في أحد الأيام تطاول عبدالله بن أبي بن سلول علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فتغير وجه الرسول وبدا عليه الغضب فترك رسول الله مجلس رأس النفاق وجلس في مكان آخر.. فيقول أسامة بن زيد في هذه الاثناء: دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم سعد بن عبادة وهو أحد الصحابة الكبار ذو خلق ونظرة ثاقبة ويتمتع بحصافة الرأس وبُعد النظر ولمح سعد صورة غير التي اعتاد رؤيتها فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأري في وجهك شيئاً لكأنك سمعت شيئاً تكرهه قال: أجل ثم اخبره بما قال ابن أبي. فقال سعد: يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاءنا الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فوالله إنه ليري ان قد سلبته ملكاً. رأي سديد وحكمة صائبة لرجل رجل مسلم صادق الإيمان والعقيدة حيث نقل لرسول الله صلي الله عليه وسلم الصورة كاملة قبل ان تشرف المدينة بقدوم رسول الله صلي الله عليه وسلم إليها فمن باب تطييب خاطر النبي والتسرية عنه أوضح له ان ابن ابي حانق واصابه الضيق لأن الرئاسة للقبائل قد اصبحت مستحيلة المنال وفي نفس الوقت لم يرد ان يشعل نيران الفتنة إذ يكفي الرجل أنه أصبح مجرد فرد في وسط هذه القبائل. أمين في رأيه لم يغير ولم يبدل نقل الواقع لسيد الخلق لكي يهدأ ويترك ابن أبي يموت بغيظه وهذا يكفي. وان رسول الله صلي الله عليه وسلم امتلك زمام القلوب وأقبلت عليه القبائل بزعمائها فابن ابي يكاد يحترق من الداخل فليكن الهدوء في مواجهته. الرفق والحكمة أفضل الوسائل لاخماد نيران المنافقين الذين يسيرون في ركب هذا الرجل وهؤلاء يارسول الله كاذبون ويريدون ان يوغروا صدور الناس خاصة ان الناس هنا حديثو عهد بالإسلام وتجاهل مكر هؤلاء المنافقين والتصدي لما يبثونه من فتن بحكمة لافساد هذا الخداع والتحلي بالأخلاق كما عودتنا يا رسول الله علي هذه الاساليب والسلوكيات الطيبة خاصة انك قدوة واسوة حسنة. بلا شك إنها نصيحة من قلب مفعم بحب الله ورسوله وتلك هي سمات المسلم اخلاص واخلاق وتعامل بالحسني ومقابلة السيئة بالحسنة ويحرص المسلم علي ان يتطابق سلوكه مع الآثار التي تنتج عن أداء العبادات ففي الصلاة مثلاً.. يكتسب المسلم الانضباط ووحدة الصف والهدف والارتباط بالجماعة ويتخذ من الاساليب ما يتناسب مع شعائر هذه الفريضة.. من طهارة حسية ونظافة في الملبس والمظهر والروائح الطيبة حتي لا ينفر منه أحد كل ذلك تنفيذاً لتعليمات الله سبحانه وتعالي "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" الاعراف: الآية .31 وفي مقابلة السيئة بالحسنة يلتزم بقوله تعالي "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" سورة فصلت: .34 ان مكارم الأخلاق وصدق القول التزام قطعه كل مسلم مخلص علي نفسه لا يحيد عنه ولذلك فاز هؤلاء بالمكانة العالية ومن بين هؤلاء كعب بن مالك تخلف عن الذهاب إلي غزوة تبوك مع رسول الله صلي الله عليه وسلم دون عذر وعندما عاد الرسول بعد هذه الغزوة أقبل الذين تخلفوا عن هذه الغزوة كل ينتحل عذراً لكن كعب رفض وصدق في قوله وأعلن أمام الرسول هو ومرارة بن الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي انهم تخلفوا بلا عذر.. وقد رفض كعب طلب أهله وذويه بانتحال أي عذر وامام هذا الصدق قرر رسول الله تأديب هؤلاء وطلب من الصحابة ان يجتنبوا الثلاثة لا يحدثونهم ولا يتعاملون معهم وكان صدق هؤلاء الرجال يملأ جوانحهم والحزن يعتصر قلوبهم. ضاقت عليهم انفسهم والأرض التي يعيشون فوقها أسي وحزنا علي التصرف الذي بدر منهم وظلوا علي ذلك خمسين ليلة ثم كانت نتيجة الصدق رحمات وتوبة من الحق تبارك وتعالي فنزلت برداً وسلاماً علي قلوبهم إذ ان الصدق وعدم اخفاء الحقيقة قد انجاهم من غضب الله وسخطه "لقد تاب الله علي النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم. إنه بهم رءوف رحيم. وعلي الثلاثة الذين خلفوا حتي إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه. ثم تاب عليهم ليتوبو إن الله هو التواب الرحيم" الآية 117. 118 سورة التوبة. من كل ذلك يتضح ان المسلم يحرص علي هذه الصفات خاصة في عصر الإلكترونيات والثقافات الوافدة عبر القنوات الفضائية وعدم الانسياق وراء تلك الثقافات غير الملتزمة بالقيم الإنسانية والمبادئ التي جاءت بها الأديان السماوية. المسلم يجب ان يكون قدوة لغيره في الالتزام بتلك الصفات والسلوكيات الطيبة التي تكسبه محبة الآخرين "وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.