عندما تركت منزلها في الصباح الباكر، لم تكن تعلم وجهتها بالتحديد. منظمو المؤتمر فاتهم تحديد مكان انعقاده في بطاقة الدعوة. إعتذروا عن هذا الخطأ في مكالمة هاتفية،أخبروها باسم الفندق الكبير. فكرت أن تعاود الإتصال بالمكتب الإقليمي المنظم للتأكد من العنوان. كانت علي عجل، فضلت الاعتماد علي ذاكرتها. هو الماريوت بالتأكيد، علي بعد خطوات من مقرهم بالقاهرة. استراحت لهذا التفسير، توجهت الي الجزيرة الأنيقة، وصلت الي الفندق، ركنت سيارتها في الجراج، هرعت الي مكتب الإستعلامات. كان هناك مؤتمر بالفعل. سيدات و رجال يرتدون حلات سوداء، ترتسم علي وجوههم الجدية، يمشون بزهو، يحملون حقائب مماثلة و تتدلي من أعناقهم شرائط ملونة تحمل كارتا صغيرا خط عليه بياناتهم ليسهل التعرف عليهم، يهرولون تجاه جهة، خمنت أنها تؤدي الي القاعة الرئيسية. إختفوا عن أنظارها في لمح البصر. هل رأتهم بالفعل، أم كانت مجرد تهيؤات. تجاوزت الساعة التاسعة، تأخرت علي الجلسة الإفتتاحية، لا يهم، فكل ما يقال فيها قوالب محفوظة مكررة غير ذات أهمية. وصف لها موظف الإستقبال مكان إنعقاد الجلسات. عليها إجتياز البهو الرئيسي و من ثم تتجه شمالا نحو المصاعد ليحملها أحدهم للدور الاول. في نهاية المطاف، وجدت نفسها أمام درج رخامي. عادت أدراجها للموظف، نصحها ببرود و نفاذ صبر، أن تصعد علي الدرج، سألته بعصبية لماذا لم يقل هذا من االبداية. لا فائدة من الجدل في مواجهة غياب الدقة. كان الدرج يؤدي الي صالات فسيحة، تغطيها سجاجيد وثيرة، شعرت بدغدغة لذيذة و أقدامها تنغرس فيها. لم تجد أي مكتب للتسجيل أمام الأبواب المغلقة. تلكأت أمام مناضد صفت عليها مستلزمات الشاي و القهوة و أطباق ممتلئة بشتي أنواع الفطائر استعدادا للإستراحة.الساعة التاسعة و النصف، الجلسة الافتتاحية مملة ويقال فيها كلام مرسل، صبت لنفسها فنجانا من القهوة، خرجت الي الشرفة للإستمتاع بأشعة الشمس الدافئة و تدخين أهم سيجارة في اليوم . عندما عادت الي البهو، كانت الساعة قاربت العاشرة، فتحت كل الأبواب المغلقة، و انطلق منها جمع غفير هجم علي طاولات الطعام، ابتعدت مسرعة قبل ان تدهس تحت اقدامهم. ما كل تلك الوجوه الغريبة، لم تتعرف علي أحد منهم، أتكون أخطأت المكان؟ عادت أدراجها الي الاستقبال، أخرج الموظف السمج قائمة بالفعاليات التي تعقد بالفندق في هذا اليوم، لم يكن بينها مؤتمرها. صاحت مستنكرة لماذا لم تقل هذا من قبل، كانت ما زالت غير مصدقة، نصحها بالذهاب الي غرفة العمليات في البدروم. أطلعوها هناك علي نفس القائمة، تأكدت من الخطأ الذي وقعت فيه. الساعة العاشرة و النصف، جلستها تبدأ في الحادية عشرة. إتصلت بالمكتب الإقليمي، أخبروها إن مكان إنعقاد المؤتمر في فندق المريديان. كانت متأكدة أنه يبدأ بحرف الميم. أسرعت الي سيارتها، توجهت الي مكان الفندق القابع علي ضفاف النيل. عندما دلفت الي البهو، لم يكن هناك ما يشير الي وجود فاعلية هامة في هذا المكان. بدأت الشكوك تساورها، تأكدت لما أخبرها موظف الاستقبال بخلو الفندق من أي مؤتمر اليوم. سقط الأمر في يدها، تجاوزت الساعة الحادية عشرة، ضاعت منها الجلسة التي ترأسها. عاودت الأتصال بالمنظمين، للتأكد من العنوان، كان بالفعل فندق الميريديان الثاني، في المدينة الجديدة علي بعد أربعين كيلومترا من مركز العاصمة. يا إلهي، كيف ستصل اليه؟، يجب أن تستأجر سيارة، فهي تخشي القيادة علي الطرق السريعة. توجهت ساهمة نحو باب الخروج حيث تصطف سيارات الأجرة. إصطدمت بشخص كان يدلف الي الداخل، قبل أن تهم بالإعتذار، صرخت مهللة باسم صديق طفولة قديم لم تره منذ دهر. تراجع الي الخلف، نظر اليها مليا، نطق اسمها عدة مرات، تعانقا، انفصلا، تماسكت أياديهم. قصت عليه ما حدث، استمع اليها و هو يضحك مرددا لم تتغيري كثيرا. طمأنها، وعدها باصطحابها الي الفندق البعيد بعد الغذاء. لم لا، انتصف النهار، تخلفت عن جلستها، لا جديد يقال في تلك المؤتمرات. جلسا في التراس المطل علي النهر، تحدثا كثيرا، محاولين تكثيف أحداث ربع قرن في ساعتين من الزمن.. إنصرفا في الثانية ظهرا، بدأت رحلة الخروج الي الصحراء. تعانقت و صديقها عند العصر أمام فندق الميريديان تو، تبادلا أرقام هواتفهما للتواصل فيما بعد يعلمان تماماً أن الصدفة فقط ستجمعهما مرة أخري. وحيدة هي الآن، أمام هذا الصرح المعماري الحديث، الواقف وسط الصحراء الشاسعة في تضاد تام مع محيطه . لا أثر لحياة في هذ الربع الخالي. أين الحافلات التي نقلت الحضور؟ إنتابتها رعشة خفيفة رغم حرارة الجو. توجهت بتوجس نحو المدخل، دلفت الي البهو ذو السقف شامخ الارتفاع. سيطر الخواء علي هذا المكان الخالي من البشر، عدا هذا الموظف البائس النائم خلف مكتب الاستقبال الدائري. توجهت اليه حائرة، مترددة، ألقت عليه التحية، إنتفض من سباته العميق، نظر اليها بدهشة و ريبة. سألته عن المؤتمر. قال إنه تسلم ورديته منذ عشر دقائق، لا يعلم أي شيء عن هذا الحدث. طلبت منه أن يحادث زميله ليسأله. قال: أن رصيده نفذ ولا توجد خطوط أرضية في المدينة. أضاف: الفندق لا يعمل منذ إفتتاحه، ربما يغلق الي الأبد. نزلت الجملة الأخيرة علي رأسها كالصاعقة. أخرجت محمولها بعصبية، إتصلت بالمكتب الإقليمي، جاءها صوت أسطوانة مشروخة :.الهاتف الذي طلبته غير متاح، حاول الإتصال في وقت لاحق . قبل أن تدير رقما آخر، إتشحت شاشة محمولها بالسواد معلنة عن وفاة الشحن و الشمس تستعد للرحيل ساحبة معها ضوء النهار. عليها الآن إيجاد وسيلة للعودة للقاهرة بأي شكل. هل هناك مواصلات؟ ظهرت علامات التعجب علي وجه الموظف، رد باقتضاب: الصباح رباح. أرادت ان تقول شيئا، لم يصل صوتها الي أذنيها، أصيبت بالبكم لعدة ثوان... سمعت صوتا يأتي من بئر عميق يتساءل: هل هناك غرف خالية في الفندق؟ فتح الموظف دفترا عتيقا لا يليق بفندق كبير يحمل اسم شركة عالمية. أخذ أصبعه يتجول علي الصفحات بتؤدة، تتتبعه بترقب قلق. مرت عدة دقائق كالدهر. رفع الموظف رأسه، إنفرجت أساريره و هو يزف اليها خبر وجود آخر غرفة خالية..هكذا، في فندق علي وشك الإغلاق! تظاهرت بالفرحة، دفعت له الليلة مقدما، أخذت مفتاح الغرفة 1161 في الطابق الحادي عشر. تنفست الصعداء لوجود مصعد يعمل. فتحت باب غرفتها بعد المرور في ممر مظلم و موحش. إرتمت علي الفراش بملابسها. نظرت الي السقف، تخيلت قلق إخوتها و أصدقائها من صمت كل هواتفها. سيبحثون عنها في كل مكان، سيقومون بإبلاغ الشرطة، ستتحري عن تحركاتها منذ الصباح و تتوصل لمكانها. سيطرق أحدهم باب غرفتها و يتم إنتشالها من هذا العالم الكابوسي. همت بفتح التلفزيون لتتجول بين القنوات علها تجد نداء يخصها. دارت بنظرها في الغرفة، لم تقع علي أي جهاز يمكنه أن يفي بالغرض. هبت مذعورة ، أزاحت الستائر، كانت تخفي حائطا مصمتا...إنهارت علي الفراش بيأس شديد كيف ستحتمل الساعات التي تفصلها عن صباح اليوم التالي و هي معزولة عن العالم الخارجي و سجينة في غرفة بدون نوافذ؟ لا تتذكر متي هاجمها النعاس. إستيقظت كعادتها في الفجر، كادت تنسي مصيبتها و الماء ينساب علي جسدها و ينعشها. إرتدت ملابسها علي عجل، هرعت الي باب الخروج، استوقفها صوت موظف الإستقبال، إستدارت ، أشار اليها بالإقتراب. خفض صوته و هو يقول أن فريقا من شرطة الاستقصاء سأل عنها بالأمس إثرصعودها الي غرفتها و لكنه أنكر وجودها تماماً . فغرت فاهها ، تأهبت للإنقضاض عليه، أوقفها بحركةً من ذراعه و هو يصيح بها أن هيئتها المضطربة عند وصولها الفندق و إدعائها وجود مؤتمر في هذا المكان المجهول جعله يشك أنها هاربة من العدالة و تريد أن تختفي في هذا المكان. إستطرد قائلا انه أشفق عليها، لم يكن ليسلمها لمن يكن لهم كراهية شديدة . نظرت اليه باستغراب و إمتنان، شكرته، إنصرفت مسرعة.