في مواجهة حوادث القتل بإطلاق النار عشوائياً بشكل شبه يومي تقريباً، تقف الصحافة الأمريكية عاجزة عن إيجاد مصطلحات جديدة تصف بها ما يحدث. في اليوم التالي للحادث الأخير في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، خرجت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» بافتتاحية تؤكد فيها أنه بات لديها ما يشبه «الأبلكيشن» المجهز للحوادث من هذا النوع، وما علي المحرر الذي يكتب الخبر إلا أن يملأ البيانات التالية: « الزمان، والمكان، وعدد القتلي، ودوافع القتل». الشئ ذاته ينطبق علي النخب والسياسيين الذين يتفاعلون مع تلك الحوادث بردود فعل تحولت إلي أكلشيهات، كل حسب المعسكر الذي ينتمي إليه، والغريب أن بعض وسائل الإعلام أصابها الملل من الكتابة عن خبر اطلاق نار عشوائي اصبح امرا روتينيا في حياة الأمريكيين. منذ الأول من يناير 2015، وطبقاً لأرقام ووثائق رسمية، تشهد امريكا يومياً حادث أو اكثر لاطلاق النار بشكل عشوائي، والحديث هنا يكون دائما عن وقائع قُتل 4 أشخاص فأكثر، أما ما دون ذلك فلا يتم تسجيله! وتشير صحيفة واشنطن بوست إلي أن الكثير من وسائل الإعلام لا يشير لحادث قُتل فيه شخص أو اثنان وفي بعض الأحيان ثلاثة نظراً لان بعض المسئولين يقللون من أهمية الحدث ويرونه جزءً من طبيعة الحياة، وأضافت الصحيفة: « بعد حادث إطلاق النار في كولورادو سبرينج (وقع في 28 نوفمبر الماضي بمركز لتنظيم الأسرة وقُتل فيه 3 أشخاص علي يد شخص متعصب دينياً يعارض قانون الإجهاض)، وقد أعلن باراك أوباما أنه لا يجب اعتبار الحادث معياراً، ولكن الأرقام تثبت أن القتل في حوادث إطلاق النار بشكل عشوائي هو المعيار ولا شئ سواه». حادث سان برناردينو الذي وقع في وقت مبكر من صباح الأربعاء الماضي، لم تهتم له المواقع والقنوات الأمريكية سوي بعد ثماني ساعات علي الأقل من وقوعه، بعدما تبين لهم أن حصيلة الهجوم 14 قتيلاً، علماً بأنه في نفس اليوم، والعهدة علي الواشنطن بوست، قام شخص، بمدينة سافانا بولاية جورجيا، بفتح النار علي 4 أشخاص بأحد المطاعم، فقتل امرأة وأصاب 3 رجال، وهو ما لم تتناوله أي وسيلة إعلامية، وتوضح الواشنطن بوست: «حوادث إطلاق النار الكبيرة تجذب وسائل الإعلام وتعليقات المحللين وتدفع السيد للرئيس لإبداء الرأي.. أما الحوادث الصغيرة فهي مجرد تقرير يكتبه مجند بالشرطة، ثم يُلقي به في الأدراج». وبعد كل مجزرة تتكرر الخطب نفسها من قبل السياسيين، فبعد مجزرة الأربعاء قالت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز: « بالنسبة للمرشحين لانتخابات الرئاسة دخل كل منهم علي تويتر أو علي فيس بوك ليقول نفس الكلام: الديموقراطيون دعوا إلي مزيد من الرقابة علي تراخيص السلاح، والجمهوريون قالوا إنهم يصلون من أجل الضحايا مع توجيه التحية لرجال الأمن»، وتضيف الصحيفة أن « الصدمة والرعب الحقيقيين يتمثلان في غياب أي رد فعل يعبر عن الصدمة والرعب بعد كل مجرزة من هذا النوع، لقد تحول الأمر إلي عادة أدمنها الجميع: نُخب ومواطنون»، وتابعت نفس الصحيفة: « الشئ الوحيد الذي يسمح بوقوع 355 حادث إطلاق نار عشوائي خلال 365 يوماً هو أننا نقبل ذلك ونتعايش معه، وبما أننا نقبل ذلك فالأحري بنا أن ننضم لتنظيم داعش القاعدة.. إننا ندمر أنفسنا بأنفسنا». محمد عبدالفتاح