5 سنوات و لا يزال الصمت هو لغة رجال يناير 2011، ممن لديهم حكايات يفضلون الاحتفاظ بها و هي سر ما حدث في الساعات الأخيرة قبل الإعداد و الحشد لمواجهة ثورة 25 يناير التي كان يتوقع بعض المسئولين نجاحها إذا خرج الشعب رافضًا الظلم و ينادى بالحرية و الكرامة، ويعزز ذلك ماجاء في كتاب الدكتور مصطفى الفقي "سنوات الفرص الضائعة" الذى روى فيه حكاية لقاء جمعة مع علاء مبارك الذى حسب سطور كتاب الفقي، كان لديه إحساس، أن الظروف التي كانت فى أول 3 أسابيع من يناير 2011 تبشر بحدث كبير. مع رعاية القوات المسلحة للثورة و حمايتها للبلاد من الفوضى التي أرادت عناصر عديدة الاستفادة منها، وحققت الثورة هدفها ورحل النظام بعد أن تنحى الرئيس الأسبق مبارك الذى رفض البقاء بعد ان طالبه الشعب بالرحيل. وإذا كانت ثورة 25 يناير حشد لها بعد ما حدث في تونس بأسابيع قليلة، فإن كل أجهزة المعلومات فى نظام الرئيس السابق كانت تؤكد أن دعوة الخروج من قبل الشباب سوف تتم، ولكن لم يتوقع أى مسئول أن تتحول المظاهرات إلى ثورة شعب. وعندما نتكلم عن ثورة يناير لابد أن نتوقف عن رجال شهر يناير 2011 هم الذين دفعوا الثمن بعد ساعات قليلة من بداية الثورة، وسبحان الله هناك شخصيات كانت فى أول 3 أسابيع من يناير 2011 الكل يرغب فى التقرب منهم ويجدون الدعم من النظام و الإعلام، ولكن مع نهاية الأسبوع الرابع من يناير 2011 كانت لعنات الشعب و الإعلام تطاردهم. ورغم كل ما حدث لرجال يناير 2011، فإن الكثيرين منهم يرفضون الحديث عن تفاصيل الدقائق والساعات الأخيرة قبل الإطاحة بحكومة د. نظيف للمحاكمة وهروب اثنين من أشهر وزارئه وهما مهندس رشيد محمد رشيد ودكتور يوسف بطرس غالي، سافرا قبل ساعات قليلة من خطاب الرئيس الأسبق مبارك 1 فبراير 2011 والأحداث فى أول أسبوع فى يناير 2011 كانت كلها تتجه نحو جهود أجهزة الأمن فى فك لغز حادث كنيسة القديسين الإرهابي. والصحف المستقلة وبرامج "التوك شو" كانت تركز حول إخفاق أحزاب المعارضة فى انتخابات 2010 وأدانت الأصابع كلها أحمد عز الذى يتحمل مسئولية إخفاق الأحزاب كلها. فى 17 يناير نجحت الثورة التونسية وكان الجدل فى الشارع المصرى هل حالة الغضب الموجودة تقودنا إلى ثورة مثل التي حدثت فى تونس . برامج عديدة كلها أكدت صعوبة نجاح خروج ثورة من قبل شعب مصر ،وكان رأى السياسي اللامع عمرو حمزاوي مع منى الشاذلى قبل يوم 25 ينير بأيام قليلة " مصر لن يحدث فيها ثورة جغرافيا مصر عكس تونس . ويبدو أن نظام مبارك صدق نظرية حمزاوي ويوم 24 يناير كان الرئيس فى أكاديمية الشرطة مع اللواء حبيب العادلي وزر الداخلية الأسبق وكل المؤشرات كانت تؤكد بأنه لن تكون هناك ثورة. صباح يوم 25 يناير خرج من خرج فى رعايةالشرطة التي تعاملت بسلمية مع كل من خرج أول ساعات الثورة وفى بداية الكلام طرحت سؤالا، لماذا يصمت رجال يناير 2011 وهم لديهم من الأسرار، ما قد يفك ألغاز كثيرة، بعضهم كان فى اجتماعات ساخنة مع قيادات النظام السابق ولديهم معلومات، يقولون، إنه لم يأت الوقت للإفصاح عنها. اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية هو أول الشخصيات التي أزعم وأتوقع أن لديه ملفات إن تكلم لكشف أمور كثيرة واللواء حبيب العادلي هو واحدا من أشهر 4 وزراء داخلية لمصر خلال 60 عاما الأول كان شعراوي جمعه وزير داخلية جمال عبد الناصر الذى كانت كراهية الإخوان سببا فى شهرته، والثاني ممدوح سالم وزير داخلية السادات، والثالث اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية الذى نال حب الشعب قبل الرئيس، والعادلي هو الوزير الرابع فى الشهرة فى الفترة التي قضاها وزيرا للداخلية فهو تولى الوزارة فى أواخر 1997 بعد حادث الأقصر الذى أطاح باللواء حسن الألفي الذى تولى الوزارة بعد شيخ العرب اللواء محمد عبد الحليم موسى فى صيف 1992 . ولم يكن الرئيس الأسبق مبارك ينوى إقالة حسن الألفي ولكن بعد أن زار مسرح الجريمة فى الأقصر لمس إن هناك تقصيرا أمنيا، لم يتهم الخدمات واعتبر الوزير هو المسئول عن المجزرة التي نفذها الإرهابيون، والبحث عن بديل لحسن الألفي لم يستمر كثيرا ، أكثر من ملف أبرزها وأفضلها لصاحب القرار كان اللواء حبيب العادلي الذى كان فى ذلك الوقت يعمل مساعدا للوزير لأمن القاهرة وعمل فى أمن الدولة من 1965 وحتى 1994 ثم تولى أمن القاهرة قبل أن يتولى منصب مساعد الوزير لأمن الدولة خلفا للراحل اللواء أحمد العادلي . ونجح حبيب العادلي بامتياز فى القضاء على الإرهاب ، ونجح النظام فى اختياره لوزير داخلية يهتم بالمعلومة وقادما من جهاز معلوماتي . 14 عاما عمر بقاء حبيب العادلي على كرسي وزير الداخلية ، أكثر من حكومة شكلت حافظ خلالها على موقعه وانتهى إرهاب التسعينيات بفضل خطط حبيب العادلي وعرفت مصر سنوات الهدوء عدا شكاوى جمعيات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والخاصة بتدخل الشرطة فى انتخابات مجلس الشعب، ورغم نجاح حبيب العادلي فى مهمته كوزير للداخلية وحقق المعادلة الصعبة، فهو وزير يخشاه الشعب وضباطه وأحبه النظام. وغموض العادلي وابتعاده عن الأضواء منحة شهرة عريضة ، هو لم يكن ضيفا دائما للبرامج أو كثير الأحاديث الصحفية ومع ذلك كان أشهر وزراء الحكومة كان يحسب إن له إدارة إعلام وعلاقات أحسن اختيار قياداتها، التي عرفت كيف نصنع منظومة الإعلام الأمني ولاتزال تجيد في عملها، وكانت الصحف تنفد طبعاتها بسبب الأخبار الأمنية ، ويحسب لحبيب العادلي إنه عرف كيف يتعامل مع جماعة الإخوان والتي ظهرت بوضوح إلى سطح الحياة السياسية مع برلمان 2005 بعد نجاح 88عضوا ونجاحهم كان رسالة من نظام مبارك بأن الانتخابات فى مصر تعرف النزاهة والدليل نجاح 88 عضوا من جماعة محظورة . ويعتبر يناير 2011 هو الشهر الأسوأ لحبيب العادلي أشهر وزير داخلية عرفته مصر، وبداية المشهد كانت مجد ونهايته إقالة، وأوائل الشهر التالي ، محاكمات وقضايا وكان هو أقوى من الجميع التزم الصمت وقبل كل شيء، وقدم للمحاكمة فى 4 قضايا ونال البراءة الكاملة عن القضايا اخرها في مارس 2015 بُرّئ من آخر قضية وتم الإفراج عنه بعد أيام عصيبة. خرج العادلي من القضايا والمحاكمات ليعيش حياته فى هدوء، رافضًا الكلام عن اللحظات الأخيرة قبل قيام ثورة 25 يناير وخاصة الأيام الأربعة الأولى من الأحداث، خاصة وأنه آخر من خرج من وزارة الداخلية فى 29 يناير 2011 لم يهرب بل ظل فى مكتبه رغم أحداث الفوضى التي عرفتها مصر ليلة جمعة الغضب . حتما سوف يأتي اليوم الذى يتكلم فيه اللواء حبيب العادلي الذى دفع ثمن كراهية شعب لنظام كامل ، كان يستخدم الشرطة فى حل كل مشاكله . ورأينا في تلك السنوات التي سبقت يناير، كيف أنه حين تشتعل الانتخابات الطلابية، تتدخل الشرطة لإعادة الهدوء إلى الجامعات ، وإن ثار الموظفون على قانون أصدرته الحكومة لم يكن هناك حل أمام الحكومة سوى إسناد الأمر لوزارة الداخلية التي أصبح ضباطها عليهم مسئولية كبيرة غير المسئولية الأساسية وهى توفير الأمن والأمان . وهناك فئة من الشعب تحب حبيب العادلي و تتحاكى عن زمنه رغم تأييدهم لثورة 25 يناير ورغم جمعيات حقوق الإنسان منظمات المجتمع المدني ترى أن عهده كان فيه تجاوزات وإن هناك حالات عديدة تم القبض عليها تحت مسمى أمن الوطن . رغم كل هذا سيظل العادلي واحدا من أشهر وزراء الداخلية حتى وإن التزم الصمت وإن تكلم ربما أسعد من أحبوه، الذين يرون أن المظاهرات الغاضبة في ثورة يناير لم تكن ضد الشرطة بل كانت ضد وزير يمثل لهم السلطة ، فهو الحل السحري لنظام رأى الاستعانة بالأمن لمواجهة أي إخفاق. وحصل الوزير ومساعديه علي البراءة في تهمة قتل شهداء الثورة ، والتزم الصمت ويبقي السؤال الحائر: الشرطة بريئة، فمن قتلهم ، من ذلك القاتل الذي ارتكب جريمته وأدانت أصابع الاتهام أبرياء آخرين؟!