كان العالم الكبير الدكتور أحمد زويل محبا لوطنه وابنا باراً به وعالماً فذاً، يحلم بأن يري مصر منارة للعلم والتكنولوجيا في العالم. الآن.. وقد احتضن ثري مصر الدافيء بكل الرفق والحنو جثمان عالمنا الكبير الدكتور أحمد زويل، قد يتصور البعض بأن ذلك يعني نهاية الرحلة وانتهاء المشوار الطويل والشاق والناجح، الذي قطعه عالم الكيمياء الشهير الذي خرج من مصر الي الولاياتالمتحدة الامركيية في أواخر الستينيات، طالبا المزيد من العلم، بعد حصوله علي بكالوريوس العلوم في الكيمياء من جامعة الاسكندرية،...، فإذا به يبهر العالم بعلمه ونبوغه، ويحرك جنبات العلم وعقول العلماء باكتشافه المذهل »للفيمتو ثانية». ولكننا نقول ان ذلك تصور قاصر وفي غير محله، لأن أحمد زويل لم يكن انساناً عادياً،وواحداً من ملايين البشر الذين يولدون ويشبون ويكبرون ويشيبون ثم يغادرون الحياة دون ان يتركوا أثراً، ودون ان يفعلوا شيئاً للبشرية يؤثر فيها أو يحسه الناس،...، علي العكس من ذلك كان الدكتور العالم الكبير الراحل زويل، لقد فعل الكثير لهذا العالم، وفعله هذا جعل العالم علي غير ما كان قبل مجيء زويل، لقد فتح بابا واسعاً للتقدم امام البشرية، وهذا الباب كان وبحق سببا ودافعاً لتغيير الواقع الانساني وحياة البشر الي الأفضل،..، لذلك لن تنتهي مسيرته طالما بقي علمه. معجزة علمية وأقل وأبسط ما يمكن أن يقال عما أتي به زويل للعالم، هو أنه استطاع من خلال علمه ونبوغه في الكيمياء والفيزياء وعلوم الليزر، رصد وتصوير وتسجيل التحركات الدقيقة لجزيئات المادة ودقائقها وذراتها، في وقت بالغ القصر لا يتجاوز جزءاً من المليون من الثانية، وهو ما يتيح المجال للتعرف الدقيق علي طبيعة المواد وسلوكها، ويفتح الطريق واسعاً امام العلماء والعاملين في الابحاث العلمية لمعرفة ما كانوا يجهلونه عن دقائق حركة الجزيئات والذرات في المواد اثناء التفاعلات، وكلها كانت عوالم مجهولة ومستغلقة علي الفهم والمعرفة من العلماء، قبل اكتشافات وأبحاث الدكتور زويل، وظلت هذه العوالم مجهولة أمام الجميع، حتي جاء الاكتشاف المذهل لعالمنا زويل، ليفتح الباب امام العلماء والباحثين في العالم كله للمعرفة والتطلع الي ذلك المجال الذي لم يعد مجهولاً. هذه هي معجزة الدكتور العالم الكبير أحمد زويل وهي التي دفعت بجائزة نوبل الي الانطلاق نحوه لتزين جدولها وسجلها باسمه، فقد استحقها عن جدارة واستحقاق كاملين بعد ابحاث علمية مستمرة ودءوبة استمرت اعواماً وأعواما، في مراكز البحث والعلم في الجامعات الامريكية وآخرها جامعة »كالتيك» بكاليفورنيا. وحتي ندرك مدي الاعجاز الذي حققه الدكتور العالم الكبير أحمد زويل، والقدر الكبير والضخم لاكتشافه العبقري، لابد أن نذكر ما قاله خمسة من أكبر العلماء في الكيمياء بالعالم، الذين حصلوا علي جائزة نوبل، في السنوات التي تلت حصول الدكتور زويل عليها عام 1999، حيث اعلنوا انهم ما كان ممكنا لهم الحصول علي نوبل لولا ابحاث الدكتور زويل واكتشافه المذهل، وتوصله »للفيمتو ثانية،..، وأكدوا ان هذه الابحاث وذلك الكشف هي التي اتاحت لهم الفرصة ومكنتهم من الاكتشافات والنتائج التي توصلوا إليها والتي رشحوا بسببها للحصول علي نوبل. المسيرة مستمرة من أجل ذلك كله أقول ان مسيرة الدكتور العالم المصري والعالمي الكبير أحمد زويل لم ولن تنتهي طالما بقي علمه وكشفه يضيء للعلماء والباحثين والطلاب طريقهم ويرشدهم الي بذل المزيد من الجهد والبحث لخير البشرية،...، واقول كذلك، ان علينا مسئولية واجبة وضرورية تجاه الوطن وتجاه الدكتور زويل، وهي ان نحرص كل الحرص علي تحقيق وصية الدكتور زويل، وحلمه الذي سعي لتحقيقه علي ارض مصر، وبذل فيه غاية الجهد، حيث كان يتمني ويحلم ويعمل علي ان تقوم »مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا» ويراها صرحاً علمياً وتكنولوجيا علي ارض مصر،..، تقود مصر الي نور العلم وطريق التكنولوجيا العصرية في كل المجالات، وتكون قاطرة وجامعة ومدينة ابحاث متطورة ومصانع لتخريج العلماء والباحثين في كل التخصصات الدقيقة. الحلم هذا هو حلم عالمنا الكبير الدكتور أحمد زويل الذي حدثني عنه عدة مرات قبل مرضه الاخير وقبل رحيله الذي فاجأنا جميعا وهو ما يجب ان نعمل ونسعي علي تحقيقه بكل الاصرار والجدية،..، وعلينا ان ندرك ان سعينا لتحقيق هذا الحلم والحرص علي اتمام انشاء وإقامة »مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا» علي اكمل صورة وبالمواصفات العلمية الحديثة التي ارادها وتمناها الدكتور زويل هو سعي واجب وضروري لتحديث مصر وكي تكون بالفعل صرحا ومنارة للعلوم والتكنولوجيا في المنطقة وتكون في المكان والمكانة اللائقة بها علي خريطة العالم المتقدم بإذن الله. »رحم الله عالمنا الكبير.. لقد كان محبا لمصر وابنا بارا بها وعالما فذا يحلم بأن يري مصر منارة للعلم والحضارة الانسانية». التنظير في الحقيقة لا أعرف من اطلق علي صديقنا هذا لقب أو صفة »المنظر» بضم الميم وفتح النون وكسر الظاء، بمعني الساعي أو الراغب دائماً لوضع كل الامور أو الظواهر أو الموضوعات في اطار نظري واضح ومحدد،..، ولكنه علي أي حال اصبح هو اللقب أو الصفة المعروفة عنه والملتصقة به لديهم جميعاً،.. وهو بالفعل مغرم بالتنظير. وأقول »لديهم» لأنهم بالفعل مجموعة من الأصدقاء القدامي جمع بينهم تقارب المشارب والافكار، والاهتمام بالشأن العام ومتابعة التطورات والمستجدات الجارية محلياً واقليمياً ودولياً ايضاً، مع السعي الدائم للتعرف علي جميع الرؤي والآراء المطروحة والمتداولة حول كل ما هو مطروح من قضايا وموضوعات، دون ضيق برأي او مصادرة علي وجهة نظر او رفض مسبق لرؤية بعينها. وقد استمرت صداقتهم علي هذه الوتيرة من الود وسعة الصدر واتساع الأفق لسنوات وسنوات، بحيث اصبحت من المسلمات القائمة بالنسبة لهم جميعاً طوال هذه السنوات، التي تكاد تتجاوز العقدين من الزمان،..، وهو ما يتضح ويتأكد من خلال حرصهم علي مواصلة التجمع واللقاء بصفة تكاد ان تكون منتظمة مرة علي الأقل كل شهر، يتبادلون فيها الفضفضة والرأي حول ما يعن لهم من امور عامة، أو حتي شخصية دون حساسية ودون تحسب. البشير في اللقاء الأخير الذي ضمهم منذ عدة ايام، فاجأهم صديقهم المغرم بالتنظير، بالقول في حماسته المعتادة وانطلاقته الطبيعية التي هي بالفعل جزء من تكوينه وتركيبته: »كنت أتمني ان أزف اليكم خبراً طيباً يبعث السعادة أو البهجة في نفوسكم أو بالاحري والادق الي نفوسنا حيث اننا جميعاً في مركب واحد، هي المركب المصرية التي نعتز بها ونحبها جميعاً، ليس لأنها الوحيدة التي تؤوينا وتحتضننا بكل ما فينا من صفات وما نحن عليه من خصال، بعضها رائع، والبعض الآخر ».......»، ولكن لأننا فعلاً نعشق هذا الوطن ونكن له في داخلنا احساسا عميقا ومتدفقا بالانتماء الذي هو في حقيقته وجوهره أكبر كثيراً من الحب الذي اعتاد الناس علي تداوله، والتعامل به فيما بينهم فلابد أن اصارحكم بالحقيقة والواقع» واستطرد قائلا :ولكن رغم هذا الحب أو العشق أو الانتماء فإن »العين بصيرة واليد قصيرة» أي انني تمنيت بالفعل ومازلت آمل في ان أكون بشير خير، ولكنكم تعرفون الحقيقة المؤكدة في هذه الدنيا التي نحيا فيها أو عليها، والتي تقول بأنه »ليس كل ما يتمناه المرء يدركه» خاصة إذا كانت عملية الادراك هذه ليست وقفا عليه وحده، بل يشاركه فيها كل الناس. بمعني مثلا اني كنت ومازلت اتمني ان ابشركم بنهاية سريعة وعاجلة للأزمة الاقتصادية، التي استحكمت حلقاتها وأحاطت بنا من كل جانب طوال الخمس سنوات العجاف الماضية، والتي يري البعض ان اسبابها ودواعيها قد بدأت قبل ذلك بسنوات وسنوات،...، بينما هناك من بيننا من يري غير ذلك، ويقول انها حلت علينا بصورة حادة بعد احداث الربيع العربي ونتيجة لها، وما حدث فيها من انفلات عام وفوضي كبيرة، وخروج فاضح علي القانون، وتعطيل مستمر للعمل، وتوقف دائم للمصانع والشركات، و.. و.. وأشياء اخري كثيرة، كلها تحسب بالسلب وكلها أدت إلي توقف الانتاج أو تعطله علي الاقل،..، وهو ما نجني آثاره أو ثماره المرة اليوم للأسف. قبل الربيع وصمت صديقهم »المنظر» لحظات، وهو ينظر إليهم في انتظار اعتراض أو موافقة أو تعليق من هنا أو هناك،..، ولكنه اضطر لاستئناف الحديث عندما لم يجد شيئا،...، »هذا ما يقوله البعض،..، لكن هناك من يقول برأي آخر أكثر شمولاً، فهو يتفق مع القائلين بأن ما جري وما كان في أحداث الربيع العربي الذي كان لمصر فيها جزء أو حمل كبير، قد تسبب بالقطع في تدهور الحالة الاقتصادية المصرية ووصولها إلي ماهي عليه اليوم،..، ولكنه يري ان الحالة المرضية للاقتصاد المصري بدأت قبل ذلك بسنوات عديدة، وأن التدهور كان واقعاً قبل الخامس والعشرين من يناير 2011،..، وكل ماحدث هو ان وتيرة هذا التدهور ازدادات في ظل العنف والفوضي وغياب سلطة الدولة وتوقف الإنتاج الذي صاحب الربيع العربي». ثم أضاف »وإذا ما حاولنا ترجمة ما يقول به اصحاب هذا الرأي ووضعه في مقابل ترجمة ما قال به اصحاب الرأي الأول، نجد اننا أمام خلط واضح بين الاقتصاد والسياسة في كلا الرأيين،..، وهذا طبيعي جداً ومنطقي للغاية، حيث من وجهة نظر الكثيرين انه لاحظ فاصلا بين السياسة والاقتصاد، بل الربط بينهما قائم وضروري والفصل بينهما صعب.. بل مستحيل». وواصل حديثه قائلا: ويري هولاء ان احداً لا يستطيع ان يدعي بامكانية وجود ازدهار اقتصادي في غيبة الاستقرار السياسي، ونحن هنا لا نتحدث عن الديمقراطية ولكننا نتحدث عن الاستقرار السياسي بمعناه الشامل الذي يدخل فيه بالقطع الجوانب الأمنية والاجتماعية». واستطرد قائلا »وفي حالتنا هذه نجد ان اصحاب الرأي الأول يلقون بالتبعة علي الربيع العربي، ويحملونه المسئولية الكاملة عن الازمة الاقتصادية التي نعاني منها الان بصورة حادة،..، وفي مقابل ذلك نجد ان اصحاب الرأي الثاني يلقون بالتبعة علي ما قبل الخامس والعشرين من يناير، ويقولون ان السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة في عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك هي المسئولية مسئولية اساسية ورئيسية عن الانهيار الاقتصادي، وانها هي التي وضعت اساس هذا التدهور، وان مسئولية الخامس والعشرين من يناير تنحصر في انها سارعت فقط في معدلات التدهور والانهيار. »اي اننا أمام من يلقون بالمسئولية الكاملة علي الرئيس الاسبق، ومن يلقون بالمسئولية علي الربيع العربي». السادات ثم نظر للجميع وتساءل: ولكن هل انتهت المسألة عند هذا الحد، وهل اقتصرت علي وجود الرأيين فقط؟!،..، ولم ينتظر رداً بل قال ،..، »الاجابة علي هذا السؤال هي بكل بساطة لا،..، فهناك من يرون بأن مشاكل مصر الاقتصادية وأزمتها الحالية بدأت قبل ذلك ايضاً، وإنها تعود الي الرئيس السادات، والانفتاح الاقتصادي الذي بدأه بعد سنوات قليلة من توليه السلطة في اعقاب رحيل الرئيس عبدالناصر، وبعد الانتصار الرائع الذي حققه في حرب أكتوبر المجيدة». واستطرد قائلاً في حماسه زائدة،..، »ويري هؤلاء أن الانفتاح لم يكن مخططا ولا مدروسا بصورة علمية، كما انه لم يكن انفتاحا انتاجيا، ولم يحقق ما كان يجب ان يحققه من نقل التكنولوجيا المتطورة ، ولا تطوير ودعم الصناعة ولا استحداث طرق الزراعة، ولكنه كان انفتاحاً استهلاكيا اضر بالاقتصاد، وهو ما دفع البعض للقول بأنه كان انفتاح سداح مداح». عبدالناصر واستكمل حديثه قائلا: »وفي مقابل هؤلاء نجد ان هناك من يبرئ الرئيس السادات، ويقول بأنه كان بالفعل قد بدأ في تحديث مصر واتباع سياسات واضحة تؤدي الي ذلك، عن طريق الانفتاح علي العالم المتقدم والتكنولوجيا العالمية المتطورة ولكن القدر لم يمهله حيث اغتيل علي يد الارهابيين اعداء الحياة». »ويري هؤلاء ان بذرة الازمة الاقتصادية قد وضعت في الارض المصرية في اعقاب الانتكاسة التي اصابتنا في عام 1967، وما نتج عنها من توجيه كافة مقدرات الدولة للنهوض من جديد والاستعداد لخوض معركة المصير واسترداد الكرامة وطرد المحتل، وتحرير الارض واستعادة سيناء، وهو ما حدث بالفعل. ويقولون ان حرب اليمن التي سبقت النكسة قد ساهمت ايضاً في تكليف الاقتصاد المصري اكبر من طاقته، ثم اطاحت النكسة بالبقية الباقية منه، وأن الاستعداد لمعركة النصر قد كلف مصر الكثير، ولكنه كان فرض عين لابد من القيام به والوفاء به، ولا يمكن ان يقبل مصري واحد بغير الثأر ورد الشرف واسترداد الكرامة وتحرير الارض واستعادة سيناء.مهما تكلف من تضحيات في سبيل ذلك». ونحن أيضا وانهي الرجل حديثه المطول وهو يطوف بنظره علي وجوههم جميعاً مستطلعاً ردود الفعل،..، لكنه لم يجد ما كان يبحث عنه، حيث ران الصمت علي الجميع،..، وهو ما اضطره للقول، »لقد نقلت لكم كل ما يقال وما يتردد بخصوص الازمة الاقتصادية التي نعاني منها،..، وعندي أمل في ان أجد لديكم رأياً يحسم هذا الأمر ويحدد المسئول عما نحن فيه،..، فما رأيكم دام فضلكم؟! ومرة أخري انتظر الرجل الإجابة علي سؤاله،..، ولكنه لم يجد غير الصمت وظل ابتسامة ترتسم علي الوجوه،..، ثم بعد فترة طالت تناهي الي سمعه من يقول في ود مألوف،...، يا صديقي إنك لم تخبرنا بشيء جديد، فكلنا سمعنا ونسمع هذا الذي سمعته وتسمعه، ونحن جميعاً نبحث مثلك عن اجابة، ونأمل التوصل لها في لقائنا القادم بإذن الله.