سلامة الصدر أحد أهم أسباب رضا الإنسان عن نفسه ورضا الله (عز وجل) عنه، ذلك أن نبينا (صلي الله عليه وسلم) قال لأصحابه يومًا يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فدخل رجل فتبعه سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب ليقف علي ما أوصله إلي هذه المكانة الرفيعة، فنزل عليه ضيفًا ليرقب أعماله ومدي اجتهاده في عبادته، فما وجد مزيد صلاة أو صيام أو صدقة، فحدث ابن عمر (رضي الله عنه) مضيفه عن سر نزوله عنده وأخبره بما كان في شأنه من رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وسر نزوله عليه، فقال يا ابن عمر الصلاة والصيام، علي ما رأيت، غير أني لا أبيت وفي صدري مثقال ذرة من حقد لأحد. وقد تتعقد الأمور بين بعض الأشخاص أو بعض القبائل بما يكون بينها أو بينهم من ثأر وخصومات حتي يظن أكثر المتفائلين أنه الطريق الذي لا رجوع عنه، وينسون أو يتناسون أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا أراد أن يقلِّب أو يحوِّل قلبَ عبدٍ حوَّله، وهو ما كان منه سبحانه حين ألّف بين قلوب الأوس والخزرج علي ما كان بينهم من ثارات متعددة وتاريخ طويل من الإحن والعداوة والبغضاء، فقال سبحانه مخاطبًا نبينا محمد (صلي الله عليه وسلم) وممتنًا عليه بتأليف القلوب علي يديه: » وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، ويقول سبحانه حاثًا علي الوحدة ممتنا علي عباده بتحقيقها لهم، فقال سبحانه : »وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَي شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ». وسلامة الصدر لا يمكن أن تبني علي التوجس والتربص والتحسس وسوء الظن، حيث يقول الحق سبحانه : » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ »، كما لا يمكن أن تُبنَي علي عدم التسامح، إنما تبني علي الصفح الجميل، وحتي الهجر الجميل، ولين الجانب، ومقابلة السيئة بالحسنة، فالصفح الجميل : هو الذي لا مَنَّ معه، حيث يقول الحق سبحانه : » فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ »، والهجر الجميل هو الذي لا أذي معه، حيث يقول الحق سبحانه : » وَاصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ». وكذلك تبني سلامة الصدر علي لين الجانب، حيث يقول الحق سبحانه مخاطبًا حبيبنا (صلي الله عليه وسلم) : »فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»، كما تقوم سلامة الصدر علي العفو والصفح ومقابلة السيئة بالحسنة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي : »وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»، وحيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ». كما أن علي الإنسان أن يدرك أن ثمة فرقًا واسعًا بين قلب يحمل العداوة والبغضاء، وقلب يحمل الحب والتسامح مع الناس جميعًا، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ ». مع التأكيد علي أن سلامة الصدر ترتبط غاية الارتباط بالرضا بما قسم الله، وإدراك الإنسان أن الأمر كله بيد الله (عز وجل) وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي : » إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»، وحيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : » وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَي أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَي أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». علي أن هناك أمورًا قد تعين علي تحقيق سلامة الصدر، فعدل الأب بين أبنائه يورثهم سلامة الصدر بعضهم تجاه بعض، وعدل المعلم تجاه طلابه يورثهم سلامة الصدر بعضهم تجاه بعض، وعدل المسئول بين مرءوسيه وصاحب العمل تجاه عماله يورثهم سلامة الصدر، والإحسان يورث سلامة الصدر، وقد قالوا : أحسن إلي من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلي من شئت تكن أسيره. ومن الأمور التي تعين علي سلامة الصدر الكلمة الحلوة الرقيقة والقول الحسن »وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا»، وإفشاء السلام »أفشوا السلام بينكم تحابوا»، وإطعام الطعام، وإكرام الصغير، وقد قالوا : أكرم صغير القوم يكرمك كبيرهم وينشأ علي محبتك صغيرهم، ومما يورث سلامة الصدر: التواضع والبعد عن الكبر والاستعلاء علي الناس، ومن أهم ما يورث سلامة الصدر ويؤلف بين القلوب احترام إنسانية الإنسان وآدميته، وعدم إحراجه أو تنقيصه، بل العمل علي رفع الحرج وإزالته عنه، والتماس الأعذار له، وقد قالوا : التمس لأخيك عذرًا إلي سبعين عذرًا فإن لم تجد فقل لعله كذا لعله كذا، فخير الناس أعذرهم للناس، وأسلمهم صدرًا وأرضاهم نفسًا.
