علي كورنيش التمرد "الخوف يجعل الحمار أسرع من الحصان مثل روسي قديم " ولكني أكره الخائفين من أفكارهم... وأنا أخاف كلّ يوم من كلّ شيء.. الصواعق العاتية كانت تحصد الشياطين المتعلقة بالأمواج حولهم، والرعد يضرب الأذان بلا رحمة، رعداً وبرقا غير كل ماعرفوه وماتعودوا عليه أو صادفوه في حياتهم الممتدة عبر أزمان الحياة.. هل هذا هو التغيير الذي هتفوا به.. هل كان حلما أم خيالا.. ؟ وجاءوا أباهم عشاء يبكون.. بحذر شديد كانوا يتحدثون عن تجربة الأمس. كان أولهم يسير في طريق الكورنيش ساعة أن اصطدمت به سيارة من الخلف، نزل وتحدث مع قائدها، وطلب منه إصلاح ما أتلفه لكنه رفض، لم يُكثر في الجدال، فتح باب سيارته الخلفي، أخرج عصا غليظة وتوجه ناحية السيارة التي صدمته، كسر المرآة اليمني ثم اليسري وبعدها نزل بالعصا علي الزجاج الأمامي، أعاد العصا إلي مكانها ثم واصل طريقه والشمس تضحك. زادت ضحكاتهم والموج يعلو الكورنيش وماذا سيفعل الرجل بدون زجاج سيارته.. من وراء ستائر مسرح راقصة ألقي من علي خشبته برواية العجوز والبحر. ضحك (أرنست همنجواي) ثم بكي.. تحولت الخشبة إلي شراك والحكايات إلي مصيدة، والبحر الأبيض إلي مقبرة، والأجساد إلي ظلال تتلاشي، كأنها خيالات ظل تطفو فوق عيوننا. قال وقد اشتعل الرأس شيبا.. من خصلاته جدلت حكايات العمر.. عندها بكي الصلعاء. قال صديقه فكرتني بعمدة قريتنا.. كان كمعاوية له شعرة لكنهاتأمتن من حبل المرساة. وشيخها أبن أبيه كانت له وبرة من مؤخرة النمس.. أما الابن الوريث ويا للهول كان أصلع العقل والقلب. قال أحدهم : علي الشط أعطي صاحب الروح الرياضيه ظهره للبحر وبني قصورا علي الرمال.. عندما داهمته الموجة العالية صفق لها طويلا. .. ضاحكا..وبني الفهلوي بيته علي رمال الشط في غفلة من الأمواج ثم وقف حائلا بينهما.. عندما زاد بلل ملابسه لم يجد مكانا يبدل فيه الملابس..عندما حاول خلع سرواله أسرعت الأمواج وغطته. ..انتهز الآخر فرصة غروب الشمس واسرع ليصطاد.. عاد خالي اليدين يبرطم لماذا تقطع الحكومة النور عن الأسماك.. . بعد طول صمت قال..المرأة ليست بحاجة إلي تقبيل الضفدع ليصير أميراً، فهي أميرة بذاتها. بعد حرق العلم وقد ساد الظلام رقصت الأسماك مع الموج.. رفضت لابسات البكيني ترك الشاطئ، واعتصم حقوقيون بميدان (سعد زغلول) علي ضوء الشموع وأمام التمثال يطالبون بحرية حرق الملابس الداخلية بكل الألوان.. القط المهاجر أيها الساري إلي باب المجاهيل عجولا.. ..". مثل حصان جامح وطموح ينقصه المران.. زفرت في نفاذ صبر فالتقط حسين يدها، سار بإبهامه ملامسا تعاريج الخطوط بكفها.. ركز نظراته في عينيها شعر بارتجافة كفها.. قال: لديك قلب ضعيف.. أرخت أهدابها.. قالت : ماذا رأيت.. قال رأيت هواجس تزينها لك أفكار ظالمة.. .. لا أحب شرب القهوة، يقولون أن رائحة حبات البن المحمصة لها تأثير فسيولوجي إيجابي علي الجهاز العصبي للفرد، وتقلل من نسبة التوتر والإحساس بالنعاس.. لكن هذا لا يمنع أنني أعشق رائحتها في الصباحات الرائقة.. أحسّتْ بما يشبه الطرقات علي باب منزلها الجديد ببوسطن الهادئة.. ألقت الكتاب جانبا وانتفضت في مكانها رغم تعودها علي صوت جرس الباب.. كم تفزعها الطرقات علي الأبواب والنوافذ.. كانت البداية والخالة تقتحم المكان صارخة وسط المعزين.. - يا خراب بيتك يا اختي.. رحل والدها ولم يفارقها الخوف.. تتغلغل الرائحة في المنزل ونتأمل معها الذكريات.. من يوم زيارتها له بمستشفي (المواساة) حيث كانت تشعر أن الشعب المصري إما مريضا أو يزور مريضا، الأغرب كان مزاحمة القطط لهم، حتي أن الذاكرة تستعيد أغنية المطرب الشعبي أحمد عدوية (زحمة يا دنيا زحمة.. زحمة ولا عادش رحمة ) بسهولة..قالت أمها في بلادنا لو لم نجد زلة نمسكها علي بعضنا البعض لاخترعناها، فنحن قوم نهوي التفتيش في الدفاتر القديمة ونتفنن في الجهر به لشيء في نفس بن يعقوب.. توقفت مكانها.. كانت قد افتقدت الزيارات الأسرية ولقاء الاصدقاء منذ غادرت بلادها بعد الزواج.. الناس هنا في عجلة من أمرهم.. وزوجها يعمل لساعات متأخرة.. ماذا أفعل الآن.. هذه ليست كلمات متقاطعة أشارك زوجي في حلها.. طرقات من جديد لكنها كانت خجولة كأنها تستأذن.. نظرت من العين الزجاجية..لم تر أحدا.. عادت أدراجها للمطبخ..كانت في حاجة إلي كوب شاي ساخن. سمعت مواء القط..نظرت حولها ثم راحت تفتش في الغرف وهي تردد بخ.. بخ بكسر الباء وتسكين الخاء كلمة تقال لقطة لصرفها من المكان، أو دفعها للتوقف عن تصرف تفعله، أو تهم بفعله.. إنها تكره أصوات القطط..حمدت الله يبدوأنها إحدي القطط بالخارج.. أسرعت تجلس كالمعتاد أمام شاشة التلفاز، وخيالها يزداد دفئا مع الأبخرة المتصاعدة من الشاي، من صخب الصغار إلي دفء العائلة، ودموع أمها التي لم تصدقها وهي تهتف بفرح.. - إنني ذاهبة للعالم الجديد يا أمي.. هناك الدفاتر جديدة.. قطع حبل أفكارها صوت طرقات خفيفة علي الباب الخارجي لكنها متواصلة.. نهضت متثاقلة، ثم دفعتها الوساوس.. أسرعت تنظر من العين الزجاجية.. صاحت بفرحة طاغية.. لابد أنها إحدي الجارات تريد الثرثرة معي.. أزاحت المزلاج ثم توقفت برهة.. تمتمت لكن الأحوال هنا متغيرة والمعاملات مختلفة.. زادت سرعة أنفاسها وطافت بذهنها تحذيرات البوليس المتكررة.. زادت قبضتها تشبثا بمقبض الباب وقد واربته قليلا..أطلت برأسها ببطء.. قالت تبدد السكون المرتعش داخلها.. مساء الخير ياسيدتي..مرحبا قالت المرأة..مساء الخير..لاوقت عندي..لكن كيف تجرؤين علي ترك قطتك المسكينة في هذا الجو البارد إنها ليست قطتي.. وأغلقت الباب وعادت للجلوس أمام الشاشة.. الصور تتدافع أمامها تذكرها بصديقاتها ورنين الهاتف الذي لا ينقطع.. تطوف بشفتيها إبتسامة واسعه ونسمات النزهة علي شط النيل في العصاري الجميلة، مع حسين، تداعبها مع رائحة الذرة المشوية.. وكم كان المساء ينقضي سريعا مع حلاوة ثرثرة الجيران.. كانت الطرقات علي الباب هذه المرة أكثر وضوحا.. أسرعت بالنظر من العين الزجاجية.. كان هناك رجل شرطة..فتحت الباب..ابتسم الشرطي.. سيدتي هذه شكوي من الجيران بسبب طردك لهذه القطة الجميل.. التقطت أنفاسها وهي تبتسم.. لقد أخبرتهم يا سيدي إنها لست قطتي..وأنا لا أحب القطط.. وفي بلادنا لا نربي القطط.. إنها دائما هكذا في الشوارع.. لكن يظل البعض منا يقاوم، يحاول الاحتفاظ بنكهة العيش ومتعة الصمت الصباحي مع فنجان القهوة، ويستسلم لسحر الرائحة هنا أمريكا ياسيدتي النظام والقانون..من فضلك وقعي علي هذه الورقة.. وما الأمر..؟ لا شئ لكنه اعتراف بأنها ليست قطتك، وليس من حقك تقديم أي شكوي بفقدك لقط.. - نعم نعم.. ووضعت توقيعها علي الورقة وقد شعرت بالارتياح قليلا بالتخلص من هذا الموقف.. أسرعت للشاشة وطاف بخاطرها أن تتصل بحسين..نظرت للساعة علي الحائط.. ربما يكون في طريقه للمنزل. دقائق وسمعت صوت سيارة بالخارج..شعرت بالاطمئنان يسري في عروقها.. لابد أنه (حسين).. نهضت.. توقفت مكانها. لماذا الطرقات المتسارعة علي الباب..هل ضاع مفتاحه..؟ ازدادت الطرقات وضوحا علي الباب أسرعت بالنظر من العين الزجاجية.. كان هناك شرطيان..فتحت الباب.. كان مع أحدهما قفص جميل داخله تلك القطة اللعينة تجلس علي قطعة كبيرة من الصوف، وزجاجة من اللبن بجانبها، وهي تلعق بلسانها فروتها البيضاء، وقد ارتفع صوتها بالمواء.. يزداد صفير الهواء في أذنيها وكأن القطة تقول لها : بخ قال : أرأيت يا سيدتي لقد تعرفت عليك.. جحظت عيناها، بينما مد الشرطي الآخر يده بإيصال استلام وورقة تعليمات.. وفي اليد الأخري فاتورة حساب والقطة تلاعب شواربها..!!