فى العشر الأواخر من شهر يناير عام 2011 تحدث اللواء السبعينى ذو الشعر المصبوغ باللون النحاسى، بصوت واثق، عن حادث تفجير كنيسة القديسين ونجاح أجهزة وزارته فى كشف المتهمين. كان وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى قد أتمّ، آنذاك، عامه الرابع عشر على رأس وزارة الداخلية، واعتبره قارئو المشهد بمثابة الذراع اليمنى للرئيس الأسبق حسنى مبارك. الوصول لمتهمين بتنفيذ حادث القديسين كان الإنجاز الأمنى الأخير لحبيب العادلى قبل أن تجرفه ثورة الخامس والعشرين من يناير هو ورئيسه من الحصون إلى السجون. أمام منصة المحكمة دافع «العادلى» عن نفسه.. شدد على مخارج الحروف، تجهّم أحياناً وتبسّم أحياناً أخرى، داعب هيئة المحكمة، وعاد للمباهاة بإنجازاته الأمنية، التى نسيها منذ العشر الأواخر فى يناير 2011، مستفيضاً حتى بدا كأنه لا يزال وزيراً للداخلية.. عبارات منتقاة، تثير حفيظة معارضيه القدامى، وتُبهج وتُثلج صدور المترحّمين على أيام يرونها «أفضل مما نحن فيه»، التعبيرات الأمنية ذاتها التى ارتسمت على وجهه المستطيل يوم احتفالات الشرطة فى 2011. ثلاث سنوات كاملة اكتفى خلالها العادلى بجلسة صامته خلف سياج حديدى، أو مشية صارمة بين سيارة الترحيل وبوابة «الأكاديمية المحكمة» أو بسمة يلقيها شزراً على عدسات الإعلام.. لكنه بالأمس جاوز صمته حينما أتاحت له المحكمة فرصة إلقاء «خطبة دفاعية». السجن خمسة وعشرين عاماً، مدة الحكم على حبيب العادلى فى القضية المنظورة أمام المحكمة، سيكون سجنه حتمياً لو لم يُقبل استئناف المحاكمة. ورغم بقائه حوالى ثلاثة أعوام فى السجن تعاقب خلالها 4 وزراء على «قلعة لاظوغلى» نسى بدلته الرسمية وفاتته ثلاثة أعياد شرطة متتابعة. أوشكت على نهايتها رحلة اللواء المسجون التى بدأت قبل أكثر من 50 عاماً قضى ال14 عاماً الأخيرة منها كرأس حربة لنظام مبارك وسوط فى يده وجلاد بأمره.. يحاول الرجل جاهداً أن يرسم الكلمات الأخيرة فى صفحات النهاية وكأنه يعد تقريراً أمنياً بمهارة رئيس جهاز أمن دولة وسلطة وزير داخلية. العادلى من مواليد مارس 1938، تخرج فى كلية الشرطة عام 1961 وعُيّن وزيراً للداخلية عام 1997 فى أعقاب حادث الأقصر الشهير خلفاً للواء حسن الألفى، وتمت إقالته فى يوم 31 يناير 2011 بعد أحداث ثورة 25 يناير لاحتواء التظاهرات المطالبة بإصلاحات جذرية فى النظام. قضى رجل أمن الدولة السابق ربع قرن على الأقل بين مكاتب إدارة المعلومات الأسوأ سمعة بين إدارات جهاز الشرطة، ورغم اقتراب «العادلى» من محمد حسنى مبارك فإن أداء وزارته التى اعتنت بالأمن السياسى للنظام الحاكم كان سبباً رئيساً فى اندلاع ثورة يناير، مما أدى للإطاحة بكليهما، مبارك والعادلى، ومحاكمتهما فى «محاكمة القرن» التى بدأت أولى جلساتها فى 3 أغسطس 2011.