره التاريخية بين‮ " ‬آل حمزة الملتزم‮ " ‬وبين أسرة‮ "‬سليمان أبي طاسة‮ "‬،‮ ‬حول الأرض والعرض والشرف إذ يستبيح الملتزم كل شئ في القرية بما في ذلك النساء،‮ ‬ويكاد هذا الصراع يستأثر بمعظم الأحداث في الرواية،‮ ‬ليتخذ في هذه الحالة خط الأحداث البناء التقليدي،‮ ‬خاصة بعد هجرة أقارب‮ "‬سليمان أبي طاسة‮ " ‬وبقية أشخاص المحور الثاني إلي قرية‮ "‬ميت جهينة‮"‬،‮ ‬ليكونوا في النهاية أداة فعالة لحسم الصراع،‮ ‬الذي تنتهي به الرواية في الأخير،ممثلاً‮ ‬في قتل‮ "‬حمزة بن ادريس‮ " ‬أمام الطاحون،‮ ‬ودخول الشعب إلي منزل‮ "‬آل حمزة‮" ‬لأول مرة،‮ ‬فاتحين صوامع الغلال،‮ ‬وقاتلين الملتزم الكبير نفسه‮ " ‬إدريس‮". ‬كما سنري في هذا المقتطف من الرواية‮ :‬
‮ - ‬فتحناها فتحناها‮ !‬
‮ - ‬صوامعنا‮ !‬
‮ - ‬كله من فضلة خيركم‮. ‬
‮ - ‬إرادة الله فيكم‮. ‬
‮ - ‬أبشر يا ساكن الجميزة‮. ‬
‮ - ‬يا محمد أين أنت ؟
‮ ‬عند مسقط السلم رفع إدريس صلعته التي سقطت عنها العمامة في زحفه الأرضي المذعور فرأي علي الدرجة الرخامية العليا ست أقدام حافية مطينة تسد السبيل،‮ ‬وشعر وعرق في أربع سيقان وفي أقصي اليمين كشكشة سروال امرأة‮. ..‬
‮ ‬راكع بارز البطن مثل صوامعه وهو يخطف نظرة عبر الأبدان الثلاثة إلي الوجوه‮. .‬بلطتان وفأس،‮ ‬بائع الخروب ابن مصر والبنت والولد‮ !!‬
‮ ‬عيون فيها هول،‮ ‬البنت والولد،‮ ‬بلطة وفأس‮ !‬
‮ ‬وخرس لسانه عندما أراد أن يتكلم،‮ ‬أن يقول لهما أن كل هذا ملك لهما وأنه أبوها،‮ ‬لكن نظرة قلق في عيني صاحبهما اللتين تكشفان الغرب جعلته يرهف سمعه،‮ ‬فيسمع وقع سنابك الخيل المقبلة‮ ‬ومن تحت ومن قاع البيت حيث جثة ابنه مسجاة وسط النساء،‮ ‬تعالت فجأة زغرودة‮. .‬
‮ ‬ثم نبع سفلي من الزغاريد‮. .‬لقد جاء العسكر‮ !‬
‮ ‬صرخة عاتية،‮ ‬وبالبلطة المرفوعة في يديها تقدمت نور وثبتت قدميها ونصبت طولها‮ :‬
‮ - ‬لكن قبل أن يدهمونا تقبل يا أبتا التحية‮ !!‬
‮ ‬وأخذت نفساً‮ ‬كبيراً‮ ‬في شهقة عالية،‮ ‬وضربت ضربتها‮ "‬‮ (‬9‮)‬‮. ‬
‮ ‬آثرنا أن ننقل هذا النص ذ رغم طوله ذ من الرواية،‮ ‬لأنه يمثل مغزي الصراع الكلي والنهائي القائماً‮ ‬عليه الرواية،‮ ‬حيث يتمثل في تعاون السلطة الحاكمة والطبقة البرجوازية ضد الشعب‮. ‬
‮ ‬وبالوقوف عند طبيعة الصراع داخل كل محور،نجد أن الصراع في المحور الأول،‮ ‬القائم علي الكذب والخداع والتهالك علي الظلم والوصول إلي مقعد الحكم،‮ ‬بقطع النظر عن الوسيلة إلي ذلك،‮ ‬يضعف السلطة،‮ ‬ومن ثم يتحقق التوازن مع الطرف الآخر للصراع،‮ ‬أي الشعب،‮ ‬وقد جسد الكاتب هذا الضعف في ضعف الحاكم وعجزه الجنسي أوالعقلي،‮ ‬ومن ثم يتوالي الحكام،‮ ‬حاكما إثر آخر،‮ " ‬كلما وقع عجل طلع لنا‮ ‬غيره‮ " ‬حتي إنه في خلال ليلة واحدة يجلس علي أريكة الحكم ثلاثة سلاطين،‮ ‬ولعل خير ما يجسد هذه الحقيقة التاريخية فرار السلطان قنصوة من القلعة في زي النساء‮. ‬
ويختلف الأمر تماماً‮ ‬في الصراع داخل أحدث المحور الثاني‮ / ‬الشعب،‮ ‬عمالا وفلاحين،‮ ‬إذ نجد أن هذه الطبقة تتصارع فيما بينها من أجل الوحدة والتمسك بالقيم الثورية في وجه الاستبداد والظلم،‮ ‬الواقع عليهم من قبل المماليك وآل حمزة ،فزليخة ورجالها،‮ ‬أيوب وزين الدين وعمر يأتون بالشيخ عباس إلي حوش الدراويش مكتفاً‮ ‬اليدين والقدمين،‮ ‬رغم أنفه وهنا يكون النهي عن المنكر والأمر بالمعروف باليد لا باللسان،‮ ‬وفي الوقت نفسه يساعد الصراع مع المحورين الأول والثالث علي وحدة شخصيات هذه الطبقة وقوتها،‮ ‬ف‮ "‬عيسي‮ " ‬الهارب من حكم‮ ‬غيابي ضده بالسجن من قبل قاض ظالم‮ (‬معاون للسلطة‮)‬،‮ ‬وذلك بسبب رفضه الإذعان لرغبة امرأة من الحكام في الاتصال الجنسي به،‮ ‬مما يشي برفض الشعب للانخراط والتعاون مع المماليك،‮ ‬ينضم إلي حزب المظلومين‮ (‬الشعب‮ )‬،‮ ‬ومن ثم يصبح عاملاً‮ ‬مساعداً‮ ‬في قوة الشعب،‮ ‬إلا أن ذلك يتطلب التطهير أولاً،‮ ‬فيطلب منه عمر‮ :‬
‮"‬أريد منك أن تقسم أمامنا الآن أنك لن تقع بعد اليوم في‮ ‬غضب امرأة تطاردك بنقمتها بعد إعراضك عنها،‮ ‬وأنك ستتزوج في حياتك الجديدة وتغض بصرك عن نساء الغير‮ " ‬‮(‬10‮)‬
‮ ‬وبخطف‮ " ‬عزة‮" ‬وضياعها،‮ ‬ينضم‮ " ‬خالد‮" ‬ويتوحد مع أهل ميت جهينة،‮ ‬وكان قد سبقه إلي هناك‮ "‬خليل‮" ‬العريف،‮ ‬إلي أن ينضم‮ "‬يوسف‮"‬،‮ ‬بعد نجاته من المماليك في هجمتهم علي منزل الشيخ الدلاتولي،‮ ‬ثم يدافع المروءة والقرابة ينضم أخوال‮ "‬حسن‮" ‬ابن عم‮ "‬بركات‮" ‬الذي خصاه الملتزم وعلقه فوق الشجرة في ميت جهينة بعد أن تم ضبط زوجة ابنه معه في وضع جنسي،‮ ‬وسنلاحظ أن أخوال حسن آتون من الصعيد،‮ ‬وهكذا يلتئم شمل الجميع مكونين بذلك قوة ضاربة،‮ ‬تحسم الصراع لصالحها كما أشرنا من قبل‮. ‬
‮ ‬وأخيراً‮ ‬نأتي إلي شخصيات المحور الثالث،‮ ‬الملتزم وعائلته في قرية‮ "‬ميت جهينة‮"‬،‮ ‬فنجد أنها تميزت بسمتين هما‮ :‬الثبات،‮ ‬وذلك بتركيزها في عائلة واحدة هي‮ "‬آل حمزة‮"‬،‮ ‬أما السمة الثانية فهي‮ :‬المهادنة،‮ ‬إذ إنها كطبقة زئبقية تحاول أن ترضي جميع الأطراف في سبيل مصلحتها الشخصية،‮ ‬حتي وإن كات هذه المصلحة تتمثل في المتعة الجنسية،‮ ‬وإن كانت لا تتحقق في الغالب إلا عن طريق الاغتصاب‮ : ‬اغتصاب حمزة الكبير‮ (‬الجد‮) ‬ل‮ "‬ست الكل‮"‬،‮ ‬واغتصاب‮ "‬إدريس‮" "‬لفاطمة‮" ‬زوج‮ " ‬غالب‮" ‬و‮" ‬محسنة‮" ‬زوج‮ "‬عيسي‮" ‬في حين تبوء كل محاولات‮ "‬حمزة‮ " ‬الحفيد في الوصول إلي نور ابنة‮ "‬عيسي‮" ‬بالفشل الذريع مما يشي باتجاه الصراع الذي أخذ يميل لصالح الشعب،‮ ‬وهكذا يصبح الفشل في الاغتصاب معادلاً‮ ‬للفشل في السيطرة علي أهل‮ "‬ميت جهينة‮" ‬
‮ ‬وقد وفق الكاتب توفيقاً‮ ‬كبيرا عندما جعل هذه الطبقة تقضي علي نفسها بنفسها،‮ ‬وذلك عن طريق فسادها الأخلاقي المتمثل في تهالك آل حمزة علي الجنس،‮ ‬رجالاً‮ ‬ونساء علي السواء‮ (‬تمارس زوجة إدريس الجنس مع بركات خادمها‮ )‬،‮ ‬علي أن هذا التهالك،‮ ‬إلي جانب دلالته المادية يأتي بنتيجة عكسية تماماً،‮ ‬لا تكون أبداً‮ ‬في صالح‮ "‬آل حمزة‮ " ‬فتطلق زوجة إدريس ويخصي بركات،‮ ‬مما يترتب عليه الإساءة إلي آل حمزة وفي الوقت نفس مطالبة أهل بركات بالثأر لابنهم،‮ ‬وقد حدث،‮ ‬إذ قتل حمزة،‮ ‬وسنلاحظ أنها حاثة القتل الوحيدة في ميت جهينة‮. ‬ومن ناحية أخري يأتي اغتصاب‮ " ‬فاطمة‮ " ‬و‮" ‬محسنة‮" ‬بإنجاب‮ " ‬محمد‮" ‬و‮" ‬نور‮" ‬اللذين يقتلان بأيديهما‮ " ‬إدريس‮" ‬الملتزم والدهما الحقيقي،‮ ‬وكأني بالاغتصاب هنا بمثابة معادل موضوعي لاغتصاب الملتزم للأرض،‮ ‬فالأرض ملك لمن يزرعها،‮ ‬ومن ثم يكون الانتماء الحقيقي‮ " ‬لمحمد‮" ‬و"نور‮" ‬لأبيهما‮ ‬غالب وعيسي،‮ ‬وبالتالي يكون لطبقتهما أيضاً‮. ‬
‮ ‬ويبقي أن نؤكد في النهاية أن هذا النوع من البناء أي البناء المتوازي مكن‮ "‬سعد مكاوي‮ " ‬من تنظيم مادته القصصية،‮ ‬سواء أكانت وقائع تاريخية أم وقائع خيالية،‮ ‬في بناء هندسي محكم،‮ ‬استطاع فيه أن يوازن بين المادة التاريخية والمادة الخيالية،‮ ‬دون أن تجور إحداهما علي الأخري،‮ ‬وفي الوقت نفسه أعطي كل شخصية حقها من التصوير مما جعلها تتجسد أمامنا حية،رغم كثرة الأحداث في الرواية‮. ‬
الهوامش‮ : ‬
‮1 ‬ عبد الله إبراهيم،‮ ‬البناء الفني لرواية الحب في العراق،‮ ‬دار الشئون الثقافية العامة،‮ ‬بغداد‮ ‬1988،‮ ‬ص51،‮ ‬53‮. ‬
‮2 ‬ محمد زغلول سلام،‮ ‬النقد الأدبي الحديث،‮ ‬أصوله واتجاهات رواده،‮ ‬منشأة المعارف الاسكندرية‮ ‬1981‮ ‬ص‮ ‬111‮ .‬
‮3 ‬ المرجع نفسه ص113‮. ‬
‮4 ‬ عبد الله إبراهيم،‮ ‬البناء الفني لرواية الحرب في العراق،‮ ‬مرجع سابق،‮ ‬ص27‮. ‬
‮5 ‬ عبدالله إبراهيم،‮ ‬المرجع نفسه،‮ ‬ص‮ ‬54‮. ‬
‮6 ‬ سعد مكاوي،‮ ‬السائرون نياماً،‮ ‬الدار المصرية للتأليف والترجمة،‮ ‬القاهرة‮ ‬1965،‮ ‬ص2‮ .‬
‮7 ‬ حسين عيد،‮ ‬السائرون نياماً،‮ ‬لوحة ساحرة للعصر المملوكي،‮ ‬مجلة الثقافة الجديدة،‮ ‬أغسطس‮ ‬1990،‮ ‬ص22‮ .‬
‮8 ‬ سعد مكاوي،‮ ‬السائرون نياماً،‮ ‬مصدر سابق،‮ ‬ص68‮. ‬
‮9 ‬ سعد مكاوي،‮ ‬المصدر نفسه،‮ ‬ص‮ ‬282،‮ ‬283‮. ‬
10‮-‬سعد مكاوي،‮ ‬المصدر نفسه،‮ ‬ص‮ ‬39‮. ‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.