إذا أردت أن تري حالة تألق مسرحي حقيقي فلن يكلفك هذا أكثر من زيارة لمسرح الهناجر وعشرة جنيهات !! أتحدث عن مونودراما " بارانويا " بطولة ريم حجاب تأليف رشا فلتس وإخراج محسن حلمي .. أعرف ريم حجاب كممثلة مجتهدة لكنها كانت فى "بارانويا" مدهشة ، فمعروف أن هذا النوع من المسرح صعب يحتاج لممثل لديه قدرة فى الحركة والتلون والانتقال بين حالات نفسية متنوعة وربما متعارضة ، فهو العنصر البشري الوحيد فى عرض تصل مدته لساعة كاملة. جسدت ريم حالة فتاة مصابة بهذا المرض العقلي المدمر "بارنويا" وبالتحديد "هذيان الاضطهاد " الذي يعاني المريض به من هلاوس سمعية وبصرية ،و يعتقد أن الناس من حوله يتآمرون عليه ويريدون إلحاق الأذى به ، ومن خلال حديثها نكتشف أن سبب مرضها يعود لطفولتها ومراهقتها عندما تعرضت لتحرش قريب لها . جاء النص محكماً يكشف أن مؤلفته قرأت وبحثت كثيرا في هذا المرض واستطاع محسن حلمي باقتدار أن يحسن توجيه "ريم" فأخرج منها طاقة وحضوراًوتنوعاً يجعلها تعتز بهذه التجربة.. أعتقد أنه كان أمام فريق العمل مقولة مهمة منسوبة لأيقونة المسرح العالمي بيتر بروك الذي يقول " المونودراما تفقد المسرح الكثير من ألقه ووهجه الخاص، لأنها تعتمد ممثل واحد ينبني عليه العرض بأكمله، فلا تفاعل ولا أخذ ورد ". ووسط هذا التحدي الكبير عاش فريق العمل ليثبت أنه من الممكن للمبدع دون غيره أن يسبح وهو مقيد ، وكانت النتيجة أكثر من جيدة .. وفرت لعشاق المسرح حالة يصعب أن يتصدى لها من يغازل شباك التذاكر ويجعله هدفه الأول والأخير . أخيرا تسعدني حالة النشاط والحماس التي تعيشها د. أماني يوسف مدير مركز الهناجر فلديها حماس ورغبة فى العمل بلا ضجيج وبأقل الامكانيات وهذه مواصفات نعاني من ندرتها فى مصر فهناك من يفضل الضجيج على العمل ، وهناك من يعمل بلا حماس !! .