بالأمس القريب، كان المسلمون في شتي بقاع الأرض يحتفلون باستقبال رمضان.. شهر الجود والكرم والصيام والقرآن، أما اليوم، فالشهر الكريم جمع عدته وعتاده ورحل علي وعد بالعودة بعد عام، ليترك المسلمين فرحين بقدوم عيد الفطر المبارك.. فرحة أولي يعقبها فرحة ثانية يلقي بها المسلم ربه فرحاً بصومه. يختلف الاحتفال بعيد الفطر من دولة لأخري، حسب عادات وتقاليد الشعوب وتباين الألسنة واختلاف اللغات، لكن الثابت في كل الاحتفالات سواء في بلدان الوطن العربي، أو في الدول الإسلامية أو حتي في احتفالات الجاليات المسلمة في البلاد الأجنبية، هو إخراج زكاة الفطر ليلة العيد، وأداء صلاة العيد في الساحات والمساجد والمراكز الإسلامية. وفي السطور التالية نستعرض بعض الطقوس والعادات الاحتفالية بعيد الفطر المبارك في مصر وبعض دول العالم. في مصر وبدءا من العشر الأواخر من رمضان، تشهد المخابز زحاماً شديداً من أجل استقبال صواني كعك العيد، حيث تتفنن النساء في عمله مع الفطائر الأخري والمعجّنات والحلويات التي تقدم للضيوف. وتمتلئ الشوارع بالأطفال طوال أيام العيد الثلاثة، حيث يحتشد المواطنون في المتنزهات والحدائق العامة والمطاعم والمراكب النيلية ودور السينيما. الولاياتالمتحدة قبل عام وثلاثة أشهر أقر بيل دي بلاسيو عمدة مدينة نيويورك، وهي أكبر مدن أمريكا، عطلتين رسميتين جديدتين لطلاب المدارس الحكومية في مدينته هما يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحي. ويعني ذلك أنه لن يكون هناك حضور في المدارس أو الجامعات خلال يومي العيدين لكل الطلبة وليس للطلبة المسلمين فقط. وقال دي بلاسيو عشية الإعلان »هناك مئات الآلاف من العائلات المسلمة لن يتوجب عليها الاختيار بعد الآن بين الاحتفاء بأقدس الأيام في دينهم وبين حضور الحصص في المدرسة». وخلال السنوات القليلة الماضية قررت أربع مقاطعات في ولايات ماساشوستس ونيوجيرسي وميتشجان غلق مدارسها الحكومية للاحتفال بعيدي الفطر والأضحي. وانطلق منطق مسئولي هذه المقاطعات من أنها خطوة كبيرة في إطار معاملة أتباع الديانات المختلفة بصورة متساوية، أسوة في ذلك بمنح الطلاب المسيحيين واليهود عطلات في الأعياد. وتجيء هذه القرارات لتعكس تزايد الترحيب بالمسلمين الذين يعتبرون أنفسهم جزءا من المجتمع الأمريكي، علي الرغم من تبعات المواقف السياسية التي تتبعها الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه قضايا العالم الإسلامي. ورغم ما سبق فلا تعد الأعياد الإسلامية ومنها عيد الفطر وعيد الأضحي عطلات رسمية علي المستوي الفيدرالي الأمريكي، إلا أنه في ظل تنامي معرفة المجتمع الأمريكي بالإسلام والمسلمين اتجه الكثير من المؤسسات التعليمية والاقتصادية وأصحاب الأعمال والشركات لتتفهم حق المسلمين في الاحتفال بأعيادهم ولا تمانع في منحهم عطلة غير رسمية. ألمانياوفرنسا لأن الجالية المسلمة في ألمانيا تعد ثاني أكبر الجاليات المسلمة في أوروبا، فيوجد هناك أحياء سكنية تبدو وكأنها في بلاد عربية، حيث الزينات والمصابيح مُعلقة علي جدران البيوت والمباني وفي واجهات المساجد، كما في أي دولة عربية أو إسلامية. ورغم عدم حصول المسلمين في ألمانيا علي إجازات رسمية مدفوعة الأجر في عيد الفطر بسبب قوانين العمل الصارمة، إلا أنهم يحرصون علي التوافد بشكل مبكر لأداء صلاة العيد مصطحبين معهم أولادهم. ولعل أبرز مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في ألمانيا، هو ترتيب الموائد العائلية لأجل الاحتفال بالعيد بصورة جماعية؛ حيث تجتمع وفود من كل الولايات في احتفالية جماعية تقام بالمركز الإسلامي ببرلين سعيًا لتوثيق الصلات بين جموع المسلمين وتذويب أي اختلافات عرقية. والشيء ذاته ينطبق علي فرنسا التي يعيش بها 10 ملايين مسلم، أبرز ما يمارسونه في عيد الفطر هو الصلاة في ساحة المسجد الكبير بالعاصمة باريس وتبادل التهاني في أجواء تشبه كثيراً ما يفعلونه في بلدانهم الأصلية كل حسب منشئه. آسيا في ماليزيا يجتمع ملايين المسلمين في العاصمة كوالالمبور صباح عيد الفطر لأداء الصلاة وسماع الخطبة، وهم يرتدون الملابس الماليزية التقليدية المتميِّزة بألوانها الزاهية، ويضعون أغطية الرأس التي تشتهر بها تلك الدولة الواقعة في آسيا، والمطلة علي المحيط الهندي والمجاورة لتايلاند شمالًا، وإندونيسيا وسنغافورة جنوبًا. كما ينظِّم المسلمون في ماليزيا تقليدًا خاصًا يُعرف ب »البيت المفتوح»، وهو عادة محلية يتم خلالها فتح أبواب المنازل لاستقبال الجيران والأصدقاء والأقارب، وقد ينضم كذلك المسلمون الصينيون والهنود وحتي الغرباء إلي ذلك »البيت المفتوح» لتناول وجبة شهية، والاستمتاع بالمعجنات المنزلية، والأطعمة المحلية. ومن أشهر أطعمة العيد في ماليزيا ال "كيتوبات"، الذي يُصنَع من الأرز الذي يُطهي في أوراق البامبو، ويُلف علي شكل ماسة. وكذلك يوجد ال "ليمانج"، ويتكون من الأرز المخلوط بحليب جوز الهند، والمطهو في الخيزران، وال "ريندانج"، المصنوع من لحم البقر المخلوط ببهارات خاصة يتميّز بها الماليزيون. أما أشهر طقوس الاحتفال بعيد الفطر بين الجالية المسلمة في تايلاند، فتتمثل في إرسال بطاقات التهنئة بالعيد للأقرباء والمعارف، حيث يكثر هذا التقليد في المناطق الريفية إلي الدرجة التي تدفع موظفي البريد إلي تأجيل إجازاتهم لما بعد العيد للمشاركة في الاحتفاظ بهذا الطقس الخاص. في حين يلجأ أهل المدن إلي الهاتف المحمول والبريد الإلكتروني من أجل التهنئة. وبصفة عامة يحرص السكان علي العودة إلي المناطق الريفية خلال عطلة عيد الفطر للاحتفال وسط الأهل والأقرباء. كما يذهب الرجال إلي صلاة العيد في شكل جماعات إلي المساجد مرتدين السارونج، وهو الزي الرسمي للمسلمين في تايلاند. وتأتي احتفالات العيد في الهند علي شكل زخرفة اليد بالحناء، خاصة في مدينة حيدر أباد، والتجمع عند مسجد جاما الشهير، حيث النفحات العطرة، والطبيعة الخلابة، والمناظر التاريخية الرائعة. وفي نيبال، يترك المصلون بعد صلاة العيد البالونات لتحلِّق في السماء، ويكتبون عليها »عيد سعيد» في طقس احتفالي مبهج. أما مظاهر عيد الفطر في العراق، فتبدأ بنصب المراجيح ودواليب الهواء، أما النساء فيشرعن بتهيئة وتحضير الكليجة (نوع من الحلوي) والمعمول بحشوات متعددة، من جوز مبروش أو تمر أو سمسم أو سكر وهيل، مع إضافة الحوايج - وهي نوع من البهارات لتعطيها نكهة معروفة، حيث تقدم الكليجة للضيوف مع استكان شاي، وبعض قطع الحلويات والحلقوم أو من السما (المن والسلوي) أو المسقول، وتعمل النساء نوعًا من الكليجة بدون حشو يطلق عليه الخفيفي، حيث يُضاف إليه قليل من السكر ويدهن بصفار البيض، ويخبز إما بالفرن أو بالتنُّور. في المغرب العربي (تونسالجزائر المغرب)، تستعد النساء لاستقبال عيد الفطر بعمل الحلويات المغربية، التي لها شهرة وتتميز بها عن غيرها. كما تتباري النساء في صنع الحلوي المميزة، ككعب الغزال، والفقاص، والزنجلان. وفي يوم العيد يردد المصلون تهاني المعايدة، ومن العادات المغربية أن تتم الصلاة في الهواء الطلق والساحات المفتوحة. وعند الانتهاء من الصلاة يتم تبادل التهاني بعبارة »تعيد وتعاود»، وهي العبارة الأكثر انتشارًا بين أهل المغرب العربي.