في تصديره لكتاب "مدرسة الإسكندرية المتأخرة وأثرها في التراث الفلسفي الإسلامي"، للباحث حسين أزهري أستاذ الفلسفة الإسلامية، كتب الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية أن ما تعرضت له المكتبة القديمة من تدمير علي يد الإمبراطور أورليان سنة 272م، وإعلان المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي، واضطهاد الوثنيين، وقتل هيباتيا عالمة الرياضيات والفيلسوفة الأفلاطونية وسحلها في شوارع الإسكندرية سنة 415م، جعل البعض يعتقد بانتهاء العلم السكندري، إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت أنه ظهرت في الإسكندرية مدرسة علمية فلسفية مهمة أسسها أمونيوس بن هرمياس، مع نهاية القرن الخامس الميلادي، أو أواخر العصر الكلاسيكي. لذا كانت هناك حاجة إلي إحياء تراث تلك المدرسة، فجاء هذا الكتاب كبداية لسلسلة تضم أربعة أجزاء آخري - قيد الإعداد - لتناول الفلسفة السكندرية بدراسة فلاسفتها، وما واجهوه من اضطهاد سياسي وديني، وبيان تأثيرهم في الفلاسفة المسلمين، وبدأ الدكتور حسين أزهري بالفيلسوف أمونيوس بن هرمياس وأثره في فلسفة الفارابي، حيث استعرض الفصل الأول من الكتاب الذي أنتجه مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مركز دراسات الإسكندرية، اسم وحياة أمونيوس بن هرمياس، إذ يوجد في تاريخ الفلسفة اليونانية ثلاثة فلاسفة أفلاطونيين يحملون نفس الاسم، وهم أمونيوس أستاذ بلوتارخ الذي عاش في القرن الأول الميلادي، وأمونيوس ساكاس أستاذ أفلوطين في القرن الثالث الميلادي، وأخيراً أمونيوس بن هرمياس في القرنين الخامس والسادس الميلاديين. واسم أمونيوس يعني "الأموني" نسبة إلي الإله آمون كبير الآلهة في مصر القديمة، ويدل علي أنه ولد وثنياً، لأب كان فيلسوفاً أفلاطونياً، وهو هرمياس الذي توفي في طفولته، تقريباً في أواخر الأربعينيات أو أوائل الخمسنيات من القرن الخامس الميلادي، أما أمه فهي إيديسيا حفيدة سوريانوس السكندري، وهي من أصل يوناني، حرصت علي أن يدرس أمونيوس، حينما كان في العشرين من عمره، الفلسفة في أثينا سنة 460 ميلادية، ثم عاد إلي الإسكندرية قبل سنة 475 ميلادية وقد بلغ من العمر حوالي بضع وثلاثين عاماً، وهو العام الذي تولي فيه أمونيوس مكان أبيه كمعلم للفلسفة في مدرسة الإسكندرية. في رئاسته تحولت المدرسة السكندرية من التركيز علي دراسة محاورات أفلاطون مثل المنهج الأثيني إلي شروح أرسطو. وكان أمونيوس يحاضر في صباح الجمعة من كل أسبوع، إذ اتبع منهجاً في تعليم الفلسفة يبدأ بفترة سنتين أو ثلاث يقضيها الطالب في دراسة المنطق والأخلاق والطبيعيات والرياضيات والإلهيات الأرسطية، فكان يستغرق شرح كل نص فلسفي خمسين يوماً، وحينما ينتهي الطالب من دراسة هذه النصوص، ينتقل إلي دراسة أفلاطون، التي انقسمت إلي مرحلتين؛ الأولي تبدأ بدراسة عشر محاورات تتعلق بموضوعات الأخلاق والمنطق والطبيعيات والإلهيات، والثانية تشمل دراسة محاورتي "طيماوس، وبارمنيدس". كما اتبع أمونيوس نظاماً مع تلاميذه، وهو الحوار والجدال والبراهين فكان الدرس الفلسفي يُقاطع بأسئلة واعتراضات من الطلبة. ظل أمونيوس يُدرّس الفلسفة لأكثر من ثلاثين عاماً، فكان أستاذاً لجيلين من أهم أفلاطونيي أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس الميلادي، منهم أسكليبوس الترالي، والدمشقي، وجيسيوس الطبيب، ويحيي النحوي، والأسقف زاكاراياس المتيني، وغيرهم. فكان له تلامذة وثنيون ومسيحيون وسريانيون وأرمينيون، الذين هيمنوا تماماً علي مدرستي أثيناوالإسكندرية في الجيل التالي لأمونيوس، الذي استمر منهجه في شرح أرسطو عند الشراح المسيحيين مثل إلياس ودافيد وستيفانوس. ونشر تلاميذ أمونيوس كل شروحاته خاصة يحيي النحوي، الذي اختاره أمونيوس ليكون كاتبه، فنشر أثناء دراسته علي يد أمونيوس مجموعة من المؤلفات، المأخوذة من محاضرات أستاذه، مثل المقولات والتحليلات والطبيعة والكون والفساد والآثار العلوية. كما دوًّن أسكليبيوس تلميذ أمونيوس كتاب أستاذه في الميتافيزيقا. اتسمت فترة تدريس أمونيوس بالاضطراب السياسي والديني، إذ واجه الوثنيون هجوماً شرساً من المسيحيين، الذين وجدوا أن فلسفة أفلاطون تخالف عقيدتهم، ما دفع الحكومة سنة 484م بالتحقيق مع كافة المعلمين والطلاب الوثنيين في الإسكندرية، كما تم إيقافهم عن التدريس والدراسة، ومنهم أمونيوس، الذي قدم بعض التنازلات للسلطات المسيحية كي يستطيع استكمال محاضراته، وأن تظل المدرسة الأفلاطونية مفتوحة. وانقسم الباحثون حول ماهية هذه التنازلات، فقال البعض إنها تمثلت في خيانة أمونيوس لزملائه الفلاسفة الأفلاطونيين، حين أبلغ عنهم، واعتقد البعض الآخر أن تنازله كان في اعتناقه المسيحية، معتمدين في ذلك علي ما قاله سمبليكيوس بأن أمونيوس كتب كتابا برهن فيه علي أن الله هو العلة الفاعلة للعالم، لكن لا يوجد دليل يؤكد ذلك. بالفعل استمرت المدرسة السكندرية، وركز أمونيوس شروحه علي أرسطو، وامتنع عن تدريس أفلاطون لفترة، مراعاة أيضاً لوجود طلبة مسيحيين في مدرسته، الذين لم يهدفوا من دراستهم إلي الوصول للحقيقة العليا، بل إلي تعلم فلسفة أفلاطون وأرسطو، لذلك حاول أمونيوس أن يتبع نظاماً آخر، وهو التوفيق بين أرسطو وأفلاطون، وقال بريشتر إن أمونيوس دمج الآلهة الأفلاطونية في إله واحد، فوحد بين الواحد والعقل. والقول بإله واحد أدي إلي إزالة المسافة بين الأفلاطونية والمسيحية. لذلك يري الدكتور حسين أزهري أن أمونيوس كان سياسياً حكيماً، إذ استطاع أن يوفق بين عمله الفلسفي والمحيط السياسي المعارض له فكرياً، ما يبين أن الفيلسوف في العصر القديم لم يكن شخصاً منعزلاً بأفكاره ومؤلفاته. بينما تناول الفصل الثاني فلسفة أمونيوس التي كتبها وتأثر بها كل الشراح السكندريين بعده، إذ كان له عدة تعريفات للفلسفة، من بينها الفكرة الأفلاطونية القائلة بأن الغرض من الفلسفة أن يتشبه الإنسان بالله. أما عن رأيه في المنطق، فقد كان يراه جزءا وأداة للفلسفة، وكانت شروحه علي كتب أرسطو المنطقية تمهيدا لفلسفة أرسطو. وقد اعترض أمونيوس علي مسألتي الضرورة والإمكان لدي أرسطو، وناقش حجته المشهورة ب "المعركة البحرية"، رافضاً مبدأ الحتمية، وعلم التنجيم، إذ برهن بالحجج المنطقية علي معرفة الله بالموجودات، هذه المعرفة لا تتحكم ولا تُقيد ما يحدث في المستقبل، فليس هناك مستقبل في علم الله، المستقبل للبشر فقط. استمر أمونيوس في توصيل فكره الفلسفي الذي تعلمه في أثينا، في فترة شديدة الحساسية، من خلال شروحه علي أفلاطون وأرسطو. والشرح لا يقتصر علي تحليل لموضوع ما، بل هو عرض لبيئة الشارح اللغوية والثقافية، فالشرح تأليف غير مباشر، يكشف عن ذات الشارح أكثر مما يكشف عن الموضوع المشروح. وهو ما اتضح في رؤيته الميتافيزيقية الفلسفية، التي يمكن فهمها من خلال ثلاثة موضوعات، وهم: تصوره في المبدأ الأعلي وآراؤه في العقل الإلهي وتصوره لطبيعة الخلق. فيما يخص المبدأ الأعلي فسر أمونيوس ميتافيزيقا أرسطو تفسيراً وجودياً، لأن أرسطو لم يبحث أبداً في مسألة خلق العالم، ووصل إلي أن العلة الأولي هي مبدأ كل شيء وهي الأول والإله والخير، والعلة الغائية للكون، والمبدأ المولد الذي صدرت عنه كل الأشياء. كما بحث أمونيوس في طبيعة العقل الصانع أو الديمورج، واعتقد هو وتلاميذه أن معرفة الإنسان تقف عند معرفة العقل الصانع، الذي ينتمي إلي المرتبة الثانية في العالم المعقول بعد الواحد. ورأي أن المثل الموجودة في العقل الصانع هي كليات سابقة في وجودها علي الجزئيات، وبرهن علي ذلك بأنه لو لم يكن الديمورج أي الصانع عارفاً بما خلقه، يصبح مثل الطبيعة التي تخلق ولا تعلم شيئاً عن خلقها، كما يصبح الديمورج أقل مرتبة من البشر العارفين بالأشياء التي يصنعونها بأنفسهم. فالمثل هي مبادئ جواهر كل الأشياء. والصانع لم يخلق العالم مباشرة، فهو يفيض علي الأجرام السماوية وهي بدورها تفيض علي الموجودات الأرضية. وذلك لتفسير مصدر الفساد في العالم المادي، فالله علة الكون ويعمل علي بقاء ذلك الكون أزلاً. أما عن العلية أو السببية الإلهية، يبين شرح الميتافيزيقا لأسكليبيوس تصور أمونيوس عنها، فالعلية لها طبيعتان، علية فاعلة وعلية غائية. العلية الغائية تعني أن كل الأشياء تتجه إلي الواحد كهدف. وقيل إن الصانع يحرك الكون كعلة غائية. أما العلية الفاعلة فتعني إظهار الموجودات في شكل مراتب مسلسلة، فالخير بقدرته يولد القوي العاقلة والقوي المعقولة والملائكة والأنفس. لذلك اعتقد أمونيوس أن الله خلق العالم من الخير، لاعتقاده أن أرسطو طابق بين الله والخير عند أفلاطون. أقر بذلك سمبليكيوس الذي درس علي يد أمونيوس بقوله إن الله هو علة الخلق الأزلي للمادة التي أوجدها من الخير. وأوضح الدكتور حسين أزهري أن فكرة الخلق الأزلي من لا شيء نتيجة تأثير علة خالقة، هي فكرة من إبداع العصر الكلاسيكي المتأخر في سياق التوفيق بين أفلاطون وأرسطو، وقد عرف العرب تلك الفكرة وتأثروا بها مثل الفارابي الذي أشار إلي قول أمونيوس بالخلق الأزلي من لا شيء. فكانت فكرته تتمثل في أن العالم مساوٍ لله في الأزلية. والله عند أمونيوس، لا يمكن تعريفه، لأنه فوق الوصف، لا يتعلق بأي شيء مادي أو لا مادي، بل يعلو كل ذلك. فكل المحاولات التي نقوم بها لوصف الله تكون في النهاية بعيدة عن حقيقته، لأن الكلمات التي ننطق بها لوصف الألوهية تبقي غير واضحة لقصور قدرتنا علي التعبير عن تلك الصفات بصورة صحيحة، فاللغة تعجر دائماً عن نقل حقيقة الله. وحذر أمونيوس من استعمال طرق غير مناسبة في معرفة الله، مثل سعي الإنسان في بعض الأحيان إلي إيجاد أي تشابه بينه وبين الإله، ومقارنة صفات الله بحياته، كأن يعتقد أن حياة الإله في غاية الصعوبة ودون راحة أو تقاعس. وقدم طريقة مناسبة يمكن اتباعها لاكتساب بعض المعرفة عن الله، فقال إن أول تصور لنا عن الله يتكون من اختيار عناصر من عالم المادة، لذلك قبل أمونيوس بعبادة الأوثان كممثل مادي للعالم الإلهي المجهول. عدد أمونيوس الصفات الإلهية، فكان أولها أن الله الخير المطلق في ذاته ولا يفعل الشر. ثانيها أنه قادر قوي، له الحرية المطلقة، لا يحتاج إلي أي شيء خارج ذاته، لكن كل شيء يحتاج إليه. ثالثها أنه لا يعتمد علي الأشياء التي خلقها، فهو تام بدونها. وأنه خلق العالم من غير إرادة منه، فقد اعتقد أمونيوس أن الإرادة تعني تغير العلة الأولي من حال إلي حال، وهو ما يتعارض مع الطبيعة الإلهية. الصفة الرابعة هي علم الله بالأشياء المنقسمة علم لا منقسم، وليس فيه امتداد. ويري الباحث أن هذه الصفات قريبة من الشكل اللاهوتي الديني، وبها أثر مسيحي، رغم تشكيك الباحثين في ذلك، وفي صحة نسب هذه الصفات لأمونيوس، لكن ليس معقولاً أن أمونيوس رئيس المدرسة الفلسفية السكندرية لم يطلع علي الكتابات اللاهوتية والثيولوجية المسيحية في زمنه، وإن لم يتأثر بها، فعلي الأقل كان يضع في اعتباره ردود المسيحيين عليه، والأرجح أنه حاول تقديم فلسفة وثنية مبرهناً عليها بالحجج الفلسفية، كي يتقبلها الوثنيون والمسيحيون معاً. أما الفصل الثالث والأخير، فقد ركز علي تأثير فلسفة أمونيوس ومدرسة الإسكندرية المتأخرة علي العالم الإسلامي، إذ تعدد توصيف شراح المدرسة عند العرب بين أرسطيين، ومشائين، ومتأخرين عن المشائين، وأرسطيين محدثين، وأرسطيين أفلوطينيين، وممثلي الأرسطية في صورتها الأفلوطينية. لا تعد هذه التسميات دقيقة إلا في حالة تجاهل الشروحات التي كتبها الفلاسفة المتأخرون علي مؤلفات أفلاطون، فلم يعرف العرب حينها كم الصراع الذي دخل فيه هؤلاء الفلاسفة مع المسيحية واضطهادهم من قبل السلطات، وكان اقتصار أمونيوس وتلاميذه علي نشر الأعمال الأرسطية هو السبب وراء اعتبارهم شراحاً أرسطيين، لذلك كانت أي محاولة لبيان أثر تراث أمونيوس في الفلسفة الإسلامية بعيداً عن شروحه علي كتب أرسطو، محاولة في غاية الصعوبة، وهو ما ترتب عليه اختفاء أفلاطون كمؤلف في الكتابات العربية. حظيت شروح المدرسة السكندرية بانتشار في العالم الإسلامي دون معرفة مؤلفيها، منها علي سبيل المثال معرفة المسلمين بردود يحيي النحوي علي عقيدة قِدَم العالم، لكنهم في الوقت نفسه لم يحتفظوا بالمؤلفات الكاملة لهؤلاء الفلاسفة، وكان كل ما حفظوه من موروث الشروح السكندرية مقتطفات واقتباسات وإشارات قام بترجمتها السريان المسيحيون من رجال دين وفلاسفة يتقنون اليونانية والعربية، الذين كانوا السبب في أن يظهر أرسطو بتلك الصورة التي ظهر بها في المؤلفات العربية دون غيره من حكماء اليونان خاصة في مدرسة بغداد الفلسفية التي يمثلها الفارابي، الذي أُطلق عليه المعلم الثاني بعد أرسطو المعلم الأول. اعتمد الفارابي بشكل كبير في صياغة أفكاره الفلسفية علي التراث الفلسفي لأواخر العصر الكلاسيكي في القرن السادس الميلادي، وألف شروحات اتبع فيها الطريقة اليونانية المتأخرة في تفسير أرسطو. وهو ما جعل ريتشارد والتزر يعتبر الفارابي حلقة الوصل بين مدرسة الإسكندرية الفلسفية ممثلة في أمونيوس بن هرمياس وتلامذته يحيي النحوي ودافيد وإلياس، وبين الفلاسفة المسلمين في إسبانيا كابن باجه وابن رشد. وقد تأثر الفارابي بفن تقسيم العلوم الذي أنشأه أمونيوس، وهو ما اتضح في كتابه "في إحصاء العلوم"، كما كتب كتابات مثل تلك التي كتبها أمونيوس في صورة مقدمات لشروحه علي مؤلفات أرسطو، واتضح ذلك في كتاب "ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم فلسفة أرسطو". تأثير أمونيوس في الفارابي ظهر أكثر في الرسالة التي أعدها الأخير في أغراض أرسطو، حيث توجد تشابهات نصية بين رسالة الفارابي وشرح أمونيوس للميتافيزيقا وهو الشرح الذي حُفظ باليونانية من تدوين تلميذه أسكليبيوس. يقول الدكتور حسين أزهري: "رغم أن ذلك الشرح لم يكن مصدراً مباشراً للفارابي في معرفته بميتافيزيقا أمونيوس، فإن المقارنة بين النصين تبين أن الفارابي كان عارفاً بمحتوي ذلك الشرح"؛ إذ كان الغرض الأول من الميتافيزيقا عند الفارابي هو البحث في الموضوعات الثيولوجية، بجانب موضوعات أخري مثل الطبيعة والهندسة والحساب والطب، وهو الموجود نفسه في مقدمة أمونيوس في شرحة للميتافيزيقا، الذي رأي أن الفلسفة تبرهن علي مبادئ كل العلوم، والذي عرض أغراضاً أخري للميتافيزيقا تناولها كتاب الفارابي منها البحث الكلي في الموجود بما هو موجود. ما يعني أن الفارابي اطلع علي شروح أمونيوس. صحيح أن أفكار أمونيوس ظلت حاضرة عند الفارابي، لكنه لم يتوقف عندها. واللافت للانتباه في فلسفة كليهما، هو مراعاتهما للنسق الفلسفي القديم، وتقديمه بما يناسب زمنهما، فحافظا علي الأصول الأرسطية والأفلاطونية الوثنية، معتمدين علي المنطق الفلسفي الذي هو أداة الفلسفة لتقوية ذلك القديم وتبسيطه، وجعله معرفياً أمام المعتقد المسيحي في القرن السادي الميلادي زمن أمونيوس، وأمام المعتقدين المسيحي والإسلامي في القرن الرابع الهجري زمن الفارابي، هادفين إلي استمرارية المعرفي المعقول أمام العقدي المنقول.