الحاجة سهير.. امرأة من ذهب وإن شئت قل إنها انقي من الالماس.. تحملت ما تنوء من حمله الجبال ووقفت صلدة امام عواصف عاتية مزودة بسلاح الإيمان والتقوى.. بعد سنوات قليلة من زواجها توفي زوجها وهي في ريعان شبابها تاركا لها 4 أطفال في عمر الزهور.. نذرت حياتها من أجلهم ونسيت الانثى بداخلها راضية مرضية وتذكرت فقط الأم بكل ما تحمله من معنى التضحية والفداء.. ثم كان الابتلاء في فلذات كبدها عندما افترس مرض السرطان اللعين أجساد أطفالها الأربعة وبدأت تنقل الواحد تلو الآخر الى مستشفى سرطان الأطفال 57357 تبكيهم بدل الدموع دما راضية بقضاء الله تدعوه ليل نهار ان يشفي فلذات كبدها وان ينجح الكيماوي في إصلاح الأنسجة والخلايا التي دمرها السرطان اللعين.. ولان المصائب لا تأتي فرادى قرر السرطان ان يفترس يستوطن الأسرة بكاملها فاخترق جسد الأم أيضا حتى لا تكون بلسما لأطفالها.. ومع ذلك صبرت وأصبحت حائرة بين مستشفى سرطان الاطفال حيث يرقد فلذات كبدها ومستشفى الأورام حيث ترقد هي..أنها لعبة الأقدار وإرادة الله الذي لا راد لإرادته..تحملت ما تنوء عن حمله الجبال..كان اختبار الأقدار لها قاسيا ووقفت صابرة راضية بقضاء الله وقدره. علم اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية بمأساتها وعلى الفور طلب من رجاله ان يحادثها تليفونيا كأب مهموم بأبنائه قبل ان يكون وزيرا.. كإنسان يشعر بآلام الآخرين قبل ان يكون مسئولا..كانت تجلس عند أقدام أطفالها بمستشفى السرطان عندما جاءها صوت الوزير يزف لها خبرا باختيارها ضمن بعثة حج وزارة الداخلية.. وربما تعمد وزير الداخلية ان يخفي عنها انه تكفل بنفقات الحج لها ولشقيقها من ماله الخاص وهذا ما ابلغني به أحد مسئولي البعثة..كادت تطير من الفرحة وكلها امل ان تدعو الله في الكعبة ان يشفي أطفالها وان يكون في ماء زمزم ما يطهر جسدها ويقتل السرطان اللعين.. نعم انها سيدة من ذهب التقيتها بالامس في أحد فنادق مكةالمكرمة وسعدت بالجلوس اليها استمع إلى مأساتها واتفقد وجهها الملائكي الباسم رغم هول ما تعيش. ..على الرغم من سنها الصغير الذي لا يتجاوز ال35 عامًا، إلا أن ما تعرضت له من آلام وابتلاءات، يحتاج 100 عام فوق سنها الطبيعي.. لم يثقل كاهلها المرض، بل أعطاها الله صبرا على الشدائد، وعزما على مواجهة المرض اللعين الذي افترسها وأطفالها.. ورغم ذلك تجد الابتسامة لا تفارق وجهها البشوش، آملة في رحمة الله تعالى بشفاء أولادها قبل شفائها. رأيت الفرحة الغامرة تكسو وجهها بعد انتهائها من أداء مناسك العمرة.. فرحة اختلطت بالدموع، في الوقت الذي بدأ فيه وجهها شاحبا.. تحدثت إليها في وجود شقيقها المرافق لها..قالت " اسمي سهير حامد.امرأة بسيطة من احدى قرى محافظة المنوفية شاء الله ان أكون ضمن حجاج بيت الله دون حول لي ولا قوة والفضل في ذلك يرجع إلى اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية.. "أنا أتيت لأداء فريضة الحج وبرفقتي شقيقي إسماعيل، الذي يعمل عاملاً بسيطاً، ولم يكن معنا جنيه واحد..سالتها ايه حكايتك ؟ قالت الحاجة سهير "توفي زوجي بعد سنوات قليلة من زواجنا وإنجاب 4 أبناء ، وفوجئت بإصابتي وأولادي الأربعة بنفس المرض اللعين، وبدأت في رحلة علاج أولادي أولا من خلال مستشفى سرطان الأطفال (57357)، وبدأت أيضا الحصول على جلسات الكيماوي في معهد الأورام، ونظرا لضيق الحال، والحمد لله تمكنت من الإقامة بإحدى دور الرعاية بالمقطم مجانا، نظرا لعدم قدرتي على تحمل مصاريف السفر أسبوعيا، للاطمئنان على أولادي بالمستشفى من جانب، والحصول على جلسات الكيماوي الخاصة بي من جانب آخر". .وعن مرض ابنائها قالت الحاجة سهير كل ابنائي محجوزين في مستشفى 57357 وهم جميعا طلاب بالمعهد الأزهري عدا الصغرى وعمرها 4 سنوات وجميعهم أدوا الامتحانات في المستشفى ونجحوا والحمد لله الأكبر شريف عمره 14 سنة مصاب بسرطان في النخاع وشيرين عمرها 14 سنة مصابة بورم في المخ وبدر عمره 6 سنوات والصغرى ملك عمرها 4 سنوات اما أنا فقد أصبت بسرطان في الكبد وانتشر في القولون وباقي الجسم .. سألتها هل يوجد في عائلتك مرضى بالسرطان قالت لا قلت سبحان الله. وقالت فوجئت ذات يوم بزيارة عدد من مسئولي وزارة الداخلية لمستشفى سرطان الأطفال (57357) وعلموا بمأساة أبنائي الأربعة ويبدوا أن أحدهم أبلغ وزير الداخلية بمأساتى وفوجئت بعد يومين باتصال على هاتفى المحمول من شخص يقول إن وزير الداخلية على الخط فتخيلت ان شخصا يسخر مني وأغلقت الخط.. وفوجئت باتصال آخر من رقم ارضي وعندما رديت على الاتصال، قال لي المتصل "أنا اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية.. مبروك عليكي يا حاجة سهير. إنتي هتحجي السنة دي على نفقة الوزارة". بعد سماعي لهذه الكلمات سقط الهاتف من يدي، ولم اصدق ما سمعته، وهنا واصل وزير الداخلية المكالمة حتى التقطت الهاتف مرة أخرى، غير مصدقة لاستجابة المولى عز وجل لدعوتي التي دائما ما تمنيت تحقيقها، بزيارة بيته الحرام.. وأخبرني الوزير أنه سيرسل ضابطا لإنهاء كل إجراءات سفري وشقيقي إسماعيل إلى الأراضي المقدسة. وبمجرد وصولي إلى مكةالمكرمة، قمت بأداء العمرة ودعوت الله أن يشفي أبنائي من مرضهم اللعين. وفي نهاية لقائي مع الحاجة سهير سألتها هل تريد شيئا قالت أتمنى لقاء اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية عند عودتي إلى مصر لشكره على دعوته الكريمة ولفتته الإنسانية، التي عوضتني عن صبري على المرض الفتاك الذي هاجم ومازال يهاجم أسرتي..لقد وجدت فيه الأب الحنون لدرجة انه أعطاني رقم هاتفه الخاص، وطلب مني الاتصال به في أي وقت لتلبية أي مطلب..كما وجه ضباط بعثة الحج وعلى رأسهم اللواء سيد ماهر مساعد وزير الداخلية رئيس الجهاز التنفيذي للحج برعايتي رعاية خاصة. تركت الحاجة سهير التي رأيت فيها مثالا للمرأة المؤمنة الصابرة على ابتلاءات الأقدار، والأم المصرية القوية التي تتحمل الآلام والمشقة من أجل مصلحة أولادها..تركته وقلت في نفسي ليت كل من يعلم بمأساتها ان يحمد الله كثيرا على النعم الكثيرة التي انعم الله بها عليه لكن لسان بني الإنسان يميل دائما إلى النكران.