تهب الآن رياح الخريف علي مدينة ريودي جانيرو حتي وصلت إلي العاصفة المرعبة في أصواتها وشدتها..وأيضا تهب الآن رياح الخريف علي البعثة المصرية في الأوليمبياد..كانت كل النتائج السابقة لها ظروفها ومبرراتها وكان جدول الترشيحات صامدا بمعظم من فيه من أبطال..إلي أن سقط الملاكم حسام بكر أمام المكسيكي فأطلق العنان لخريف بعثتنا..فلم تعد الظروف والتبريرات مقبولة وأصيبت التوقعات المصرية في صميم قلبها..فهذا الملاكم المتميز كان قتيل الميدالية كما قال بعد فوزه الأول.. وكانت البعثة قتيلة الميدالية الثالثة تفتش عنها ياولدي في كل مكان..ورقة ورقة تسقط من شجرة الأحلام ولم تبق في الشجرة سوي ثلاث ورقات باسم هداية والجزيري والزغبي في التايكوندو والخماسي والفروسية..وياعالم هل ستتعري الشجرة من كل أوراقها أم ستبقي علي بقاياها وتتشبث بالحياة.. هذه المرة لن تخيب..سوف تصيب..زحفت البعثة إلي الصالة بكل هيئتها ماعدا وزير الشباب والرياضة المهندس خالد عبد العزيز الذي غادر صباحا إلي القاهرة..ومن المفارقات أن نري موكبا قادما إلي جوار الصالة ولم نعرف من هو »الكبير قوي»في البرازيل المهتم بالملاكمة..وعرفنا هويته عندما رأينا توماس باخ رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية يدخل المدرجات ويشاهد بجوارنا الملاكمة ومباراة حسام.. كومبينة من الحكام دخل الملاكم المكسيكي الصالة وهو »يتنطط» ويضرب الهواء بقبضتيه ثم يلاكم نفسه ويسدد لوجهه الضربات..بينما ظهر حسام بكر علي الشاشة الداخلية وسرعان مادخل هادئا ومتمتما بشفتيه »يسمي الله»..نظر إلي المدرجات وطبعا كان يتوقع أن تكون معظمها مع المكسيكي بحكم الجغرافيا والجوار..صعد الاثنان إلي الحلبة واستمعا لتعليمات الحكم..ووضع حسام قبضتيه متقدمتين أمام وجهه كنوع من الدفاع المتقدم...فلا هو غطي ولاهو كشف..لكنه مارس أسلوبه المعتاد في الكر والفر والهجوم والانسحاب والمناورة بالرأس والرقبة لتفادي لكمات الخصم..وكثرت الالتحامات لما أدرك الاثنان أنهما أمام نزال صعب ومحفوف بالمخاطر..وفجأة صرخ عبد العزيز غنيم رئيس اتحاد الملاكمة من المدرج وهو في الوضع واقفا مناديا »من برة» ياحسام..من برة ياحسام..فينظر له حسام ويومئ برأسه كناية عن الاستجابة..لم يتوقف غنيم عن الصراخ حتي نظر إليه توماس باخ وابتسم..وبعد انتهاء الجولة الأولي جاء غنيم بهاتفه المحمول وهو مستعجل وسمعته يقول »يانهار إسود» الحكام هيعملوا علينا كومبينة..الله يخرب بيتهم..خسروه نقطة..سمعت الكلمة الأخيرة واستغربت لأنه كان أفضل من المكسيكي من وجهة نظري.. البحث عن القاضية عرفنا أن الموقف صعب..وتعلقت عينا حسام بعبد العزيز غنيم الذي أوصاه بالضرب السريع واستجاب..هاجم وفهم من صراخ غنيم أنه خسر الجولة الأولي..لكن اللاعب المكسيكي كان خبيثا وكلما أحس أنه في مأزق نطر واقي الأسنان وحصل علي ثوان من الراحة..تكرر ذلك ونزل المكسيكي علي الأرض وقام أثناء العد..وانتهت الجولة الثانية ولا نعرف من الفائز بها فقد كان القتال محتدما..ولم يكن أمام حسام سوي البحث عن الضربة القاضية..وبالفعل كانت الجولة الثالثة أفضل جولاته وتطير أسنان المكسيكي ويتهرب من المواجهة للاحتفاظ بتفوقه »ويستظرف نفسه» أحيانا ويلجأ للتمثيل لوقف اندفاع حسام.. سباق الهجوم علي الحكم أعلن الحكم خسارة بطلنا..27 – 28 بفارق نقطة واحدة..وكالعادة تسابقنا في وصف المباراة وتفسير النتيجة وانهال الانتقاد علي الحكام الثلاثة الذين منحوا المكسيكي الفوز بالإجماع..وعندما سارت البعثة في طريق الخروج قابلت بالصدفة د.حسن مصطفي رئيس الاتحاد الدولي لكرة اليد الذي جاء متأخرا ولما سأل عن النتيجة تحمس أحد أعضاء البعثة وقال له حسام اتظلم وكان الواد المكسيكي بيضربه خلف رأسه..فأضحكنا حسن مصطفي وهو يتهكم بقوله: خلاص نحط الضرب علي الرأس في جدول الميداليات..ضحك الجميع لكن لم يستسلموا لفكرة أن الهزيمة جاءت طبيعية وأن الملاكم المكسيكي أحسن التصرف حتي لو لجأ للتمثيل وأوقف النزال أكثر من مرة..وعلاء جبر سكرتير اللجنة الأوليمبية رأي أن حسام قاتل بشجاعة بينما اعتبر مجدي اللوزي رئيس جهاز الرياضة العسكري أفضل بكثير في الجولة الثالثة وسجل نقاطا كثيرة لكنها لم تكن كافية لتعويض الجولتين الأولي والثانية.أما أحمد ناصر رئيس اتحاد الترايلثون فأراد أن يخرجنا من دائرة الجدل لأن كل شئ انتهي وهي الرياضة التي علينا تقبل نتائجها.. يوم هادئ جدا بينما تعلقت الآمال أمس علي كريم الزغبي في الجولة الثانية لمسابقات الفروسية بعد جولة نظيفة قدمها في اليوم الأول..يبدو اليوم الأربعاء هادئا وخاليا تقريبا من المنافسات الساخنة..حيث تلعب مها جودو في الغطس في السلم الثابت 10 أمتار..وتلاكم ايناس احمد في وزن 69 كيلو جراما حرة ويخوض حسن عبد الجواد تصفيات المطرقة وفاطمة الشرنوبي تصفيات 800 متر عدو.