الكشف عن مكنون الأشياء يتطلب تماس مع روحها... ولكل مكان أسراره التي يكشفها عنها حسب رغبته لقاطنيه أو حسب ولعهم به.. من هذا المنطلق ولدت فكرة التجمعات الفنية في مختلف الأماكن التي تحمل في بصمتها وطبقاتها الداخلية سنوات من الحضارة والمعرفة، والتي يكون علي كل فنان أن ينهل من نبعها ما يشاء ليقدمه في عمل فني من وحي المكان كما هو الحال في سمبوزيوم الأقصر الدولي للتصوير الذي ينظمه صندوق التنمية الثقافية، وكذلك مراسم سيوة التي تنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة. كانت واحة سيوة تسمي في العصر الفرعوني "واحة أمون" حيث كانت تمثل واحدة من أهم مراكز عبادة أمون، ويقال إن الإسكندر الأكبر ذهب هناك ليبارك حكمه بمصر ويسأل الكهنة إن كان سيحكم العالم، وقد كتب بهاء طاهر من وحيها روايته الشهيرة "واحة الغروب" التي غاص فيها في تفاصيل تلك الواحة المليئة بالأسرار وهي الرواية التي نال عنها جائزة البوكر العربية. وقد استضافت قاعة الهناجر مؤخرا معرضا ضخما لأعمال الفنانين المشاركين بمراسم سيوة لعام 2016، حيث تضمن المعرض أعمالاً فنية ل20 فنانا وفنانة سافروا إلي سيوة خلال هذا العام علي فوجين حيث ضم فوج الفنانات كلا من: أسماء سامي، وإيمان حكيم، ورانيا حافظ شوقي، ورشا جوهر، وشذا خالد وشيماء الألفي ونورهان يحيي وهبة عريبة ووئام علي عمر ورأست الفوج الفنانة مني عليوة التي فضلت أن تخرج أعمالها من التحكيم واكتفت بالعرض فقط،كما شارك في فوج الفنانين كل من: أحمد الدندراوي وأحمد سنبل، وأحمد صابر، وحازم بكري، ومحمد أبو الوفا،ومحمد النادي،وهاني عبد الله حسن وحسام ضرار وعلي حسان ورأس الفوج د.حسام راضي. وكأن سيوة قد اختارت العزلة في قلب الصحراء لتحافظ علي نقائها وجمالها البكر لتظل دوما مكانا مختارا للباحثين عن الحكمة والجمال الصافي.. بهذه العبارة عبر الفنان حسام راضي عن إحساسه بسيوة مضيفا: سيوة بالنسبة لي حالة وجدانية لا أستطيع توصيفها بكلمات وحتي برسومات.. وهي حالة مدهشة ومريحة لنفسي المرهقة ليست فقط معايشة الطبيعة المبدعة،بل ناسها الطيبيبن وتلك المجموعة من المبدعين، وهي حالة فريدة ستظل محفورة عميقا وستبقي معي طويلا.. وأعتقد جازما مع باقي الفنانين. وفي كلمتها ذكرت د.مني عليوة منذ اللحظة الأولي التي تطأ فيها قدمك واحة سيوة تشعر بذلك الأثير الآخاذ الذي تنتقل من خلاله لحالة من الوجد والطمأنينة الممتزجة بعمق الحضارة والتاريخ، مضيفة في تعليقها علي المعرض: يقدم المعرض رؤي فنية مختلفة للعديد من الفنانين حيث يضمن كل منهم عمله قيما تشكيلية استمد مفرادته من طبيعة سيوة الثرية لينتج ذلك التمايز في الرؤي لتلك الأعمال المقدمة. اختار كل فنان من المشاركين أن يوظف عددا من الرموز السيوية في أعماله بالخامة التي يفضلها إلا أنه تم استبعاد الفوتوغرافيا والوسائط الديجتال من المشاركة، حيث اختار الفنان أحمد سنبل أن يعكس تلك الحالة من الماضي والحاضر بينما يحمل أحد الصبية براد الشاي التقليدي ويمسك الآخر بطبق الدش.. كما اختار كل من الفنان محمد نادي والفنانة وئام عمر تضفير اللغة الأمازيغية في أعمالهما.. وقدم هاني عبد الله حسن أن يقدم البيوت لتبدو كلفافات بردي قديمة.. واختارت الفنانة شذا خالد أن تستغل تفاصيل الزخرفة التي تتضح في الأزياء السيناوية.. كما قدم الفنان علي حسان لوحة ضخمة مقسمة إلي ثلاث قطع سجل فيها لقطة لراعية غنم ترتدي الزي السيوي.. وغير ذلك. وعلي الرغم من أن المرأة في سيوة لا تظهر وجهها في الخارج إلا أن كل فنان قدمها بطريقته اختار البعض أن يقدمها في الخلفية أو مكشوفة الوجه أو وهي مغطاة الوجه كما هو في الواقع. وربما كانت المرأة هي البطل في أعمال الفنانة الشابة شيماء الألفي.. أصغر المشاركات في منحة مراسم سيوة 2016،حيث تخرجت عام 2013 من كلية تربية فنية وتقوم بالإعداد لرسالة ماجستير في التصوير عن الاتجاهات التجريبية للصورة، وكانت شيماء قد حصلت علي جائزة الاقتناء بصالون الشباب 2014. تقول شيماء: من قال إن المرأة في سيوة مختفية، ربما هي لا تكشف وجهها لكنها موجودة وفاعلة بقوة في كل ملمح من ملامح الحياة في سيوة.. وقد عرضت شيماء عملين واحد لفتاة جميلة ترتدي الزي السيوي وأخري لامرأة ملامحها مختفية تحت الزي السيوي التقليدي بينما تحيط بها فروع الشجر. وربما كان العمل المركب الوحيد بالمعرض هو عمل الفنانة هبه عريبة، حيث حرصت علي الغوص في الثقافة والتعرف علي كل ما له علاقة بالعادات والتقاليد والفنون والعمارة والتاريخ، وكذلك اقتربت من عالم الفنون اليدوية من أزياء وحلي مشغولات يدوية وخامتها وألوانها ووظفتها كثير منها في أعمالها.. بل لقد حرصت الفنانة أيضا علي معرفة معني الرموز السيوية وأصلها وحكايتها من خلال عمل حوار مسجل مع إحدي السيدات المسئولة عن الحرف اليدوية بسيوة.. و قدمت الفنانة أربعة أعمال عرض منهم اثنان فقط، العمل الأول عبارة عن باب قديم مرسوم عليه بعض الرموز السيوية، استخدمت فيه مشغولات فنية سيوية سابقة التجهيز متمثلة في المراوح السيوية، أما العمل الثاني ففكرته مستوحاة من السجاد السيوي ولكن أيضا مرسوم عليه نافذة، وقد استخدمت الفنانة ألوان الإكريلك وخامات مختلفة كالقماش الشفاف والمشغولات اليدوية السيوية سابقة التجهيز، واستخدمت أيضا الخيوط الصوف كواحدة من علامات المشغولات السيوية الأكثر استخداما وانتشارا بألوانها المتعارف عليها، ووظفت أيضا الأزرار والصدف وهي من الوحدات الأساسية في التطريز السيوي. إن ذلك المزيج بين التجارب والخبرات الفنية من مختلف الأعمار هو واحد من الأهداف التي تسعي إليها منحة مراسم سيوة الأمر الذي أكدت عليه هبة صالح قومسير عام المعرض .. مضيفة أنه من جهة أخري تأتي فاعلية مراسم سيوة كاستثمار لموارد مصر وإعادة اكتشافها وتقديمها محليا وعالميا من خلال الفن.. وستظل سيوة بمفردات بيئتها المتفردة مصدراً خصبا للإبداع والجمال المصري الأصيل.. وتشير هبة أنه لم يتم عرض كل الأعمال المقدمة بل تم الاختيار ما بينها حسب مساحة العرض بحيث لا يطغي فنان علي آخر، وبحيث نخرج من العرض بوجهات نظر الفنانين المختلفة. جدير بالذكر أن الإدارة العامة للفنون التشكيلية والحرف البيئية بهيئة قصور الثقافة شكلت لجنة لتحكيم الأعمال الفنية المشاركة في المعرض، وذلك لمنح جائزة كليوباترا لمراسم سيوة وقيمتها 10000 جنيه، تم تقسيمها علي كل من الفنانة شذا خالد 5000 جنيه، والفنان أحمد صابر 3000 جنيه، وعلي حسان 2000 جنيه بالإضافة إلي خمسة جوائز شرفية، وتشكلت اللجنة برئاسة د.صلاح المليجي، وعضوية كل من الفنانين د.عقيلة رياض، ود.هيثم عبد الحفيظ، وفاروق مصطفي وطارق عبد العزيز، بجانب مقررة اللجنة رشا عبد الحفيظ.