كانت ألحان موسيقي عمر خيرت تصدح من سيارة السفارة المصرية، أول أرض مصرية تطأها قدمي في العاصمة الألمانية برلين، لتصحبني من مقر إقامتي بأحد فنادق وسط المدينة، أثناء تغطية معرض IFA للتكنولوجيا الأخير ، لم يكن لقاء السفير المصري هناك صعباً، بالرغم عدم الإعداد له مسبقاً بفترة كافية، لكن السفير بدر عبد العطي المتحدث الرسمي السابق لوزارة الخارجية المصرية، وسفير مصر الحالي لدي ألمانيا رحب علي الفور عقب تلقي رسالة شخصية أطلب فيها لقاءه لإجراء حوار صحفي حول العلاقات المصرية الألمانية، وعن حجم توافد السياحة الألمانية في مصر، وكذلك عن ارتباط السائح الألماني بالحضارة المصرية، وعن الخطاب الإعلامي الألماني تجاه مصر.. كل ذلك وأكثر تحدث عنه السفير بدر عبد العاطي من داخل مقر السفارة المصرية ، وهي إحدي أمارات حصافة الدولة المصرية وقت أن قررت تملك هذا المبني المهيب بالكامل في وسط العاصمة، وهومالا تحظي به كثير من الدول، ويشتمل المبني الضخم أيضاً علي مقر إقامة السفير، ومعرض فني، ومنفذ لانهاء الأوراق الرسمية للجالية المصرية هناك. كيف يري الاعلام الألماني صورة مصر، وكيف تعمل السفارة المصرية هناك، وكيف تطور الخطاب الرسمي، وما هي قنوات الاتصال مع الرأي العام الألماني؟ كل ذلك يجيب عنه السفير بدر عبد العاطي.. لدينا في مصر أزمة حقيقية بسبب انحسار عدد الأفواج السياحية القادمة للمناطق السياحية.. كيف تري حركة تدفق السياحة الألمانية لمصر؟ الواقع أن ألمانيا من الدول القليلة التي لم تُغير ارشادات السفر لمصر، فلم تمنع سائحيها أوتحظر السفر الي الأراضي المصرية، ولم تسرد تحذيرات لرعاياها الا في فقرة قصيرة جدا تتعلق بمنطقة طابا، منذ عام 2014 بعد حادث الحافلة التي كانت تُقل مجموعة من السائحين الكوريين، أما فيما عدا ذلك فلا تحذيرات. إذن هل تري أن السياحة الألمانية في مصر طبيعية ولم تتأثر؟ بالطبع السائح الألماني لديه مخاوفه، التي خفضت نسبة توافد السياح الألمان الي مصر بنسبة تقارب 40%، ولكن دعنا نؤكد أن الألمان يركزون سياحتهم في مناطق البحر الأحمر والغردقة، حيث رياضات الغوص، والرياضات المائية. السياحة الألمانية ولماذا انخفضت السياحة الألمانية بالرغم من عدم صدور تحذيرات من الحكومة؟ الحقيقة أن المواطن الألماني يتابع يومياً ما تنشره الخارجية الألمانية علي صفحتها، وما يتعلق بارشادات السفر، والحالة الأمنية في مصر، وغير ذلك من مسائل ليأمن علي نفسه. وكيف تستطيع السفارة المصرية إقناع المواطن الألماني بأنه آمن في مصر؟ المسألة كلها تتعلق بكيفية الوصول بآلية الاختيار المناسب لمخاطبة المواطن، ونحن نستهدف الرأي العام في المقام الأول، فمن خلال الحديث الدائم والمتواصل مع الحكومة الفيدرالية، وكذلك من خلال الوصول الي منافذ الرأي العام الألماني، نستطيع تحسين الصورة، بل وأحياناً تغييرها بالكامل للأحسن. وكيف تدير السفارة الملف السياحي الآن؟ نحن بصدد الإعلان الآن عن حملة ترويجية ضخمة بألمانيا، تتكفل بها هيئة تنشيط السياحة المصرية بالتعاون مع وزارة السياحة، وذلك للحاق بالموسم الشتوي القادم. ذكرت أن نوعاً من التواصل المستمر تجريه السفارة بشكل شبه دوري مع الإعلام الألماني.. فأي إعلام تستهدفه السفارة؟ صحيح.. فنحن نعقد لقاءً أسبوعياً مع محرري الشئون الخارجية بالصحف الألمانية، وشهرياً لقاء آخر مع رؤساء تحرير الوسائل الإعلامية الأوسع انتشاراً، ومنها فرانكفورت ألكين، وبيلت، وزيدويتشة، بالاضافة لقناتين فضائيتين كبيرتين، ووكالة الأنباء الألمانية. .. طبعاً هذا بالإضافة للتنسيق الدائم مع مكتبنا السياحي فيتم التواصل بشكل شبه يومي مع رؤساء تحرير ومحررري المجلات السياحية الكبري، كما أننا مؤخراً لجأنا لدعوة كبار الصحفيين السياحيين لزيارة مصر والكتابة عنها لتكون الصورة واقعية. الرؤية المصرية وفيم يدور عادة الحديث مع مندوبي الصحف ورؤساء تحريرها؟ نتحدث عن كل مايدور في مصر بلا استثناء، وعن الرؤية المصرية شاملة، اقتصاد، وأمن وسياحة، واستثمار، وغيرها من الملفات اليومية في مصر، »نحن ليس علي رأسنا بطحة» كي نتحدث عن أشياء بعينها، كل ما تهدف إليه السفارة هوإنشاء جدار من الثقة المتبادلة، فيما يشبه جلسة التلقين، وليس بالضرورة أن يكتب بعدها المحرر ما يملي عليه، ولكن يكفي تعريفه وإطلاعه علي الأمور في مصر. تحدثت عن علاقة السفارة بالإعلام الألماني خاصة بالمطبوعات المتخصصة.. ماذا عن المطبوعات العامة المهتمة بالسياسة الخارجية؟ دعونا كبير محرري ملف الشرق الأوسط في مجلة ديرشبيجل الأوسع انتشاراً في ألمانيا لزيارة مصر، وبالفعل عاد منذ أيام بعد إجازة بمدينتي شرم الشيخ والغردقة، ونحن علي موعد قريب للقاء المحرر ورئيس تحرير المجلة. .. ولكن دعني أيضاً أؤكد علي دور المراسلين الأجانب في مصر، فالاعلام الألماني ليس بمعزل عن الاعلام الغربي ككل، وكل كلمة سلبية يكتبها الإعلام العالمي عن مصر بلا شك تؤثر بشدة، لان المراسل المُقيم دائماً له مصداقيته لدي الشعب الأوروبي، وهوملف علي مصر الالتفات له بعناية. وكيف تُقيم نجاح التجربة حتي الآن؟ النتائج تؤكد نجاح التواصل المستمر وهذا ليس كلاماً مرسلاً، فيمكننا التقييم من خلال الوقفة الألمانية الجادة لمساندة مصر في طلبها للاقتراض من صندوق النقد الدولي، وكذلك ازدياد حجم التبادل التجاري القائم بين مصر وألمانيا بنسبة تقارب 20% عن العام الماضي، بما يقدر بنحو5.4 مليار يورو. .. وسياسياً؟ تعال نتفق أن ألمانيا متأكدة تماماً أن مصر هي تقريباً الدولة الوحيدة التي لاتزال متماسكة في المنطقة، وأنها حائط الصد الأخير تقريباً لحماية ألمانيا بالأخص، ودول القارة الأوروبية من مخاطر الإرهاب، والإتجار بالبشر، من ليبيا ودول جنوب القارة الإفريقية. دور السفارة وكيف تستغل السفارة هذه الإيجابيات؟ الملف الموازي لموضوع الترويج السياحة والذي لا يقل عنه أهمية هوالترويج للاستثمار، والدور المنوط بالسفارة الآن هونقل العلاقات الاقتصادية مع ألمانيا من دولة مانحة إلي دولة صاحبة استثمارات، فلم يعد ملف الاقتصاد المتبادل مع الدولة المصرية يليق به أن يقتصر علي المنح والقروض، ولكن مصر الآن تركز علي نقل الخبرات الألمانية، والاستفادة منها تكنولوجيا، وفي مجال التدريب، والاستثمار. وماذا ينقص الاستثمار الألماني ليأتي لمصر؟ ضمانات.. فقط ما يحتاجه أي اقتصاد علي مستوي العالم هوالضمانات، ولا تنسي أن المستثمر الألماني ينظر للمنطقة بنظرة من الترقب، ولذلك فان وزارة الاقتصاد الألمانية تقدم ما يسمي بضمانات التصدير ، وذلك يأتي ضمن اتفاقية لحماية الاستثمارات المشتركة موقعة بين مصر وألمانيا، وتقضي أنه في حالة حدوث أية ظروف أومخاطر سياسية في مصر تقوم الحكومة الألمانية ممثلة في وزارة الاقتصاد بتعويض المستثمر، وهذا يؤمن نسبة المخاطرة بقدر يصل الي نحو95% من أصل قيمة الاستثمار، مما يطمئن المستثمر، كذلك تمت صفقة الشركة الألمانية »سيمنز» لتركيب محطات الكهرباء العملاقة. وما أحدث استثمارات ألمانية دخلت السوق المصرية؟ مؤخرا انتهينا من اتمام اتفاقية باستثمارات جديدة تصل لنحو40 مليون يورولانشاء مصنع للمنظفات والبتروكيماويات بمنطقة العاشر من رمضان، وبدأ العمل به فعلياً. وما هي أهم الملفات التي يهتم الرأي العام الألماني بالحديث عنها؟ الرأي العام الألماني يهتم للغاية بملف حقوق الإنسان، وما يطلق عليه الاختفاء القسري، وهما ملفان في غاية الأهمية، وللحق فإن الغرب ينقصه معلومات دقيقة وحقيقة، وعندما يحصل عليها ينقلها بموضوعية، بل ويحترم أيضاً مصدره. .. ونحن نتواصل باستمرار مع مكتب النائب العام، ووزارة العدل، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، للوقوف علي معلومات دقيقة نستطيع من خلالها الرد علي كافة التساؤلات الألمانية.. البعض أيضاً هنا لديه تحفظات علي قانون التظاهر المصري، ولكنه يبقي في النهاية قانون علينا احترامه لحين تعديله من جانب الجهات المختصة، أوحتي إلغاؤه، أما وانه مستمر العمل به فعلينا احترامه، وهذا ما نسعي للتأكيد عليه دائماً. اتحاد الصناعات وهل تكفي القنوات الإعلامية للتواصل مع الألمان؟ بالقطع لا.. ولذلك فان الزيارات الخارجية لأنحاء ألمانيا مستمرة أيضاً بالتوازي مع المقابلات واللقاءات المغلقة، ولدينا شهرياً زيارة لاحدي الولايات نقابل خلالها رئيس الحكومة الفيدرالية في الولاية، ورئيس البرلمان، ووسائل الاعلام، والجالية المقيمة، واتحاد الصناعات والغرف التجارية. وكم يبلغ عدد الجالية المصرية في ألمانيا بالتقريب؟ نحو60 ألف مصري مقيم، أما من حصلوا عن علي الجنسية فسقطت عنهم الجنسية المصرية بحكم القانون الألماني الذي يشترط أحادية الجنسية، وهم من خيرة المواطنين. وماذا عن الذين حصلوا علي الجنسية الألمانية؟ هؤلاء عقول من أبرع عقول مصر، وهم يؤدون دور مهم للغاية، في التواصل مع الحكومة الألمانية، ولعلني لا أبالغ اذا أفصحت لك عن أنهم يتمتعون أحياناً بمصداقية كبيرة جداً نظراً لأنهم ألمان الجنسية، ولا يحملون جنسية أخري. لدي الغرب عامة والمجتمع الألماني تحديداً هلع مما يسمي الإسلاموفوبيا.. كيف تري ذلك؟ لا شك أن موجة العنف التي تعرضت لها أوروبا مؤخراً نجحت للأسف في اذكاء هذه النبرة، واشعال هذه الأفكار، ولا تنسي أيضاً أن السماح للاجئين السوريين بالدخول والإقامة في ألمانيا، وهوموقف إنساني يُحسب لألمانيا، وللمستشارة الألمانية، لكنه ساهم في الربط بين قضية اللاجئين والارهاب، وهوما نسعي دائماً في زياراتنا الميدانية، واللقاءات المستمرة بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني الألمانية لنفيه، وتصحيحه أيضاً. عار من الصحة تظهر الصور التي تصدر في وسائل الاعلام الغربية أن للاخوان قدرة علي حشد الآلاف للتظاهر ضد النظام المصري وبالتحديد في ألمانيا.. فما حقيقة ذلك؟ هذا كلام عار تماما عن الصحة، ومن يردد ذلك الحديث يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن لديه أزمة حقيقية، والحقيقة أن القدرة التنظيمية للجماعة المحظورة تقلصت تماما الي حد أن أحدي التظاهرات التي أبلغني أمن السفارة بها، وتحركت لتبينها، لم أجد أكثر من فردين بالعدد،وعندما زاد التجمع وصل الي أربعة أشخاص مجهولين، وبالتحقق من شخصياتهم تبين أن إثنين منهم يحملا جنسية غير مصرية. إذن لما أُشيع أن خلال زيارة الإمام الأكبر لألمانيا حدثت تظاهرات غفيرة.. وذلك أيضاً ما يشاع مع كل زيارة لمسئول مصري رفيع؟ لدي الجماعة المحظورة حالة من الهوس الإعلامي، فببساطة تستطيع أذرعها استغلال الديموقراطية الألمانية، لاذاعة صور أوشائعات بعينها لاختلاق ذرائع وهمية تشوش علي قوة الدولة المصرية، وما حدث خلال زيارة الإمام الأكبر لألمانيا أنني طالبت الأمن الألماني برفع أعداد أفراد الأمن والتأمين المصاحبين لفضيلته، وذلك تحسباً لأية أعمال غير محسوبة، وللحق فان الأمن الألماني لم يتوان وأبدي كل تعاون يذكر لتأمين فضيلة الإمام الأكبر. وكيف تري الحكومة الفيدرالية ومجلس النواب الاتحادي الألماني مثل هذه الزيارة؟ الزيارة في الواقع كانت متميزة للغاية، غير أن شخصية في قيمة ومقام الإمام الأكبر لها ثقلها ووزنها، عندما تأتي لألمانيا وتزور الحكومة وتجري لقاءات ثنائية مع مسئولين رفيعي المستوي في الدولة الألمانية تطمئن المجتمع الغربي ككل من وهم الإسلاموفوبيا، وهوالوهم الذي ساهم في صناعته المسلمون أنفسهم للأسف، من خلال موجات التهديد، والتحذير، والوعيد التي يرهب بها المجتمع الغربي من آن لآخر. أقوال مجهلة إذن كيف تري الخطوة التالية للدولة المصرية في ألمانيا ممثلة في السفارة؟ عملت كمتحدث رسمي لوزارة الخارجية المصرية عقب ثورة 30 من يونيو، ومكنني موقعي من معرفة الطريقة التي يتحدث بها الغرب، وهي تلك التي لا ترتكن علي شائعات، ولا أقوال مجهلة، الغرب ينقصه الحوار الجاد، والمعلومات الحقيقية، ومزيد من توضيح الصورة، وهذا ما يجب علي كل السفارات المصرية في كل العالم الاهتمام به. أخيراً.. حدثنا عن الموقع المميز للسفارة المصرية هنا في برلين؟ هذا المبني العظيم مملوك للحكومة المصرية بالكامل، وهوعلامة علي حصافة الدولة المصرية، وقت أن قررت شراء المبني وتملكه في أوقات سابقه، وهذه السفارة ليست الوحيدة المملوكة للدولة المصرية، فسفارات مصر في الدول المحورية مملوكة للدولة المصرية، في فرنسا، وانجلترا، وتركيا، وألمانيا، وذلك كان توجه الدولة المصرية للتمدد والارتقاء، وهوأيضاً توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يري أنه يتوجب علي الدولة المصرية أن تكون مالكة، مع الأخذ في الاعتبار موضوع ترشيد النفقات الذي لا غني عنه. هل للسفارة المصرية قنصليات لرعاية الجالية المصرية في أي منطقة غير برلين؟ نعم لدينا مكتب تمثيل في ميونيخ لاستخراج جوازات السفر، وفي فرانكفورت أيضاً، بل ونسعي لتوسيع انتشارنا لخدمة كل أبناء الجالية المصرية في ال 16 ولاية ألمانية.