ولد ابن رشد بالأندلبس ومات بالمغرب. وعاش في القرن الثاني عشر الميلادي- 1126- 1198م. كان من أسرة اشتهرت بالعلوم الإسلامية، وبرعت في الفقه الإسلامي وكان له جد بنفس الاسم اشتغل »قاضي القضاة» ولذلك أطلقوا علي صاحبنا هذا »ابن رشد الحفيد» تمييزا له عن جده. فالذي معنا هو ابن رشد إلي اشتغل بالفقه والعلوم الشرعية في أوائل حياته. وله في الفقه المالكي كتاب من أجود ماكتب في فقه مالك- رحمه الله- واسم الكتاب »بداية المجتهد». ولكن بدايته التي كانت بهذا الكتاب انتهت به إلي نقيض ذلك تماما علي ما يتضح من كلامنا عنه- بحوله تعالي-. دفعنا إلي الكتابة عن ذلك الرجل الذي يفصلنا عنه قريب من ألف عام، أن بعض المتثاقفين أو المتعالين يهتبلون كل فرصة تتاح لهم فيذكرون اسمه متمسحين به، ليفهموا القارئ أنهم أتوا بما لم تخترعه الأوائل- كما ذكر أبوالعلاء- هذا مع أنني حصلت علي درجة الأستاذية عام ثمانين- 1980- بكتاب عن ابن رشد بعنوان: »أضواء علي المنهج النقدي عند ابن رشد». أعني أنه كان الكتاب الأبرز ضمن الإنتاج العلمي الذي حصلت به علي الأستاذية. وابن رشد يخالفنا أساسا من أهم أسس إيماننا حيث يقوم إيماننا علي أن الله- سبحانه- خلق العالم كله وأن الله سبحانه (خالق كل شئ) 102 الأنعام- 16 الرعد- وهذا النص القرآني ورد في أكثر من ثمان مواضع في كتاب الله لكن هناك من الكتاب كاتب اسمه »صلاح يري» أن: »النصوص المقدسة ليست مقدسة باطلاق».. إذن فالنصوص المقدسة مقدسة نسبيا، فأحيانا تكون مقدسة، وأحيانا ليست كذلك.. لكن ذلك شئ آخر، قط أردنا أن نعطي صورة تافهة لما نعيشه الأن. نعود إلي موضوعنا عن الوليد بن رشد، أو: محمد بن أحمد بن رشد. عاصر ابن رشد ثلاثة من خلفاء الموحدين. أولهم الخليفة الأول للموحدين »عبدالمؤمن» الذي دعا ابن رشد إلي مراكش، ثم ثانيهم ابنه الخليفة أبويعقوب يوسف بن عبدالمؤمن. ثم ثالثهم »المنصور» بن يوسف بن عبدالمؤمن وفي عهد الخليفة الثالث حدثت الفتنة والخلاف بين الخليفة المنصور بن يوسف وبين الفيلسوف ابن رشد، وغضب الخليفة علي الفيلسوف بن رشد حتي كاد يأمر بقطع عنقه. ويقال إن الخليفة قال لابن رشد: لولا سابقة لفضل لجدك عندنا لأمرت بقطع عنقك. ولم تقف الفتنة بابن رشد عند الخليفة، بل انتشرت بين أفراد الشعب حتي إن ابن رشد ليحدث فيقول: »إن أشد ما لقيت أيام الفتنة أني سمعت أذان العصر بأحدي القري وأنا مطارد مع ابن لي صغير، فدخلت مسجد هذه القرية للصلاة. وقبل أن تقام الصلاة عرفني الناس بالمسجد فأخذوا يحصبونني أنا وابني بالحصا والحجارة حتي فررنا من المسجد الي هذا الحد انتشر بين الناس القول بكفريات ابن رشد التي يحكي أن منها قول ابن رشد بأن »الزهرة» أحد الآلهة وهذه أقوال غير موثقة، بل هي في غالب الظن غير صحيحة. وابن رشد هو أشهر الفلاسفة المنتسبين إلي الإسلام في الغرب النصراني وله شهرة واسعة بين الدارسين والمؤرخين للفكر الفلسفي لدي المسلمين في المغرب العربي. ولشهرته واتساع سمعته كثر دارسوه والمتتلمذون علي فلسفته. وقد خلف مؤلفات كثيرة أشهرها كتابه »مناهج الأدلة في عقائد الملة»، »فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال». وكتب أخري كثيرة أوصلها »رينان» إلي ثمانية وسبعين مؤلفا، بينما أوصلها ابن أبي أصيبعة إلي خمسين، ثم وصل بها د. عبدالرحمن بدوي- عفا الله عنا وعنه- إلي أربعة وثلاثين مؤلفا. لكن جميع هؤلاء وغيرهم ممن درس ابن رشد متفقون علي أن أهم مؤلفات ابن رشد تنحصر في »تهافت التهافت» وفي »مناهج الأدلة» وفي »فصل المقال». وفصل المقال كتيب صغير جدا لايزيد علي بضع عشرة ورقة. لكنه يوضح منهج المؤلف الذي يقوم علي التوفيق بين الدين والفلسفة والأخطر من ذلك أن الفيلسوف جعل الوحي إلي الرسل والأنبياء في مرتبة أدني من العقل، وأن الفكر الذي هو نتاج العقل أعلا مرتبة من الوحي، وأنه هو الأساس الذي يعكس عليه الوحي، فإن اتفق الوحي مع العقل كان الوحي صحيحا ومقبولا. وإن لم يتفق الوحي مع العقل كان العقل صحيحا واساسا، واول الوحي حتي يوافق العقل.. كل هذا ورد في تلك الرسالة الصغيرة التي اسماها ابن رشد. يأتي سؤال هام أو السؤال الأهم وهو: لماذا كتبنا اليوم عن ابن رشد؟ أو: ما الذي جعلنا نكتب اليوم عن ابن رشد؟ وما المناسبة؟ أما المناسبة فإني نظرت في إحدي الصحف اليومية مقالا لأحد الذين عينوا وزراء لبضعة أيام. ثم قيل له: اجلس في بيتك، وجئ بوزير غيره. وهذا الذي كان وزيرا لبضعة أيام، ثم جلس في بيته، كتب مقالا قبل ذلك قال فيه: إنه وزير لايحتمل. وهذه كلمة تدل علي سوء فهم. فمن الذي لا يحتمله؟ إن المقابلة الصحيحة لايقال فيها: يحتمل أو لايحتمل. لكن المقابلة تكون بين: وزير ناجح، أو وزير فاشل. هذه هي المقابلة الصحيحة. هذا الوزير لأيام، أو الذي كان وزيرا لأيام. لايترك فرصة إلا وينتهزها ليس، أو يحاول الإساءة إلي الإسلام. وقد كتبت الصحف عن كاتب تافه طعن في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وطلب محو كتبها أو عدم العمل بها. فما كان من ذلك الذي كان وزيرا لأيام إلا وكتب يرحب بهذا الكاتب التافه، ويشبهه بالفيلسوف »ابن رشد». وقد أردنا ان نبين لسعادة الوزير الذي لايحتمل أننا نفهم ابن رشد أكثر منه. وأنه لايعرف الكثير عن ابن رشد. وان كاتب هذه السطور حصل علي الأستاذية سنة ثمانين من القرن الماضي بكتب كثيرة بعضها كان عنوان ؛أضواء علي المنهج النقدي لابن رشد». ولعلنا نعود مرة اخري فنبين عقيدة ابن رشد وبعضا مما يتصل به.