1 البنت الشغالة قالت للطباخ إنها حلمت الليلة الماضية حلما طويلا، العياذ بالله، يا رب احفظ كان فيه سيدنا عتمان تلبسته روح حمار، الطباخ كان يذوق شيئا أخذه بملعقة من قدر علي النار، استمتع بالطعم ثم نظر إليها : روح حمار تلبسته؟! ثم شخص ما يقوله : أكان ينهق ويرفس ويزرط، ويقول هيييه أنا حمار؟ طوح جسده لأعلي وهو يضحك، البنت ابتسمت، وقالت له إن قصدها إنه سخط حمارا مثل حمار الرجل الذي يأتي كل شهر القصر بطلب الزبد والسمن البلدي، ودائما تشاكسه الست هانم في السعر، وحكت له إن سيدهم عتمان بعد أن سخط حمارا كان بين يديه رشاش يطلق منه الرصاص باستمرار في كل الاتجاهات، لكن الحلم لم يبين الذين أصابهم، مع العلم كان صراخهم يصل إليها، وهي مرتاحة وغير منزعجة، لأن عتمان باشا لا يظلم ولا يعتدي علي أحد بلا سبب، أكيد هؤلاء الناس يستحقون، وهو عادل، والذي أكد لي هذا أني شفت عتمان باشا تنزل دموعه علي وجهه كأنها مطر، وشفت مصور يصوره مع صوت وفلاش الكاميرا، والصور تطير تملأ الفضاء، شفت واحدة منها كبيرة لوجهه، وهو يبتسم مع إن عينيه مملوءة بالدموع وماسورة البندقية تنام علي صدره، أنا كل شغلي الشاغل أنادي عليه، وأقول له ما حكاية إنك حمار يا سيدي؟ سمعني وكانت رصاصة من ماسورة البندقية طالعة مقذوفة إلي صدري، وصدري ظاهر الرمان عيني عينك، وكنت أحاول تغطيته، هو نط نطة قوية وأخذني في حضنه، أبعدني عن سير الرصاصة، وأنا أقول له : يا سيدي الباشا لماذا اخترت التنكر علي هيئة الحمار؟ ضحك وقال لي يا بنت الناس أنت التي ترينني علي هيئة الحمار، رحت انتتف ثلاث شعرات من شعر عرفه فجأة وبعنف، طبعا صرخ، وقال لي أكان لابد من الأذية؟! قلت له أنا زعلانة كنت تنكر في هيئة أسد مثلا، قال لي يا بنت هذا هو عمي البصيرة ما تقولينه، كلما كان التنكر حقيرا كلما الناس اطمأنت لك، لأنهم يعرفون أن تحت الجلد، سبقته وقلت : قرد، كبش بيده بوزي وقال لي : الملافظ سعادة يا ميمونة، وقام بفعلة جعلتني أفلفص، وأخرج من الحلم. 2 الطباخ قال : سبحان الله يا بنت أنا حلمت في الليلة الفائتة مثلك، لكن حلمي مختلف، وإن يكن المشترك بين حلمي وحلمك هو وجود سيدنا الباشا، كان في حلمي علي هيئة بومة، لا تضحكي، كان علي هيئة بومة، أنا طول عمري أكره البوم ونعيقه يسبب كآبة في نفسي، لكن أنا في الحلم أحببت سيدنا عتمان وهو في هيئة البومة، لأنه كان رشيق وصوت نعيقه سبحان الله تحول من أذي وأنا صاح إلي بلسم وأنا نائم، أنا أول ما تم اختياري طباخ هنا في القصر كنت أتصور إنه غني من إياهم رافع مناخيره للسما، وبخيل، ويتعامل بتفرقة طبقية، أنا دائم اللوم لنفسي، من أجل الظن السييء، علي يديه حفظت القرآن الكريم، وحافظت علي الفرض في وقته، ربنا يفتح عليه ويعطيه، الناس برا كل واحد فيهم يتعامل بالظاهر، وكل واحد فيهم له موقف سلبي من عتمان باشا، الغيرة يا بنت، طبعا عز وقيمة وصاحب لكل المسئولين، يعني رجل نافذ، وجمع مع كل الوفرة والقيمة والحسب التقوي والالتزام الديني، قلت لك إنه كان في الحلم بومة رشيقة كان قاعد في مجلس وحوله علي اليمين وعلي الشمال جمع من البوم يدرس لهم تعاليم وآداب دخول بيت الراحة، وكان نور يشع في المكان، أنا فهمت إن هيئتهم البومية هذه ما هي إلا حيلة تنكرية، وإن التنكر أعلي تقية في سبيل الدعوة، صاحت البنت : حي.. الله حي.. اسكت، اقطع لسانك سيدك الباشا نبه علينا ألا نحكي عن موضوع التقية أو الدعوة أي شيء لأي أحد حتي لو كان حد السكين علي رقبتك.. إخص عليك، تخون العهد؟! الطباخ ضحك وقال لها : يا بنت إياك تظني إن الحلم هو الدنيا التي نعيشها، الحلم لعب دماغ بعيد عن الدنيا، البنت دقت بقدمها الأرض وقالت : إياك أنت يا طباخ ظنك معطوب وعائب لأن لا فرق بين الدنيا والحلم لأن البني آدم في الدنيا هونفسه في الحلم، أنت تأخذ الدنيا معك عندما تدخل في النوم، اطلب منه المغفرة، وإلا انتظر عقابا من رب العرش لأنك سعيت بالأذي، وهو ولي من أولياء الله، اللهم أستغفرك وأتوب إليك. 3 لست هانم كانت في حلم معذب لها مع أن المعذب هوالباشا، كان يهرب من صاحب ظل يطارده، وكلما تلفت اضمحل الظل وكأنه لم يكن، يواصل الباشا السير، يشعر بثقل وحرارة يلتفت بحذر وبنصف عين يجد الظل ولا يجد صاحبه، يكسر خط سيره، يدخل إلي شارع عمودي علي الشارع الذي كان يمشي فيه، هل يسمع صوتا ؟ هل يصدر عن صاحب الظل صوت أو يصدر عن أي شيء صوت ؟ كان فضاء الحلم يزداد رعبا مضافا فلا صوت في فضائه، كانت تنادي علي الباشا، ولا يبلغه نداؤها عندما يعبر ذلك الفضاء تنعدم تردداته، وكأنه لم يكن، لماذا لا يستدعي الباشا كل نفوذه ومعارفه وإخوانه ؟! سوف يقضون علي صاحب الظل، فيختفي الظل المتابع لعتمان، انتبهت علي عتمان يكمن خلف تل نبت في فضاء الحلم فجأة ، فهمت لماذا يكمن خلف التل، يفعل ليمر صاحب الظل بين التل والطريق، طال انتظارها مع انتظار الباشا زوجها، كانت تروح وتجيئ في مكانها حتي تعب عتمان من هذا السعي، ولم يظهر صاحب الظل، تحرك الظل متقدما، وكلما تقدم حل ظلام فوق منطقة تقدمه، كأن فضاء الحلم يتآكل رويدا رويدا، حتي انبثق ضوء من العتمة ظل يسيطر حتي كان الفضاء كله نهارا، هناك في أقصي اليسار إلي أعلي نقط سوداء متحركة، ظلت تكبر، كانت منطقة قصرهما، والقصور المحيطة بقصرهما تزدحم بالبوم، بحثت عيناها عن الباشا حتي وجدته، كان يصرخ ويشير للبقية أن يستديروا، فأمامهم الصحراء الواسعة تضحك تستدعيهم للدخول في وسعها، والباشا يضرب بقدميه الأرض غاضبا ويشير إلي الجهة المعاكسة للصحراء، عندما تحرك الفضاء مستديرا علي محور مختف ظهر ما كان يشير إليه ويأمر البوم الآخر بالسعي نحوه، كانت المدينة الكبيرة تظهر بعيدا بعمائرها ومآذنها وسمائها المتربة، عندها عبر صياح نعيق البوم الفضاء المصمت، وأخذ في السيطرة، رأتها وهي تتقافز مسرعة صوبها. 4 لجنايني وهو يأخذ كوب الشاي الذي حضره الطباخ، شكره وقال له إنه يرغب منه هو أوالبنت الشغالة تفسر منام الليلة الفائتة، ومن غير إحم ولا دستور دخل المطبخ، وهذه ليست عادته، من قبل كان يأخذ كوب الشاي ويمضي إلي مكانه في جنينة القصر، وقعدته تحت شجرة النبق الوحيدة، تلفت ثم اختار مقعدا وهبط بمقعدته عليه، ووضع كوب الشاي علي الطاولة القريبة، الطباخ قال له وهل البنت ممكن يكون لها في التفسير؟ الجنايني قال له همسا : وهل نزل عليها دم؟ الطباخ قال له همسا أيضا : يا رجل نظرك ضعيف إلي هذه الدرجة؟ البنت في الثامنة عشرة من عمرها، لكن المسألة ليست في السن، المسألة في البصيرة التي تفسر يا جنايني، الجنايني شفط من كوب الشاي بصوت ممدود ومسموع حتي ان الطباخ سمع للشفطة صدي في فضاء المطبخ، فقال له : يا عمي يا جنايني مصها وأبعد عن شفطها، الجنايني قال إن هذه الجملة بالذات هي مفتاح المنام لأن الباشا ظل يقولها طول الحلم في وجهي، وفي قفاي وفوقي وتحتي، لأنه كان بلياتشو قادر ينط ويفر في الهواء، كأنه ركب سلك زمبلك في نعل جزمته، جعل رأسي يدور وكنت أحس بعيني كأنهما تخرجان، ورأسي صدع، مصها وابعد عن شفطها، كان في مكان لا أعرفه، لكنه جنة، نهر يجري تحت قدميه، مياهه مصقولة شفافة شديدة النقاوة، داخلني يقين أنها تشفي العليل، الباشا قاعد علي بساط حرير أو صوف أو شيء بين الاثنين يمد يده اليمين ترجع بفخذ مشوي ضأن أو بتلو، يرفع يده اليسري تعود بكبشة تمر أوبندق أو جوز أو فستق مقشر، الحقيقة أنا الفأر لعب في عبي لما شفته يشرب من كوز، أنا شيء إلهي أكد لي إن الكوز فيه خمر، أنا زعقت بغيرة ونرفزة إن من كان مثل الباشا لا يصح أن يبتلع لقمته تنزل بسلاسة إلي معدته بمشروب نجس، ضحك حتي إن كل شيء بالمكان ترجرج، وقال لي لا تكن حنبليا يا رشاد هل تراني سكران؟ قلت لا أراك سكران، وعموما أنت أعلم مني، أنت حاج أكثر من مرة، ولك تعامل مع ملتزمين