أحست بما يشبه الطرقات علي باب منزلها الجديد ببوسطن الهادئة .. رغم تعودها علي صوت جرس الباب لكنها انتفضت في مكانها .. كم تفزعها الطرقات علي الأبواب والنوافذ.. كانت البداية والخالة تقتحم المكان صارخة وسط المعزين .. - ياخراب بيتك يا اختي.. رحل والدها ولم يفارقها الخوف.. تستسلم لصندوق الذكريات.. من يوم زيارتها له بمستشفي الزقازيق حيث كانت تشعر أن الشعب المصري إما مريضا أو يزور مريضا، الأغرب كان مزاحمة القطط لهم، حتي إن الذاكرة تستعيد أغنية المطرب الشعبي أحمد عدوية (زحمة يا دنيا زحمة.. زحمة ولا عادش رحمة).. توقفت مكانها.. كانت قد افتقدت الزيارات الأسرية ولقاء الأصدقاء منذ غادرت بلادها بعد الزواج.. الناس هنا في عجلة من أمرهم.. وزوجها يعمل لساعات متأخرة.. هذه ليست كلمات متقاطعة أشارك زوجي في حلها.. طرقات من جديد لكنها كانت خجولة كأنها تستأذن.. نظرت من العين الزجاجية. .لم تر أحدا .. عادت أدراجها للمطبخ.. كانت في حاجة إلي كوب شاي ساخن سمعت مواء القط.. نظرت حولها ثم راحت تفتش في الغرف وهي تردد بخ.. بخ بكسر الباء وتسكين الخاء كلمة تقال لقطة لصرفها من المكان، أو دفعها للتوقف عن تصرف تفعله، أو تهم بفعله.. إنها تكره أصوات القطط.. حمدت الله يبدوأنها إحدي القطط بالخارج .. أسرعت تجلس كالمعتاد أمام شاشة التلفاز، وخيالها يزداد دفئا مع الأبخرة المتصاعدة من الشاي، من صخب الصغار إلي دفء العائلة ، ودموع أمها التي لم تصدقها وهي تهتف بفرح.. إنني ذاهبة للعالم الجديد يا أمي.. قطع أفكارها صوت طرقات خفيفة علي الباب الخارجي لكنها متواصلة.. نهضت متثاقلة، ثم دفعتها الوساوس.. أسرعت تنظر من العين الزجاجية.. صاحت بفرحة طاغية.. لابد أنها إحدي الجارات تريد الثرثرة معي.. أزاحت المزلاج ثم توقفت برهة.. تمتمت لكن الأحوال هنا متغيرة والمعاملات مختلفة.. زادت سرعة أنفاسها وطاف بذهنها تحذيرات البوليس المتكررة.. زادت قبضتها تشبثا بمقبض الباب وقد واربته قليلا.. أطلت برأسها ببطء.. قالت تبدد السكون المرتعش داخلها مساء الخير ياسيدتي.. مرحبا قالت المرأة.. مساء الخير.. لاوقت عندي.. لكن كيف تجرئين علي ترك قطتك المسكينة في هذا الجو البارد.. إنها ليست قطتي .. وأغلقت الباب وعادت للجلوس أمام الشاشة .. الصور تتدافع أمامها تذكرها بصديقاتها ورنين الهاتف الذي لاينقطع .. تطوف بشفتيها ابتسامة واسعة ونسمات النزهة علي شط النيل في العصاري الجميلة، مع حسين، تداعبها مع رائحة الذرة المشوية .. وكم كان المساء ينقضي سريعا مع حلاوة ثرثرة الجيران.. كانت الطرقات علي الباب هذه المرة أكثر وضوحا .. أسرعت بالنظر من العين الزجاجية.. كان هناك رجل شرطة.. فتحت الباب.. ابتسم الشرطي.. سيدتي هذه شكوي من الجيران بسبب طردك لهذه القطة الجميلة.. التقطت أنفاسها وهي تبتسم.. لقد أخبرتها ياسيدي إنها لست قطتي.. وأنا لا أحب القطط..وفي بلادنا لانربي القطط.. إنها دائما هكذا في الشوارع.. هنا أمريكا ياسيدتي النظام والقانون ..من فضلك وقعي علي هذه الورقة .. وما الأمر ..؟ لا شيء لكنه اعتراف بانها ليست قطتك وليس من حقك تقديم أي شكوي بفقدك لقط .. نعم نعم .. ووضعت توقيعها علي الورقة وقد شعرت بالارتياح قليلا بالتخلص من هذا الموقف.. أسرعت للشاشة وطاف بخاطرها أن تتصل بحسين.. نظرت للساعة علي الحائط.. .. ربما يكون في طريقه للمنزل.. دقائق وسمعت صوت سيارة بالخارج.. شعرت بالاطمئنان يسري في عروقها.. كان هناك شرطيان.. فتحت الباب.. كان مع أحدهما قفص جميل داخله تلك القطة اللعينة تجلس علي قطعة كبيرة من الصوف، وزجاجة من اللبن بجانبها، وهي تلعق بلسانها فروتها البيضاء ، وقد ارتفع صوتها بالمواء.. يزداد صفير الهواء في أذنيها وكأن القطة تقول لها: بخ قال : أرأيت يا سيدتي لقد تعرفت عليك.. جحظت عيناها، بينما مد الشرطي الآخر يده بايصال استلام وورقة تعليمات.. وفي اليد الأخري فاتورة حساب..!!.