بعد أقل من 48 ساعة علي مقتل المطربة الشابة كريستينا جريمي (22عاماً) نجمة برنامج المسابقات الشهير The »oice علي يد شخص مسلح أطلق عليها النار ثم انتحر، بينما كانت تحيي حفلاً غنائياً، استيقظ سكان مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا علي دوي إطلاق نار عنيف فجر الأحد الماضي في ملهي Pulse الليلي للشواذ جنسياً ما أسفر عن مقتل 50 شخصاً وإصابة 53 آخرين، فيما وصفته الصحف الأمريكية بالمجزرة المروعة الأكثر دموية في تاريخ البلاد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمر 2001. منذ اللحظة الأولي لم تستبعد المباحث الفيدرالية الأمريكية FBI فرضية العمل الإرهابي، وهو ما اتضح صحته بعد ساعات من وقوع الحادث، فمنفذ العملية طبقاً للصحف الأمريكية هو عمر متين.. أمريكي من أصل أفغاني، وُلد في نيويورك ويبلغ من العمر 29 عاماً ودرس بالجامعة القانون الجنائي، وكان يعمل بشركة G4S للخدمات الأمنية منذ عام 2007، ومصرح له بحمل السلاح وتم العثور علي أوراق هويته في طيات ملابسه بعد مقتله، وإذا كان والده استبعد خلال مداخلة علي قناة NBS NEWS الأمريكية أن يكون ما فعله ابنه (بدافع ديني)، فإن بيانا صادرا عما يُعرف بتنظيم (داعش) وصف عمر متين بأنه جندي من جنود الخليفة أبو بكر البغدادي. من الواضح أن عمر متين استوحي فكرة العملية من منفذي هجمات باريس في 13 نوفمبر 2015، حيث احتجز مسلحان أكثر من 100 شخص في مسرح باتاكلان قبل أن يطلقا عليهم النار، وقال أحد الناجين من مجزرة أورلاندو لقناة سكاي نيوز الناطقة بالإنجليزية:« نحو الثانية صباحاً (بتوقيت الولاياتالمتحدة) بدأ شخص مجهول في إطلاق النار عشوائياً داخل الملهي فاستلقي الجميع أرضاً صارخين خوفاً ورعباً.. توقف الشخص الذي يطلق النار لفترة وهنا هربت مع عدد من الأشخاص من الباب الخلفي وبعد خروجنا استأنف إطلاق النار مرة أخري». وقبل أن تتضح أبعاد الحادثة بدأ عدد من وسائل الإعلام العالمية، وأبرزها صحيفة لوموند الفرنسية، في التلميح بأن الولاياتالمتحدة تدفع ثمن سياسات أوباما الحمقاء علي الصعيد الخارجي من خلال تأييده لجماعات الإسلام السياسي في الوطن العربي، وغضه الطرف عمداً عن تمدد تنظيم داعش في سورياوالعراق. ومن المتوقع أن تلقي الحادثة بظلالها علي ماراثون انتخابات الرئاسة الأمريكية، وأن تدفع في اتجاه تعزيز المرشح الجمهوري الشاطح دوماً دونالد ترامب في مواجهة منافسته عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، حيث يعد ترامب بعدم استقبال لاجئين من أي مكان بالعالم فضلاً عن وعده بطرد 10 آلاف لاجيء سوري دخلوا الولاياتالمتحدة بموجب قرار من الكونجرس. حوادث متكررة غير أن الحوادث من هذا النوع تحدث بشكل شبه يومي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأمام تلك المجازر تقف الصحافة الأمريكية عاجزة عن إيجاد مصطلحات جديدة تصف بها ما يحدث، ففي اليوم التالي لحادث وقع في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا في شهر ديسمبر الماضي وراح ضحيته 19 قتيلاً وعشرات المصابين، خرجت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» بافتتاحية تؤكد فيها أنه بات لديها ما يشبه «الأبلكيشن» المجهز للحوادث من هذا النوع، وما علي المحرر الذي يكتب الخبر إلا أن يملأ البيانات التالية: «الزمان، والمكان، وعدد القتلي، ودوافع القتل». الشيء ذاته ينطبق علي النخب والسياسيين الذين يتفاعلون مع تلك الحوادث بردود فعل تحولت إلي أكليشيهات، كل حسب المعسكر الذي ينتمي إليه، والغريب أن بعض وسائل الإعلام أصابها الملل من الكتابة عن أمر تحول إلي روتين في حياة الأمريكيين. منذ الأول من يناير 2015، وطبقاً لأرقام ووثائق رسمية، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية تشهد يومياً حادثا أو عدة حوادث إطلاق نار بشكل عشوائي، والحديث هنا عن وقائع قُتل أو أًصيب فيها 4 أشخاص فأكثر، أما ما دون ذلك فلم يتم تسجيله! وتشير صحيفة واشنطن بوست إلي أن الكثير من وسائل الإعلام لا يشير لحادث قُتل فيه شخص أو اثنان وفي بعض الأحيان ثلاثة نظراً لأن بعض المسئولين يقللون من أهمية الحدث ويرونه جزءًا من طبيعة الحياة، وأضافت الصحيفة: « بعد حادث إطلاق النار في كولورادو سبرينج (وقع يوم الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي بمركز لتنظيم الأسرة وقُتل فيه 3 أشخاص علي يد شخص متعصب دينياً ويعارض قانون الإجهاض)، أعلن باراك أوباما أنه لا يجب اعتبار الحادث معياراً، ولكن الأرقام تثبت أن القتل في حوادث إطلاق النار بشكل عشوائي هو المعيار ولا شيء سواه. صدمة ورعب حادث أورلاندو الذي وقع فجر الأحد الماضي، لم تهتم له المواقع والقنوات الأمريكية سوي بعد ثماني ساعات علي الأقل من وقوعه، بعدما تبين لهم أن حصيلة الهجوم قد تصل إلي 10 قتلي، علماً بأنه في نفس اليوم، والعهدة علي الواشنطن بوست، قام شخص، بمدينة سافانا بولاية جورجيا، بفتح النار علي 4 أشخاص بأحد المطاعم، فقتل امرأة وأصاب 3 رجال، وهو ما لم تتناوله أي وسيلة إعلامية، وتوضح الواشنطن بوست: «حوادث إطلاق النار الكبيرة تجذب وسائل الإعلام وتعليقات المحللين وتدفع السيد الرئيس لإبداء الرأي إضافة للمنظرين عن الإرهاب.. أما الحوادث الصغيرة فهي مجرد تقرير يكتبه مجند بالشرطة، ثم يُلقي به في الأدراج». وفقاً لما أدلي به «تيد أركون» مدير الأبحاث بمنظمة Everytown for Gun Safety (كل المدن مع السيطرة علي السلاح الناري) الحقوقية لصحيفة نيويورك تايمز، فإن «موت50 شخصاً في حادث أورلاندو لهو أمر بشع بكل تأكيد، ولكن ما لا يعلمه كثيرون هو أنه وفقاً لما يرد إلينا من بيانات رسمية، ربما يكون إجمالي من قُتلوا في نفس اليوم بنفس الطريقة في الولاياتالمتحدة أكثر من 80 شحصاً». وبعد كل مجزرة تتكرر الخطب نفسها من قبل السياسيين، فبعد مجزرة الأحد قالت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز: « بالنسبة للسياسيين فإنهم سارعوا بالدخول علي تويتر أو علي فيس بوك ليقولوا نفس الكلام: الديمقراطيون دعوا إلي مزيد من الرقابة علي تراخيص السلاح، والجمهوريون قالوا إنهم يصلون من أجل الضحايا مع توجيه التحية لرجال الأمن»، وتضيف الصحيفة أن « الصدمة والرعب الحقيقيين يتمثلان في غياب أي رد فعل يعبر عن الصدمة والرعب بعد كل مجزرة من هذا النوع، لقد تحول الأمر إلي عادة أدمنها الجميع: نُخبا ومواطنين»، وتابعت نفس الصحيفة: «الشيء الوحيد الذي يسمح بوقوع 355 حادث إطلاق نار عشوائي خلال 365 يوما هو أننا نقبل ذلك ونتعايش معه، وبما أننا نقبل ذلك فالأحري بنا أن ننضم لتنظيم داعش أو لتنظيم القاعدة أو إلي محور الشر، أولئك الذين يستهدفون جميعاً نمط الحياة الأمريكية.. إننا ندمر أنفسنا بأنفسنا». أما صحيفة ذي أتلانتيك فعلقت بالقول: «القتل علي هذا النحو أمر بشع ولكن الأسوأ منه هو أننا مشلولون»، فيما علقت نيويورك ديلي نيوز علي صلوات الجمهوريين قائلة: «الله لن يحل المشكلة». مقارنة في الثاني من أكتوبر 2015 قام شاب يبلغ من العمر 26 عاماً بإطلاق النار عشوائياً بمعسكر جامعة أوريجون، وهو ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة آخرين، وفي معرض كلمته تعقيباً علي الحادث طالب أوباما الأمريكيين بمقارنة عدد من يلقون حتفهم في حوادث مماثلة وعدد العسكريين الذين قضوا في حربي العراقوأفغانستان، وكانت النتيجة طبقاً لأرقام موثقة كالتالي: منذ الأول من يناير 2015 وحتي أكتوبر الماضي تم إحصاء 39529 حالة إطلاق نار عشوائي، بينهم 264 حالة فقط علي جمع من الناس (الحوادث التي أدت لمقتل أو إصابة 4 أفراد فأكثر)، وكانت محصلة الضحايا 9956 قتيلاً، و20269 جريحاً، أما حصيلة عام 2014 فكانت 51739 حادثة أسفرت عن مقتل 12562 وجرح 23015، بينما في الفترة من 2001 إلي 2015 قضي 2370 مجندا أمريكيا في أفغانستان، فيما كان الرقم 4493 في العراق خلال الفترة من 2003 إلي 2015.