بعد روايته الأخيرة "فاصل للدهشة" التي عبر فيها عن عالم واقعي بحت، يدخل محمد الفخراني في روايته الجديدة "ألف جناح للعالم" عالماً مغايراً تماماً، عالماً خيالياً لا وجود له ولا شبيه إلا في رأسه وحده. استغرقت الرواية أربع سنوات لكتابتها ثم مزقها الفخراني لأنه لم يرضَ عنها في شكلها النهائي، فعاد وكتبها كاملة في عام واحد. تحكي عن باحثة جيولوجية اسمها "سيمويا" تقابل فتاة تعطيها أوراقاً تقرأها ليلاً فتجد فيها ما سيحدث لها مستقبلاً وما يقع لها مع حفيدتها حيث أنها من سلالة غريبة تبدأ بالجدات وتنتهي بالحفيدات ولا وجود فيها لآباء وأمهات. محمد الفخراني،41 سنة، روائي وقاص مصري، صدرت له أربع مجموعات قصصية منها: "بنت ليل "، "قصص تلعب مع العالم"، "طرق سرية للجموح"، وتبقي روايته الأخيرة "فاصل للدهشة" فاصلاً حقيقياً وعتبة هامة في مشواره الأدبي. حصل الفخراني علي عدة جوائز أهمها: "جائزة الدولة التشجيعية للقصة " 2013، "جائزة معهد العالم العربي للأدب الشاب" 2014. لماذا لم تستغل نجاح روايتك الأولي "فاصل للدهشة" ودخلت إلي عالم خيالي انقطعت صلاته تماماً بالواقع؟ لم أقصد أن أضع العالمين في مواجهة بعضهما البعض. كل ما قصدته هو خلق عالم مختلف وخيالي لا يمت للواقع بصلة، وكنت قد مهدت لذلك بثلاث مجموعات قصصية بعد رواية فاصل للدهشة. كنت أريد الدخول إلي عالم روائي مختلف ومغاير تماماً وهو ما تطلب مني استخدام لغة مختلفة وتكنيك مختلف أيضاً كي تخرج الرواية لتعبر عن حالة خاصة جداً. وهل كنت تراهن علي قاريء مختلف؟ هذا يتوقف علي عدة تساؤلات تختلف من كاتب لآخر. هل الكاتب يفكر في قاريء النص قبل أن يشرع في الكتابة أم عند الانتهاء، أم في لحظة معينة أثناء الكتابة؟ أكون صادقاً معك وأقول إن الكاتب يفكر في قارئه بالضرورة ويظهر هذا القاريء في بعض اللحظات كأن تكون بصدد كتابة مشهد ما ويظهر لك القاريء الذي يطرح عليك تساؤلات عما إذا كان المشهد سيصله ويؤثر فيه أم لا. لم أنشغل بمن سيقرأ الرواية ولكني أحكم علي النص من منظوري الخاص وعندما يعجبني أكون واثقاً من أنه سيعجب القاريء لأن من الصعب أن أرضي عن نص ما. لماذا جاءت أسماء الشخصيات أجنبية؟ لم أقصد ذلك، ولكني أردت أن تكون الشخصيات صالحة للاستخدام في كل مكان وزمان. لقد استخدمت أسماء غير مرتبطة ببيئة معينة أو ثقافة خاصة، فجاءت "سيمويا"، "دوفو"، "بينورا" لتعبر عن شخصيات غير مألوفة عابرة لمكان محدد بزمان محدد. الفكرة الأساسية هي أن تكون الشخصيات بلا ثقافة ولا جنسية محددة. تبدو الرواية مرهقة في كتابتها... بدأت كتابة الرواية في عام 2010 واستمرت مرحلة الكتابة أربع سنوات، وفي 2014 لم أجد نفسي راضياً بالقدر الكافي، قرأت صفحة واحدة منها واتخذت قراري بعدم نشرها فلم تكن هذه هي الرواية التي تمنيت كتابتها كما أن الإيقاع لم يكن كما خططت وأنا شديد الاهتمام بإيقاع الكتابة وعندما يقع مني الإيقاع وأجد نفسي غير قادر علي الاستمرار فأنا أتوقف فوراً. هكذا قمت بتمزيق الرواية وأعدت كتابتها من جديد وبعد عام وتحديداً في نهاية 2015 كنت قد انتهيت من الكتابة، بعد أن ضبطت الإيقاع واستبدلت بالجمل الطويلة في المسودة الأولي للرواية تلك الجمل القصيرة التي ظهرت في النسخة الأخيرة. خرجت الرواية كما أردت لها وجاءت خفيفة من حيث الرهافة فخلت من التشبيهات السائدة والجمل الطويلة المعلبة. قبل هذه الرواية لم أكن أحبذ تدخل الحوار في الرواية وكنت أضع شروطاً لاستخدام الحوار، وفي "ألف جناح للعالم" استخدمت الحوار ولكن بجمل قصيرة وباللغة الفصحي التي تخلو من التعقيد، فهي فصحي بسيطة متداولة، والذي ساعدني في ذلك هو الإيقاع السريع للرواية واللغة البسيطة السلسة الخالية من أسماء الإشارة والأسماء الموصولة التي تثقل روح الرواية وتمنعها من أن تحلق بعيداً. الكتابة هي أصعب شيء في الوجود ولا أقول من أصعب الأشياء. لا أعلم عن هؤلاء الذي يقولون أن الكتابة شيء سهل إن كانوا جادين في ما يقولون أم لا. جاءت "سيمويا" و "بينورا" تنتميان إلي سلالة لا آباء فيها ولا أمهات.. ماذا قصدت؟ لم أقصد شيء من ذلك. فقط أعجبتني الفكرة. لم أجد هناك داعي لوجود أب أو أم، فلا دور لهم في النص، كما أنني أردت تسليط الضوء علي هذه العلاقة الخاصة، علاقة الجدة والحفيدة. أردت وضع كل شيء داخل الرواية في إطار خيالي. كيف استطعت أن تنسف ذاكرتك المعرفية وتصوغ عالم افتراضي لم تطأه قدم إنسان؟ لقد قررت منذ أن أمسكت بالقلم لأكتب الرواية أن أكتب نصاً خيالياً خالصاً، عالم مخترع تماماً لا وجود له ولا شبيه. كنت أعيش بروحي داخل هذا العالم، أعيش تفصيلاته كلها وأشتبك معه بشكل يومي، للدرجة التي كنت أخرج فيها إلي الشارع فيبدو لي غريباً غير مألوف وأراني أسأل نفسي إن كان هذا العالم موجود حقاً أم لا. عندما كنت أكتب في عالم الليل الذي يوجد في الرواية تحت مسمي "الليل" كنت أشعر أن الكون كله ليل وأخرج إلي الشارع فأتعجب من وجود النهار ولا أجد تفسيراً لوجوده، ذلك لأني كنت قد تماهيت تماماً وذوبت في هذا العالم الذي أكتبه، أو أخلقه علي الأصح، العالم الذي لا وجود له إلا في خيالي فقط. هذا إلي جانب الجزء الاحترافي في الموضوع، وهو أن تكون واعياً بما تكتب، أن تكون مدرك للجزء الذي كتب وتكون منتبه للجزء الذي سيكتب كي تستطيع أن تمسك بالفكرة ولا تهرب منك، وأن تسيطر علي الشخصيات كيلا تهرب منك وتضطر إلي البحث عنها بشكل قد يفسد عليك الرواية. تحدثت علي لسان جدة "بينورا" عن الحب من أول نظرة.. هل تؤمن به حقيقةً؟ لا أريد أن أتحدث عن الحب وشئونه، وفي النهاية هناك أمور تستطيع أن تبدي رأيك فيها كتابةً، أما مشافهةً فهذا أمر عسير. في النهاية رأيي هو رأي الجدة التي تري أن هذا النوع من الحب ليس فقط أن تحب الشخص الذي تراه للمرة الأولي ولكن بعد التعامل لمرات عديدة وبعد أن تتراكم تفاصيل كثيرة، ثم تأتي لحظة تشعر تجاهها بالحب نحو الشخص الآخر. هذا النوع من الحب له حالات عديدة وما حدث بين الجدة ودوفو كان واحداً من بينها. "الإجابات أسئلة متنكرة.. لا تفقد شغفك" هل هي دعوة للبحث المتواصل؟ أحب دائماً أن أصدر أعمالي بجملة ما، أحياناً تأتي قبل أن أبدأ في كتابة النص، وأحياناً أنتهي وأقع في حيرة من أمري فأريد جملة قوية تلخص النص وتعبر عنه. في البداية أعجبتني جملة تقول "لا تخشي شيئاً طالما معك حكاية" ولكني لم أراها كافية للتعبير عن النص ففضلت استخدام الجملة التي أشرت إليها، بالإضافة إلي عبارة "من أحب نجا" التي جاءت علي غلاف الرواية. هل أحب "دوفو" "سيمويا" ؟ أحياناً يجب علي الكاتب أن يكون عالماً بما حدث حتي وإن لم يكتبه كي يكون علي دراية بما يكتب وما ستنتهي إليه هذه الكتابة، ولكني هنا وفي هذه الحالة صممت علي أن أجعل نهاية قصتهما مفتوحة، كيلا يعرف القاريء إذا كان دوفو وقع في حب سيمويا أم لا. كنت بحاجة إلي إحساس القاريء، أن يتوقف أمام القصة ويتساءل : هل أحب دوفو سيمويا؟ هذا كافٍ جداً بالنسبة لي. ما خطوتك التالية بعد "ألف جناح للعالم" ؟ انتهيت من كتابة مجموعة قصصية اسمها "عشرون ابنة للخيال" ستصدر مع بداية العام القادم وتلحق بمعرض الكتاب 2017 وتصدر عن دار الكتب خان للنشر، تتكون من عشرين قصة تنتمي للخيال والعنوان هنا لا يحمل اسم قصة من قصص المجموعة ولكنه يعبر عن فكرة المجموعة فكل قصة تعتبر إحدي بنات الخيال العشرين وهو استكمال لفكرة الخيال في " ألف جناح للعالم "، كما أني بدأت في كتابة رواية جديدة ولكني لا زلت في البدايات.