محمد صلاح: مدافعو الزمالك هم من جاملوا نهضة بركان وليس الحكم    برشلونة يعزز موقعه في وصافة الدوري الإسباني بثنائية أمام ألميريا    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    بعد ارتفاع عيار 21.. سعر الذهب اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة (تحديث الآن)    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو في محافظات مصر    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    جهاد جريشة: لا بد من محاسبة من تعاقد مع فيتور بيريرا.. ويجب تدخل وزرارة الرياضة والرابطة    لمدة خمس أيام احذر من هذه الموجة شديدة الحرارة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    حسين الشحات : نحترم تاريخ الترجي ولكننا نلعب على الفوز دائما    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    بعد ساعات من انتشار الفيديو، ضبط بلطجي الإسماعيلية والأمن يكشف ملابسات الواقعة    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    فتحي عبد الوهاب وهاني خليفة أبرز المكرمين.. صور    للرجال على طريقة «البيت بيتي».. أفضل طرق للتعامل مع الزوجة المادية    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    انقسام إسرائيلي حول غزة يعقد سيناريوهات إنهاء الحرب    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    مصر ترفض مقترح إسرائيلي بشأن معبر رفح    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    «السياحة» تلزم شركات النقل بالسداد الإلكتروني في المنافذ    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدباء وكتاب أسقطهم التاريخ الأدبي
الناقد والمؤرخ الأدبي علي شلش حياة مفعمة بالعطاء،‮ ‬ورحيل مأساوي،‮ ‬وتهميش مؤلم بعد رحيله

هاتفني الصديق العزيز والمبدع الكبير الدكتور عمار علي حسن،‮ ‬وسألني‮: ‬من هو المؤرخ الأدبي والثقافي،‮ ‬وهل هناك في تاريخنا من هو أهل لحمل هذا اللقب،‮ ‬والقيام بتبعاته؟،‮ ‬وعلي كثرة حواراتي مع صديقي الدكتور عمار،‮ ‬إلا أنني أستطيع أن أقول بارتياح شديد وضمير خالص،‮ ‬بأن الراحل العظيم الدكتور علي شلش،‮ ‬كان نموذجا كبيرا وفعّالا للقيام بدور الناقد والباحث الأدبي،‮ ‬وفي الوقت ذاته‮ ‬يقوم بأعباء التأريخ الثقافي والفكري والأدبي والإبداعي والفني لظواهر وأحداث وشخصيات علي مدي القرن العشرين،‮ ‬وجدير بالذكر أن تلك الظواهر والأحداث والشخصيات،‮ ‬لم تكن واضحة المعالم،وكان التناول لها،‮ ‬يعني الدخول في‮ ‬غابة شائكة من المعلومات الملتبسة والمختلطة،‮ ‬فما كان من علي شلش،‮ ‬إلا الدخول بدأب لا حدود له،‮ ‬حتي استطاع أن‮ ‬يقدّم لنا ما لم‮ ‬يقدمه آخرون،‮ ‬وفي حدود علمي أنه كان‮ ‬يقوم بتلك الأبحاث بشكل عصامي،‮ ‬دون أن تكلّفه مؤسسة ما مصرية كانت أو عربية،‮ ‬ربما حدث ذلك في بعض الأبحاث،‮ ‬ولكن أبحاثه وكتبه عن نجيب محفوظ أو طه حسين أو أنور المعداوي أو سيد قطب أو مصطفي لطفي المنفلوطي،‮ ‬وغيرها من دراسات كان‮ ‬ينجزها في صمت،‮ ‬دون أي إلحاح علي مؤسسة هنا،‮ ‬أو وزارة هناك،‮ ‬أو مسئول لا‮ ‬يدرك معني تلك المجهودات‮.‬
وأعتقد أن دور المؤرخ الأدبي الحقيقي،‮ ‬هو الكشف عن‮ ‬غوامض الأحداث والشخصيات والظواهر الثقافية والأدبية التي انتابتها ارتباكات حادة،‮ ‬مثل إبراز ظاهرة والتركيز عليها والسعي نحو تكريسها بكل الآليات الإعلامية المتاحة لكل عصر،‮ ‬رغم أن تلك الظواهر لا تستحق كل هذا التهليل والتصفيق والتكريس،‮ ‬وفي المقابل نجد شخصيات وظواهر وأحداثا مرّت دون أي ذكر،‮ ‬أو علي الأقل دون الالتفات الطبيعي لها،‮ ‬وذلك لأسباب‮ ‬يحاول المؤرخ البحث عنها في العصر الذي كانت فيه،‮ ‬وإجلاء تفاصيلها بدقة وتوسع،‮ ‬ومن الطبيعي أن‮ ‬يتمتع ذلك المؤرخ بضمير‮ ‬يقظ وخالص دون اعتماد علي أيديولوجية تعمل علي الإبعاد والاستقطاب،‮ ‬ومن البديهي‮ - ‬بالطبع‮ - ‬أن‮ ‬يكون ذلك المؤرخ ملمّا بتفاصيل العصر الذي‮ ‬يبحث في شخصياته وأحداثه وظواهره،‮ ‬وكذلك لا‮ ‬يستسلم لهواه الشخصي الذي‮ ‬يحب ذلك أو‮ ‬ينفر من ذاك،‮ ‬فالعملية التأريخية تكاد تكون شائكة بامتياز،‮ ‬ومن هنا جاء تجريم كتّاب مثل سيد قطب ونجيب الكيلاني وأنور الجندي‮ - ‬علي سبيل المثال‮- ‬لكونهم انتموا‮ - ‬في مرحلة من مراحل تطوراتهم‮ - ‬لجماعة الإخوان المسلمين،‮ ‬وتم اختصارهم في ذلك الركن المنبوذ،‮ ‬وبالتالي راح الصوت الأعلي والمؤدلج والتابع علي حذف أي أدوار قام بها هؤلاء،إلا ذلك الدور الذي رأوه،أو آثروا تفضيله وإبرازه والتكريس له،‮ ‬بل كان‮ ‬يتم الانتقام من بعض باحثين تناولوا بعض هؤلاء بالبحث والتنقيب،‮ ‬وعلي ضفة أخري تم حذف أو تهميش كتّاب مثل علي سالم ونعيم تكلا ولطفي الخولي وأمين المهدي وغيرهم،‮ ‬لأنهم عقدوا روابط بأشكال مختلفة مع الكيان الصهيوني،‮ ‬وظلوا‮ ‬يدفعون ضرائب مواقفهم طوال حياتهم،‮ ‬لدرجة أن اتحاد الكتاب المصري أسقط عضوية علي سالم،‮ ‬ولم‮ ‬يحدث أن حاول باحثون رؤية أحداث ذلك الكاتب أو ذاك في سياقها الطبيعي،‮ ‬ومن هنا‮ ‬يطغي العارض علي الشمولي،‮ ‬ويغلب السياسي التابع للسلطات المختلفة علي الفكري والثقافي والأدبي،‮ ‬هذا الأمر‮ ‬يخصنا نحن_العرب_ فقط،‮ ‬وذلك‮ ‬يعود لتخلّف آليات البحث،‮ ‬وهناك أمثلة في العالم كثيرة تناقض تلك الآليات السياسية والقبلية التي مازالت تحكم مناخاتنا الثقافية والفكرية‮.‬
علي شلش هو أحد هؤلاء الذين عملوا بضمير وحياد علمي نزيه،‮ ‬وكذلك كان ذا ثقافة موسوعية شاملة،‮ ‬رغم الأحداث العاصفة التي عاشها منذ دخوله المعترك الثقافي في القاهرة،وذلك في أواسط خمسينيات القرن الماضي،‮ ‬حيث كانت ولادته في‮ ‬12‮ ‬مايو عام‮ ‬1935ونشأته في إحدي قري محافظة البحيرة،‮ ‬والتي تلقي تعليمه الأولي فيها،‮ ‬ثم رحل مع الأسرة إلي محافظة الأسكندرية،‮ ‬وكان قد قرأ من مكتبة والده أمهات الكتب التراثية مثل العقد الفريد لابن عبد ربه،‮ ‬وكتب العلوم الإسلامية،‮ ‬كما كتب شقيقه عبد الرحمن‮ .‬
وفي عام‮ ‬1984ظهرت ميوله الكتابية،‮ ‬فراح‮ ‬يقرض الشعر،‮ ‬ويكتب القصة القصيرة،‮ ‬والمقال الأدبي،‮ ‬ثم الرواية والبحث،‮ ‬بعد ذلك انتقل إلي القاهرة،‮ ‬وأصبح مسئولا عنها بشكل أساسي،‮ ‬ويرصد عبدالرحمن شلش مصادر ثقافة شقيقه في أربعة اتجاهات وهي‮:‬
‮(‬1‮) ‬قراءاته الدينية
‮(‬2‮) ‬قراءاته الأدبية في التراث العربي
‮(‬3‮) ‬قراءاته في ثقافة الأمم
‮(‬4‮) ‬رحلاته العديدة حول العالم
وربما تكون طبيعته الشخصية الهادئة،وعدم اتسامه بالتعصب لاتجاه ما،أو التشنج لشخص معين،‮ ‬جعله‮ ‬يقترب من المعتدلين سياسيا،‮ ‬ومن المتشددين في الوقت نفسه،‮ ‬دون أن‮ ‬يحسب علي فريق‮ ‬يساري أويميني أو إسلامي وخلافه من الاتجاهات والتيارات التي كانت تتحرك بنشاط في تلك الفترة،‮ ‬وكان‮ ‬يرسل كتاباته الأولي إلي بعض المجلات،‮ ‬ونشر أولي مقالاته في مجلة‮ "‬الرسالة الجديدة‮" ‬باسم‮ "‬علي صلاح الدين شلش‮"‬،وذلك عام‮ ‬1955،‮ ‬ثم عمل في مطبوعات‮ "‬كتابي‮" ‬التي كان‮ ‬يصدرها حلمي مراد،‮ ‬وكانت تلك المطبوعات تنشر الثقافة الأجنبية،‮ ‬وكان شلش‮ ‬يعمل علي عرض وتلخيص بعض الكتب الحديثة عن اللغة الإنجليزية،‮ ‬وكانت ذلك العمل بمثابة الورشة التي تدرّب فيها علي فنون الترجمة والكتابة الأدبية عموما،‮ ‬بعدها راح‮ ‬يكتب في جريدة المساء،‮ ‬ثم مجلة‮ "‬بناء الوطن‮" ‬وكانت مجلة شهيرة،نشر فيها معظم كتّاب الستينيات مثل عبد الرحمن الأبنودي وجمال الغيطاني وغيرهما،‮ ‬حتي عمل في مجلة الإذاعة والتلفزيون،‮ ‬وآخر ماعمل به مع الشاعر صلاح عبد الصبور كمدير تحرير لمجلة الكاتب،‮ ‬وغير هذا وذاك كان‮ ‬ينشر أبحاثه ومقالاته في مجلات القصة والمجلة والفكر المعاصر والكاتب العربي وخلافه،‮ ‬وكان له باب ثابت في مجلة‮ "‬القصة‮" ‬عنوانه‮ " ‬القصة حول العالم‮"‬،‮ ‬وجمع بعض مواده،‮ ‬ونشرها في كتاب عنوانه‮ "‬في عالم القصة‮"‬،‮ ‬وتطرق فيه إلي الحكاية والرواية والقصة القصيرة والسيرة وهكذا‮.‬
وكان أول إصدارات علي شلش روايته القصيرة التاريخية‮ "‬ثمن الحرية‮"‬،‮ ‬وفي مجال السرد كتب ونشر رواية أخري هي‮ "‬عزف منفرد‮"‬،‮ ‬ثم نشر مجموعتين قصصيتين هما‮ "‬حب علي الطريقة القصصية‮"‬،‮ ‬و"عزيزتي الحقيقة‮"‬،وكان أول بحث نشره هو كتاب‮ "‬من الأدب الأفريقي‮"‬،‮ ‬وصدر عام‮ ‬1963عن دار المعارف،‮ ‬سلسلة‮ "‬اقرأ‮"‬،‮ ‬ويعتبر علي شلش من الفرسان في التعريف بالأدب الأفريقي عموما،‮ ‬وإن كان البعض لا‮ ‬يميل إلي إعطاء علي شلش دور الريادة في ذلك المجال،‮ ‬وربما‮ ‬يزاحمه في ذلك الشاعر والناقد الدكتور عبده بدوي،‮ ‬وعلي شلش له ثلاثة كتب مهمة في هذا المجال،وهي‮ :"‬سبعة أدباء من أفريقيا‮"‬،‮ ‬ثم‮ "‬مختارات من الأدب الأفريقي‮"‬،‮ ‬ثم كتابه الأهم‮ "‬الأدب الأفريقي‮"‬،‮ ‬والذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة بالكويت عام‮ ‬1993.‬
وجدير بالذكر أن جهوده في حقل الثقافة الأفريقية،‮ ‬تعدّ‮ ‬من الجهود المرموقة،‮ ‬فعلي شلش لم‮ ‬يكن من الذين‮ ‬يترجمون المادة الإبداعية منفردة،‮ ‬دون الاطلاع علي السياقات المتعددة التي تحيط بتلك النصوص،‮ ‬فعندما‮ ‬يترجم الشاعر ليوبولد سنجور،‮ ‬ الذي تولي رئاسة السنغال ورحل عام‮ ‬2001‮ ‬يقدّم دراسة شاملة عنه،‮ ‬وعن لغته ونشأته وثقافته،‮ ‬وهكذا راح‮ ‬يعرّف القارئ العربي بتفاصيل وملابسات الثقافة والإبداع الأفريقيين بتوسع ودقة،‮ ‬علي صعوبة معرفة أصول الثقافة الأفريقية التي تنبثق من روافد كثيرة،‮ ‬مثل الأديان والأساطير المحلية المتنوعة والخرافات وخلافه،مما‮ ‬يصعب علي أي باحث أو مترجم فكّ‮ ‬شفرات تلك الثقافة المتشابة،‮ ‬ولكن علي شلش تصدّي لذلك النوع من الثقافة،‮ ‬ويكمن اعتباره أحد الروّاد الأماجد في ذلك الشأن باقتدار‮.‬
كذلك كتابه عن الكاتب والناقد سيد قطب،‮ ‬وعنوانه‮ "‬التمرد علي الأدب‮"‬،‮ ‬ومحاولة شلش الغوص في التجربة الأدبية والثقافية القطبية قبل أن‮ ‬يتحول إلي منظّر إسلامي وتكفيري من طراز خاص،‮ ‬فنجد علي شلش‮ ‬يتتبع في كتابه‮ "‬التمرد علي الأدب‮" ‬المسيرة القطبية منذ بزوغ‮ ‬أول بوادر قصائد ومقالات سيد قطب في عشرينيات القرن الماضي،‮ ‬ويخلص إلي نتائج علمية سديدة،‮ ‬ليستقر علي أن سيد قطب لم‮ ‬يحقق النجاح الكافي له،ولم‮ ‬يجد الطموح الذي سعي له منذ البداية،‮ ‬وتلك كانت أسباب تحوله المفاجئ،‮ ‬والذي كانت رحلته الأمريكية حاسما مهما في ذلك التحول،
كذلك كتابه عن طه حسين،‮ ‬والذي كان عنوانه‮ "‬طه حسين مطلوب حيّا وميتا‮"‬،وتعرض فيه شلش لسلسة إشكاليات خاصة بطه حسين،‮ ‬ولم‮ ‬يكن دفاعه عن طه حسين،‮ ‬انحيازا عاطفيا،‮ ‬بل كان‮ ‬يبحث وينقّب من أجل أن‮ ‬يري من أين جاء الاتهام،‮ ‬ومن أي الأبواب خرج،‮ ‬وما الملابسات التي صاحبت ذلك الاتهام،‮ ‬فجاءت فصول الكتاب عبارة عن سلسلة اكتشافات ومعارف وحقائق دامغة،‮ ‬توضع أمام الباحثين والقرّاء كدليل قوي علي صحة مواقف وقرارات ومسيرة طه حسين إلي حدّ‮ ‬بعيد،‮ ‬ورغم أن الكتاب تناول اتهام طه حسين الذي‮ ‬يقول إنه سرق أفكاره الأولي من المستشرق مرجليوث،‮ ‬وكذلك الاتهام الذي كان‮ ‬يقضي بماسونية طه حسين وغير ذلك من اتهامات كان‮ ‬يكيلها خصوم طه حسين له،‮ ‬إلا أن الاتهام الأكثر سوءا هو اتهامه بميله إلي الدعاية الصهيونية،‮ ‬وذلك عندما ترأس تحرير مجلة‮ "‬الكاتب المصري‮"‬،‮ ‬والتي كانت تنفق عليها أسرة‮ "‬هراري‮" ‬اليهودية،‮ ‬وهنا قدّم علي شلش بحثا في‮ ‬غاية الأهمية،‮ ‬يشبه مذكرة دفاع خالصة عن وطنية طه حسين،‮ ‬وجهاده في سبيل القضية المصرية علي أكمل وجه‮.‬
وبالطبع لا مجال هنا لرصد واستقصاء وتحليل كافة ماكتب علي شلش،‮ ‬فهو قد أنجز خمسين كتابا في النقد الأدبي والتأريخ والترجمة والإبداع،‮ ‬والأهم أنه كان‮ ‬يعي ذاته كمثقف وكباحث وكمؤرخ،‮ ‬أكثر منه كمبدع أو كمترجم،‮ ‬وأريد الإشارة إلي أن المثقف عندما‮ ‬يعي ذاته الثقافية،‮ ‬ويدرك أنه هو المؤهل لتقديم هذا النوع من الثقافة أو ذاك،‮ ‬فلا راد لإرادته نحو تحقيق ما‮ ‬يصبو إليه،‮ ‬حتي لو خسر كثيرا من صحته أو استقراره أو أمواله،‮ ‬إنها متعة ما بعدها متعة،‮ ‬لذلك كان علي شلش‮ ‬يقدّم البحث تلو البحث،‮ ‬والاكتشاف تلو الاكتشاف،‮ ‬فمن البحث عن أصل وتطور وتوسع الدعوة الماسونية في مصر،‮ ‬وانضمام كثير من المثقفين والكتاب والفنانين المصريين إليها،‮ ‬حتي تحولها إلي أصابع استعمارية،‮ ‬وهيمنة تلك الأصابع علي حركتها،‮ ‬فينصرف عنها الكثيرون،‮ ‬ثم‮ ‬ينتقل شلش إلي البحث عن نشأة وتطور النقد السينمائي في مصر،‮ ‬وتلك كانت رسالته في الدكتوراة،‮ ‬ثم‮ ‬ينتقل إلي رصد وتحليل وقراءة متأنية للمعارك الأدبية التي كانت تدور في المجلات الأدبية،‮ ‬وذلك في عقد الأربعينيات،‮ ‬حتي أن‮ ‬يصل إلي تقديم بحث فريد من نوعه،‮ ‬وله خصوصية الاكتشاف،‮ ‬وهو كتابه‮ " ‬نجيب محفوظ‮...‬الطريق والصدي‮ "‬،‮ ‬وهو كتاب كان‮ ‬يردّ‮ ‬علي فكرة أن نجيب محفوظ لم‮ ‬يكن معروفا بالشكل اللائق به وبرواياته في حقبة الأربعينيات،‮ ‬ولم تعرفه الأوساط الثقافية إلا بعد قيام ثورة‮ ‬يوليو،‮ ‬فقدّم علي شلش ما‮ ‬يدمّر تلك الفكرة التي كان‮ ‬يطلقها باحثون كثيرون،‮ ‬وكأنها إحدي الحقائق الكونية،‮ ‬ولكن علي شلش راح‮ ‬يبحث وينقّب ليثبت خرافة تلك الفكرة،‮ ‬ونشر مختارات لنقاد كانوا مرموقين منذ عام‮ ‬1939،‮ ‬مرورا بعقد الأربعينيات كله،‮ ‬وانغماس نجيب محفوظ مع صلاح أبو سيف في كتابة سيناريوهات وحوارات الأفلام السينمائية،وأشار إلي بعض الإعلانات التي كانت تنشر لرواياته في مجلات معروفة،وكانت تلك الإعلانات تنشر بذات الطريقة التي كانت تنشر بها للكتاب الكبار‮.‬
ونخلص إلي أن علي شلش لم‮ ‬يكن‮ ‬يكتب من أجل الكتابة،‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬يبحث عن فكرة ما هنا أو هناك،‮ ‬ولكنه كان‮ ‬يعمل للرد علي أخطاء كانت شائعة بقوة،‮ ‬وكان‮ ‬يوضّح ما كان‮ ‬غامضا ومبهما ومختفيا في أضابير الكتب والمجلات،‮ ‬لذلك فكل أبحاثه وكتبه تكتسب طابع الاكتشاف،‮ ‬وتتميز بالعمق البحثي الذي لم‮ ‬يتمتع به أحد سواه،‮ ‬وهذا لأنه أدرك ووعي ذاته،‮ ‬ثم راح‮ ‬يجنّد تلك الذات الثقافية لخدمة الضرورات الثقافية والبحثية،‮ ‬ثم لم‮ ‬ينتبه إلي العوائق العارضة هنا أو هناك،‮ ‬حيث إنه سافر للتدريس إلي انجلترا عام‮ ‬1979،‮ ‬وأقام في انجلترا كجسد،‮ ‬ولكن روحه وعقله وأبحاثه كانت في مصر دائما،‮ ‬ولم‮ ‬يحد عن ذلك علي وجه الإطلاق،‮ ‬حتي إنه كان من أوائل الذين كشفوا عن كتابات عربية باللغة الانجليزية،‮ ‬وكان في طليعة هؤلاء الكاتب‮ "‬وجيه‮ ‬غالي‮"‬،‮ ‬الذي كتب روايته‮ "‬بيرة في نادي البلياردو‮"‬،‮ ‬والتي ترجمتها بعد سنوات طويلة الكاتبة والباحثة الجادة هناء نصير،‮ ‬كذلك قامت بترجمتها الشاعرة الكبيرة إيمان مرسال‮.‬
وعندما أتحدث عن العوائق التي كانت تسعي لتعطيل قاطرة علي شلش البحثية،‮ ‬أقصد تلك العوائق الاستثنائية،‮ ‬وأول تلك العوائق عندما وجد شلش نفسه،‮ ‬وهو في العشرين من عمره مسئولا عن أسرة كبيرة بعد رحيل والده،‮ ‬فكان‮ ‬يعمل بكثافة في مجال الترجمة،‮ ‬وكانت مطبوعات‮ "‬كتابي‮" ‬تستكتبه لترجمة وتلخيص الكتب والروايات الأجنبية،‮ ‬ولكن دون أن‮ ‬ينشر اسمه إلا نادرا،‮ ‬وأسوأ مايتعرض له الكاتب أن‮ ‬يري جهده الذي كدّ‮ ‬وتعب من أجل إنجازه منشورا دون اسمه،‮ ‬وبالطبع دون أسماء أخري،‮ ‬ولكن علي شلش كان‮ ‬يعمل ذلك ويرضاه في سبيل إيجاد مصادر الدخل المطلوبة منه‮.‬
العقبة الثانية،‮ ‬هي أن عقود الخمسينات والستينات كانت عقودا كثرت فيها الاستقطابات السياسية،‮ ‬يسار ويمين وأخوان مسلمين،‮ ‬وكانت لكل المنتمين إلي تلك التيارات حظوظ في النشر والاهتمام،‮ ‬حتي لو كان المنتمون إلي تلك التيارات عاطلين عن الموهبة،‮ ‬ولكنهم كانوا‮ ‬يجدون الرعاية الكافية من مسئوليهم وقادتهم الحقيقيين والمجازيين،‮ ‬بينما هؤلاء الذين لم تعرف خطاهم تلك الاتجاهات أو الشلل،‮ ‬ولم‮ ‬يطرقوا أبوابها،‮ ‬كانت حظوظهم أقل،‮ ‬وربما تكون معدومة،‮ ‬وكانوا‮ ‬يعتمدون علي مجهوداتهم بشكل خالص،‮ ‬وكان علي شلش أبرز هؤلاء‮.‬
أما الكارثة الأكبر التي تعرّض لها،‮ ‬فهي القبض عليه في مارس‮ ‬1976‮ ‬بتهمة عبثية للغاية،‮ ‬ليقضي عامين‮ -‬معتقلا‮- ‬وثلاثة أشهر،‮ ‬إذ وجهت إليه تهمة التخابر مع دولة أجنبية،‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ -‬بالطبع‮- ‬لتلك التهمة أي أساس من الحقيقة،‮ ‬سوي أن جهاز المخابرات أراد أن‮ ‬يثبت للحاكم أن ثمة مؤامرات تحاك ضده،‮ ‬فلابد من اختراع قضية وتنظيم ومتهمين،وكان علي شلش ومحمد ابراهيم مبروك وغيرهما طعاما سائغا لتلك الجريمة الشنيعة في حق البشر‮.‬
وهناك تعرض علي شلش إلي أقصي أنواع التعذيب والإهانة،‮ ‬ورغم ذلك كتب مجموعتيه القصصيتين المشار إليهما سابقا،‮ ‬وترجم كتابه‮ "‬سبعة أدباء من أفريقيا‮"‬،‮ ‬وكان محافظا علي ثباته الفكري طوال فترة إقامته في المعتقل،‮ ‬ويكتب صلاح عيسي واصفاً‮ ‬علي شلش وقد التقاه هناك في المعتقل قائلا‮ :"‬حين كان الزمن‮ ‬1968،‮ ‬عدت إلي المعتقل لأجد نفسي في أحضان علي شلش الدافئة،‮ ‬ذهلت لأنني وجدته مبتسما وقانعا وراضيا وصبورا،‮ ‬ثم ارتعبت لأنني وجدته مستقرا تماما كأنه خلق لكي‮ ‬يرضي بكل شئ ويتحمل كل شئ،‮ ‬حتي لو كان السجن بلا سبب‮ ..‬فالركن الذي‮ ‬يقيم فيه به من العنبر نظيف ومرتب وكأنه مسكن كاتب محترف،‮ ‬يسهر‮ -‬كما كان‮ ‬يفعل‮- ‬إلي مطلع الفجر ليكتب ويقرأ‮.."‬،‮ ‬وبالطبع‮ ‬يبدي صلاح عيسي اندهاشه من أن علي شلش في المعتقل،فهو آخر من كان‮ ‬يظنه في المعتقل،‮ ‬وهذا من شأن روايات كافكا العبثية والكابوسية،‮ ‬فذلك الزمن تنطبق عليه جملة كتبها صلاح عيسي‮ :"‬أينما تكونوا‮ ‬يدرككم السجن ولو كنتم في بروج محايدة‮!".‬
وتكتب الباحثة السويدية مارينا ستاج عن تلك الحبسة قائلة‮ :"..‬عندما‮ ‬يبدأ التحقيق نعرف سبب القاء القبض عليه،‮ ‬قبل عشرة أيام كان المؤلف قد حضر محاضرة لجان بول سارتر في جامعة القاهرة،‮ ‬وعند البوابة الخارجية كان قد التقي مصادفة بشاعر عربي كان‮ ‬يعرفه بصحبة صديق قدمه إليه،وجلسوا في نفس الصف‮ ‬يستمعون إلي المحاضرة،وحيث أن المؤلف لا‮ ‬يعرف الفرنسية،كان الشاعر‮ ‬يهمس إليه ببعض العبارات من وقت لآخر ليترجم ما‮ ‬يقوله سارتر،وكان المحقق‮ ‬يركز علي العلاقة بين الشاعر العربي والمؤلف‮.."‬،‮ ‬وكان الغموض الذي انتاب الحوار بين شلش والشاعر العربي‮ ‬_من وجهة نظر المخابرات_ ذريعة للقبض علي الكاتب علي شلش،‮ ‬والإلقاء به في المعتقل،‮ ‬وتعذيبه وإهانته وإذلاله،‮ ‬ورغم ذلك لم‮ ‬يزده ذلك إلا دأبا وبحثا وإنتاجا،‮ ‬ومن موقعه الأكاديمي في بريطانيا،‮ ‬كان‮ ‬يواصل البحث والتقيب‮. ‬
حتي جاء اليوم المشئوم،‮ ‬فبعد دعوته من انجلترا لإلقاء بحث عن‮ "‬صدي الشعر العربي في انجلتر‮"‬،‮ ‬وذلك في‮ ‬22‮ ‬أكتوبر عام‮ ‬1993،‮ ‬حيث عقدت وزارة الثقافة المصرية مؤتمرا عربيا كبيرا في فندق‮ "‬كيميت‮" ‬بضاحية العباسية،‮ ‬وبعد أن أثار بحث شلش تساؤلات شتي كعادة كل أبحاثه،‮ ‬صعد في المساء إلي‮ ‬غرفته،‮ ‬وفي الصباح فاجأنا الخبر الفاجع برحيله في‮ ‬غرفته،‮ ‬كان خبرا كارثيا وصدمة علي كافة المستويات،‮ ‬ورغم جهود علي شلش المهمة والاستثنائية،إلا أنها لم تجد تلك المؤسسة التي تعيد إصدارها مجمعة إلي الآن‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.