»السراج لأعمال البلطجة واستخلاص الحقوق«.. اسم صفحة علي موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» عمرها لا يتجاوز أياماً، لكن الفكرة نفسها ربما عمرها قرون. اسم الصفحة معبر عن فكرتها، شخص ما قرر عمل مجموعة من البلطجية وترأسها هو، علي أن يتم تأجيرهم لمن يريد، إما بأسعار ثابتة أو بأسعار يتم التفاوض عليها فيما بينهم وفقا لشروط، يحددها هذا السراج. قد تكون فكرة تأسيس صفحة تضم أكفأ البلطجية وأشهرهم لتقديم خدماتهم للجمهور جديدة على مجتمعنا إلا أن الاستعانة بهم ليست بالفكرة الدخيلة فالبلطجية أو فتوات الحارة كما عرفوا قديما كانوا يهيمنون على شوارع القاهرة ويمارسون سلطاتهم على السكان بفرض إتاوة جبرية مقابل حمايتهم وكانت لهم مصالح مشتركة مع السلطات المهيمنة سواء أكانوا الإنجليز أو حتى القلم السياسي، ورائعة نجيب محفوظ «الحرافيش» أوضحت نفوذ تلك الشخصية وعلاقاتها المتشعبة, فكبير الفتوات كان يرث مهنته أباً عن جد معتمداً على قوة بنيانه ونبوته الذى هو رمز قوته وسيطرته فيأتى بمجموعة من شباب البلطجية يعملون تحت إمرته بمرتبات عالية جداً، ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منه أو من أهل بيته أو من أى شخص يقربه لتختفى المهنة بعد ثورة يوليو وتضيع هيبة «الفتوة». «آخر ساعة» استعرضت نشاط تلك الصفحة، وتواصلت مع «الأدمن» فى حوار مقتضب لتنفذ بداخل عقله عن سبب تبنى الفكرة؟، كما رصدت آراء خبراء علم النفس والقانون عن مردود تلك الصفحات على مجتمعنا وأسباب الترحيب بها؟.. استطاعت الصفحة أن تخلق حالة من التفاعل مع المتابعين الذين تباينت أعمارهم ومؤهلاتهم فكان الشباب الأكثر إقبالاً عليها وطلباً لخدماتها فأحدهم طلب معونة البلطجية لتأديب أحد جيرانه الذين افتعل معه مشادة وانتهى الأمر بهم لمعركة حامية أما أحد المتابعين فدعا لهم بالتوفيق وتسديد خطاهم. وبرر القائمون عليها أسباب تدشينهم لصفحتهم قائلين: «عشان إحنا فى بلد مفهاش قانون يحميك أو يجبلك حقك.. لو عربيتك اتسرقت الشرطة ما بترجعهاش.. لو حد وقفك فى الشارع وخد فلوسك محدش هيحميك.. لو أى حد أطول أو أكبر أو عنده ناس أكتر منك يقدر ما يدكش حقك.. وياكل عليك فلوس أياً كان». وتابع: «علشان ما تعرفش تركن عربيتك تحت البيت علشان عندك جار بيضرب برشام وواخد المكان عافية، علشان سواق الميكروباص يزود الأجرة عليك، ولو مش عجبك هتتشتم وتنزل». وأضاف: «باختصار علشان إحنا بلد أكل الحقوق.. بلد القوى بياكل الضعيف.. إحنا قررنا إننا مش هنسيب حق حد إلا لما نرجعه، وبمناسبة شهر رمضان عملنا تخفيضات شوية على الأسعار بتاعتنا، ودلوقتى لو فيه جار ليك بيبلطج عليك ومش عايزك تركن العربية بتاعتك أو بيبوظلك أى حاجة فى الشقة أو العمارة، تقدر تاخد حقك منه، ولو فيه حد خبطلك عربيتك وما رضاش يصلحهالك، سواق ميكروباص خبطك شتمك سرقك أى حاجه تقدر تبعتلنا وإحنا هناخدلك حقك فى وقت أقل من أسبوع». حاولنا التواصل مع أدمن الصفحة، فأجاب علينا بردود مقتضبة رافضاً ذكر اسمه، مكتفياً بالحروف الأولى «س.ع»، حيث يقول: «جاءت فكرة تأسيس الصفحة بعد أن تعرضت لموقف بلطجى من أحد سائقى الميكروباص الذى رفض إعطائى نقودى وافتعل مشكلة كبيرة فقمت بالاتصال ببعض البلطجية الذين أعرفهم معرفة وثيقة فضربوا السائق وحطموا سيارته، فكنت سعيداً لأنى أخذت حقى لكننى فكرت فى المواطنين الضعفاء الذين لاحول لهم ولا قوة وغير قادرين على استرداد حقوقهم إما لغياب القانون أو سيطرة أصحاب النفوذ ففكرت فى تدشين الصفحة وجمع أكبر عدد من البلطجية لتقديم خدماتنا للجمهور بأسعار رخيصة فى متناول الأيدي». وعن علاقة الصفحة بوزارة الداخلية قال: «الصفحة لا تنتمى للوزارة من قريب أو بعيد لكن مباحث الجرائم الإلكترونية تتعقبنا طيلة الوقت بهدف غلق الصفحة وقد نجحت فى مرات عدة إلا أننا نزاول نشاطنا مرة أخرى»، مضيفًا أنه نشر «POST» يعبر فيه عما يجول بصدره عن علاقته برجال الأمن قائلًا: «المصالح عمرها ما هتتصالح». أما عن عدد البلطجية المنضمين للصفحة فقال: «أعدادهم ليست بالكثيرة فنحن نعانى من قلة عددهم مما جعلنا نعلن عن طلب بلطجية لديه خبرة فى السرقة والتكسير وأن يكون من المسجلين خطر وسوف يتم إثابته براتب مجزٍ». اللافت للنظر، أن الصفحة قدمت تخفيضات غير مسبوقة بمناسبة شهر رمضان وعيد الفطر فوضعت تسعيرة لعقاب السايس البلطجى ضرب وطرد من المنطقة ب1000 جنيه أما سائقا الميكروباص والتاكسى المبالغان فى الأجرة بهدف سرقة الزبون فتسعيرة ضرب وتكسير السيارة 1500 جنيه إلا أن الكارثة أن تضع الصفحة تسعيرة لعقاب أستاذ الجامعة القامة العلمية ورمز النهضة فتسعيرة تجريسه وسبه «500 جنيه»، أما ضربه وتكسير سيارته «ألف جنيه» كذلك تحدت وزارة الداخلية بنشرها تسعيرة لاسترداد السيارات المسروقة فى اتهام واضح لرجال الأمن بتقاعسهم عن أداء مهامهم فنشرت» استرداد السيارات وعاهات دائمة للسارقين، السعر حسب المعلومات ومكان السارقين. الدكتور حسن خضر، أستاذ علم الاجتماع، يؤكد أن حالة الانفلات الأمنى التى عانينا منها لسنوات عدة ساهمت فى زيادة عدد البلطجية والمسجلين خطر الذين وجدوا البلطجة مهنة تدر عليهم الكثير لكن لا ننسى أن نظام المخلوع هو الذى وطد دعائمهم وكيانهم وفى السنوات الأخيرة ساهمت الدراما والسينما فى إعلاء صيتهم ومكانتهم فأصبح الفنانون الذين يمثلون أدوار البلطجية هم قدوة الشباب ويسيرون على نهجهم ويقلدون طريقة ملبسهم وحتى حلاقتهم. ويضيف خضر: «جاءت تلك الصفحة لتؤكد ذلك فالبلطجية لم يعودوا يخافون من رجال الوزارة أو حتى فكرة ملاحقتهم فهم يعتقدون أنهم يساهمون جنباً إلى جنب مع الجهات المختصة لتدعيم قواعد الأمن واستتبابه مما يؤكد حالة الانحطاط الأخلاقى وفساد الذوق العام الذى تفشى بالمجتمع والكارثة أن يكون الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة عشرة حتى الثلاثين هم أكثر الفئات متابعة للصفحة وتفاعلاً منها مما يدق ناقوس الخطر فى سهولة استقطابهم لصفوف هؤلاء الخارجين عن القانون لذا على الحكومة والوزارة غلق مثل تلك الصفحات ومحاربة القائمين عليها بشتى الطرق». وتتفق معه الدكتورة سامية هنداوي، أستاذ علم النفس فتقول: «انتشرت البلطجة فى مجتمعنا لأسباب عدة، وتولد لدى الشاب العاطل عن العمل حقد وكراهية لمجتمعه والمسئولون الذين لم يوفروا له حياة كريمة وقد يكون أحد أسباب تحوله للبلطجة إلا أن هناك بلطجية توارثوا المهنة من آبائهم ليكملوا مسيرتهم ولعل إنشاء تلك الصفحة تفسير لما قد يتعرض له مواطن ضعيف من سيطرة وتعنت البعض فأدمن الصفحة الذى لاينتمى إلى قطاعهم مر بمشكلة تطلبت وجود من يمد له يد العون لاستخلاص حقه ولأن لديه قناعة أكيدة بأن الشرطة لن تعيد له حقه المسلوب فلجأ لفكرة الاستعانة بالخارجين على القانون لإرهاب الخصم وإعلاء صيته فى مكان إقامته». وتضيف هنداوي: بالطبع فإن مؤسس الصفحة لم يكن وحده الذى مر بموقف مشابه فأغلب الشباب المتابع للصفحة مر هو الآخر لكنه لم يستطيع أخذ حقوقه ليرى أنها تنفيس عما يجول بصدورهم ومباركة خطواتها وتأييدها والملاحظ أن الفتيات يؤيدن الاستعانة بالبلطجية للتصدى لعمليات التحرش والانتهاكات التى يتعرضن لها وهذا ينذر بتحول مجتمعنا إلى غابة لا تحكمها القوانين الرسمية وإنما يحكمها قانون «القوى يتفوق على الضعيف». أما محمد منير، الخبير القانونى فيقول، إن ما يفعله مؤسس الصفحة يندرج ضمن جرائم البلطجة، وتطبق عليهما المادتان 375 و375 مكرر من قانون العقوبات، واللتان تقضيان بالحبس من سنة إلى 5 سنوات بتهمة البلطجة واستعراض القوة، وقد تصل العقوبة للسجن المشدد، حيث تنص المادة على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما، أو استخدامه ضد المجنى عليه أو مع زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، وذلك بقصد ترويعه أو التخويف. أضاف، أن عقوبة ذلك تتراوح مابين الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز خمس سنوات إذا وقع الفعل من شخصين فأكثر، أو باصطحاب حيوان يثير الذعر، أو يحمل أى أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أو مواد حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرات أو منومة أو أى مواد أخرى ضارة، أو إذا وقع الفعل على أنثى، أو على من لم يبلغ 18 سنة ميلادية كاملة لذا على الجهات المختصة سرعة الوصول إلى القائمين عليها والقبض عليهم تفادياً لتكرار التجربة مرة أخرى وتدشين صفحات مشابهة.