رئيس بنك القاهرة: توجيه 50 مليون دولار من قرض مؤسسة التمويل الدولية لتمويل التجارة    "الأوقاف": تطوير مساجد آل البيت علامة مضيئة ومشرقة في تاريخ الدولة المصرية    شمال سيناء: لا شكاوى في امتحانات صفوف النقل اليوم    تعرف على 11 شرطًا التقديم.. «الداخلية» تُعلن قبول الدفعة العاشرة ب معاهد معاوني الأمن 2024 (تفاصيل)    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    بني سويف: إزالة 575 حالة تعد على أملاك الدولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة 22 لإزالة التعديات    لاتفاقهم على تحديد الأسعار.. «حماية المنافسة» يحرك دعوى جنائية ضد 7 سماسرة في سوق الدواجن    قوات الاحتلال تعتقل 30 من ذوي الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس» خلال مظاهرات في تل أبيب    مجلس الشيوخ ينعى النائب عبدالخالق عياد.. ويعلن خلو مقعده    تين هاج: من يطالب بإقالتي لا يفهم في كرة القدم    الصحف الأوروبية.. ماركا: مانشستر يحدد سعر بيع جرينوود والصن: بايرن ميونخ يرغب في ضم موهبة كريستال بالاس    «ضد المشروع».. ليفاندوفسكي يثير أزمة داخل برشلونة    مجلس الشيوخ يبدأ مناقشة خطط الحكومة للتوسع في مراكز الشباب    تصل للسجن 7 سنوات.. «خبير تربوي» يكشف عقوبة تسريب الامتحانات    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 1445 هجريًا.. ومفاجأة للمواطنين بشأن الإجازة (تفاصيل)    المشدد 5 سنوات لعاملين بتهمة إصابة شخص بطلق ناري بشبرا الخيمة    «شهد افتتاح مسجد السيدة زينب اليوم».. من هو «مفضل الدين» سلطان البهرة؟    إيرادات مفاجئة لأحدث أفلام هنا الزاهد وهشام ماجد في السينما (بالتفاصيل والأرقام)    بالمجان.. متاحف مصر تحتفل باليوم العالمي وتفتح أبوابها للزائرين    لتنمية النشء والتأهيل لسوق العمل.. بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والشباب والرياضة (تفاصيل)    السيطرة على حريق شب بسوق السد العالي في البساتين    ضبط قضايا اتجار في العملات الأجنبية ب16 مليون جنيه خلال 24 ساعة    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بمنطقة البدرشين    مواعيد القطارات من القاهرة إلى الإسكندرية واسعار التذاكر اليوم الأحد 12/5/2024    بعد رفع الفائدة 8% خلال 2024.. توقعات بتثبيت أسعارها خلال اجتماع البنك المركزي الشهر الجاري    وزيرة التخطيط: 10.6 مليار دولار استثماراتنا مع صندوق مصر السيادي خلال السنوات الماضية    الجزار يوجه بعدم التهاون مع المقاولين في معدلات التنفيذ وجودة تشطيبات وحدات سكن لكل المصريين    «الصحة»: ملف التمريض يشهد تطورًا كبيرًا في تحسين الجوانب المادية والمعنوية والعلمية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق «التوكتوك» وسرقته بالفيوم    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    كاميرون: يجب تنفيذ وقف مؤقت للقتال في غزة    صحيفة بحرينية: نأمل أن تكون المنامة نقطة انطلاق جديدة للعمل العربي المشترك    حكم أخذ قرض لشراء سيارة؟.. أمين الفتوى يوضح    «صناعه الشيوخ» تناقش تطوير المنطقة الصناعية بعرب أبو ساعد بالجيزة    انتحار ربة منزل في غرفة نومها بسوهاج.. وأسرتها تكشف السبب    مشتريات عربية تقود صعود مؤشرات البورصة في مستهل تداولات الأسبوع    وزير التعليم العالي : 7 مستشفيات تابعة للجامعات الخاصة في مرحلة متقدمة من الإنشاء والتجهيز    الدفاعات الأوكرانية تدمر خمس طائرات استطلاع روسية في خيرسون وميكوليف    فيلم Kingdom of the Planet of the Apes يتجاوز 22 مليون دولار في أول أيام عرضه    الرئيس الأمريكي يعزي البرازيل في ضحايا الفيضانات    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن التربية على حب الغير أول مبادئ إعداد الأسرة اجتماعيا "2"    جوتيريش يجدد دعوته إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة لأسباب إنسانية    فى احتفالية خاصة تحت شعار «صوت الطفل».. المجلس القومى للطفولة والأمومة يطلق «برلمان الطفل المصرى»    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بقرية زاوية العوامة بالضبعة.. غدًا    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    «القاهرة الإخبارية»: القيادة المركزية الأمريكية تسقط 3 مسيرات جنوب البحر الأحمر    السادسة والنصف مساء اليوم.. أرسنال يصطدم ب مانشستر يونايتد فى صراع التتويج بالدوري الإنجليزي    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي قبل مباراة مانشستر يونايتد وآرسنال اليوم    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    من مسجد السيدة زينب.. السيسي يشيد بدور طائفة البهرة في ترميم مساجد وأضرحة آل البيت    مش هروحه تاني، باسم سمرة يروي قصة طريفة حدثت له بمهرجان شهير بالسويد (فيديو)    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    حظك اليوم برج العذراء الأحد 12-5-2024 مهنيا وعاطفيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
هل يتمگن الإنسان من معرفة حقيقة ذاته؟‮!‬

‮وكتاب الموتي عند الفراعنة حافل بكل ما يتصل بالروح ورحلتها،
وحافل أيضا بالطقوس التي تجعل الموت مقدسا وجليلا‮ ‬
السبت‮:‬
الانسان جاء للحياة علي هذه الارض‮ ‬ليتعلم ويعرف‮.. ‬وهو في سعيه الدائم الي المعرفة تثير الهمسة فضوله،‮ ‬وتوقظ اللمسة كل حواسه‮.. ‬ولذلك هو لا يستطيع ان يتوقف عن التفكير وهو ايضا يكون في حالة تأهب للاستجابة لأي فعل برد الفعل المناسب له‮.. ‬وعندما ينفرد بذاته،‮ ‬فانه يستعيد من ذاكرته العديد من المعلومات التي سبق له تحصيلها مما رآه،‮ ‬أوسمعه،‮ ‬ليستعرضه،‮ ‬أو ليتأمله مرة أخري،‮ ‬لعله يكتشف فيه جديدا فاته إدراكه‮.‬
وفي البدء شغل الموت اهتمام الإنسان وحيره‮.. ‬ولما طالت حيرته اعتبره لعنة‮ ‬غضب تصبها عليه الآلهة لأنه لا يقدم لها ما يقربه منها‮.. ‬ثم تطور فكره بعد ذلك فاعتبره نهاية حتمية لكل حي‮.. ‬ثم اعتبره بداية لحياة أخري في دنيا أخري قد تكون أفضل‮.. ‬وأسعده هذا الإفتراض وأراحه‮!‬
كان لابد أن يحاول الإنسان،‮ ‬علي مر العصور،‮ ‬اقتحام ذاته،‮ ‬ليفهم ذاته‮.. ‬وقد بذل في سبيل ذلك جهدا مضنيا‮.. ‬وكان كلما فشل حاول مرة أخري‮.. ‬واستمر يعيد المحاولات لألوف المرات عبر ألوف السنين،‮ ‬ولم يتوقف‮.. ‬ولن يتوقف‮.. ‬لأنه لم يتمكن حتي الآن من معرفة خطايا ذاته وحقيقتها‮!!‬
وأقدم دليل علي محاولات الإنسان اقتحام ذاته،‮ ‬هو ما تركه الفراعنة مكتوبا علي أوراق البردي،‮ ‬وجدران معابدهم ومقابرهم‮.. ‬فماذا قالوا؟‮..‬
قالوا إن الإنسان جسد وروح‮.. ‬وأن الجسد هوما يولد لينمو ويعيش،‮ ‬ثم يموت‮.. ‬وأما الروح فهي التي تمد الجسد بالحياة،‮ ‬ثم ترحل عنه لتعود إليه مرة أخري لتأخذه إلي حياة ثانية جديدة‮.. ‬والروح لا تفني،‮ ‬فهي خالدة خلودا أبديا‮.. ‬وكتاب الموتي عند الفراعنة حافل بكل ما يتصل بالروح ورحلتها،‮ ‬وحافل أيضا بالطقوس التي تجعل الموت مقدسا وجليلا‮.. ‬وكان ما قاله الفراعنة عن الموت والحياة الثانية كافيا للتشبث به باعتباره يبدد جزءا من الغموض الذي ظل يحيط بالإنسان‮.. ‬أو ذلك اللغز الذي كان وسيظل عصيا علي الفهم ربما لألوف أخري من السنين‮!!‬
وقال الفراعنة أيضا أن الحياة علي الأرض هي الجسر،‮ ‬أو البوابة،‮ ‬التي يعبر منها الإنسان إلي الجنة حيث تكون ثيابه من حرير،‮ ‬وطعامه فاكهة،‮ ‬وشرابه خمرا معتقة وينعم فيها بالسكينة والإطمئنان‮.. ‬أو إلي الجحيم حيث النار،‮ ‬والدنس،‮ ‬والوحوش الكاسرة،‮ ‬والعذاب الرهيب‮..‬
وليس الفراعنة وحدهم الذين قالوا بذلك‮.. ‬فالبابليون،‮ ‬والفرس،‮ ‬والإغريق،‮ ‬والهنود قالوه أيضا‮.. ‬فإذا كان‮ »‬‬أوزوريس‮» ‬المصري يزن أعمال الناس بعد موتهم بميزان العدل،‮ ‬ليدفع بالمحسنين إلي الجنة،‮ ‬وبالمسيئين إلي جحيم جهنم‮.. ‬فإن‮ «عشتروت‮»‬ ‬البابلية تهبط إلي الجحيم حيث يعاني‮ «تاموز‮»‬ ‬من عذاب الجوع والعطش والزمهرير،‮ ‬لتعود به إلي الجنة‮.. ‬وعند الفرس كان‮ «أهو راما زاد‮»‬ ‬إله الخير،‮ ‬و»أهو ريمان‮»‬ ‬ملك العالم السفلي والظلمات في صراع دائم محتدم‮. ‬كلاهما يريد أن يأخذ الإنسان إليه‮..‬
وعند الإغريق نجد الجنة والنار‮.. ‬وقد تحدث هوميروس في‮ «الإلياذة‮»‬ ‬عن عالم الموتي،‮ ‬وأنهار الجحيم،‮ ‬وأبواب السماء،‮ ‬ونعيم الجنة،‮ ‬وذكر في‮ «الأوديسة‮»‬‬،‮ ‬تفاصيل زيارة‮ «أوليسيس‮»‬ ‬للعالم السفلي وأحاديثه إلي أشباح الموتي‮!! ‬أما في الهند فقد ذكرت أساطيرهم أن‮ «يود هيشيترا‮»‬ ‬رمز الشر-هبط إلي الجحيم حيث اللهب،‮ ‬والجثث،‮ ‬والديدان‮.. ‬بينما صعد‮ «أرجنا‮»‬ -‬بطل الخير‮- ‬إلي السماء،‮ ‬حيث يعيش المؤمنون في جنة خضراء،‮ ‬ينعمون برؤية الأزهار والورود الجميلة،‮ ‬ويستمعون إلي العذب من الأنغام السماوية،‮ ‬ويجالسون الحوريات تحت الأشجار‮.. ‬وتقول الاسطورة أن موكبا عظيما من الملائكة،‮ ‬وصفوة البراهمة،‮ ‬كان يحيط ب‮ «أرجنا‮»‬ ‬عند صعوده إلي السماء،‮ ‬حتي أوصلوه إلي عرش إله الآلهة‮!!‬
النفس وليست الروح‮!‬
كل الحضارات القديمة قالت أن‮ ‬الإنسان روح وجسد‮.. ‬وعندما نزل القرآن الكريم حسم الأمر،‮ ‬فلم يتحدث عن الروح سوي مرة واحدة،‮ ‬حين قال في الآية‮ «85‮»‬ ‬من سورة الإسراء بوضوح لا يحتمل أي تأويل ولايتطلب اجتهادا للتفسير‮:‬
‮» ‬وَيَسْأَلُونَكَ‮ ‬عَنِ‮ ‬الرُّوحِ‮ ‬قُلِ‮ ‬الرُّوحُ‮ ‬مِنْ‮ ‬أَمْرِ‮ ‬رَبِّي‮ ‬وَمَا‮ ‬أُوتِيتُم مِّنَ‮ ‬العِلْمِ‮ ‬إِلاَّ‮ ‬قَلِيلاً‮»‬‬
وكل ما جاء في سور القرآن الكريم كان عن النفس‮.. ‬مما يؤكد أن الإنسان نفس وجسد‮»‬.‬
‮ ‬وعندما نتأمل قوله تعالي في الآيات ‮72‬و‮82‬و‮92‬و‮0‬3‮ ‬من سورة الفجر‮ «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ‮ ‬المُطْمَئِنَّةُ‮ (‬27‮) ‬ارْجِعِي‮ ‬إِلَي رَبِّكِ‮ ‬رَاضِيَةً‮ ‬مَّرْضِيَّةً‮ (‬28‮) ‬فَادْخُلِي‮ ‬فِي‮ ‬عِبَادِي‮ (‬29‮) ‬وَادْخُلِي‮ ‬جَنَّتِي‮ (‬30‮)‬‮»‬ ‬سنجد أن الله،‮ ‬سبحانه وتعالي يأمر النفس المؤمنة التي فارقت جسدها بالوفاة،‮ ‬بالعودة اليه لتدخل الجنة وتنعم بنعيمها مع عباده المؤمنين الصالحين‮.. ‬ومن البديهي أنها تعود الي خالقها بكامل ادراكها وحسها وذاكرتها‮.. ‬ومن البديهي ايضا أن النفس،‮ ‬وليس الجسد،‮ ‬هي التي تدري وهي التي لاتدري،‮ ‬وهي التي تفرح وتحزن،‮ ‬وهي التي تعرف وتعقل،‮ ‬وهي التي تشقي وتطمئن‮.. ‬وهي التي تجيء الي الحياة الدنيا،‮ ‬ثم تذهب عنها إلي عالم الغيب‮.. ‬الي حيث لانعلم‮.. ‬الي حيث لا نري‮!!‬
وأشهر الفلاسفة الذين ذكرهم التاريخ،‮ ‬لم يتحدثوا عن الروح،‮ ‬بل كان حديثهم كله عن النفس‮.‬
سقراط مثلا،‮ ‬أبوالفلاسفة الإغريق،‮ ‬عندما تعرض للمحاكمة وصدر ضده الحكم بالإعدام‮.. ‬همس لاثنين من اتباعه الذين حضروا اعدامه قائلا‮:‬
‮«لولا ثقتي الكاملة بأنني ذاهب الي آلهة أخري حليمة ورحيمة،‮ ‬والي رجال ماتوا،‮ ‬افضل من رجال هذه الحياة لكان من الخطأ الفادح ألا تثور نفسي ضد الموت؟؟
وأفلاطون‮ ‬أيضا لم يتحدث عن‮ «الروح‮»‬.. ‬وعندما تحدث عن الخلود،‮ ‬كان حديثه مقصورا علي خلود‮ «النفس‮»‬.. ‬وقال في الخطاب السابع من كتابه‮ «محاورة فيدون‮»‬ ‬أن الانسان ليس بدنا فقط،‮ ‬بل هو‮ «نفس‮»‬ ‬وبدن،‮ ‬ولكل منهما مطالبه‮.. ‬والإنسان لن يكون حكيما محبا للحكمة،‮ ‬مادام علي قيد الحياة،‮ ‬ونفسه متصلة ببدنة‮.. ‬إما اذا انفصلت‮ «نفسي‮»‬ ‬عن البدن فإنها تبلغ‮ ‬الحكمة،‮ ‬لأن الموت يكون عندئذ مطية الرجل الصالح الي حياة أفضل‮»‬!!‬
وغير سقراط وأفلاطون،‮ ‬هناك فلاسفة آخرون في عصور مختلفة اجتهدوا في تعريف‮ «النفس‮»‬‬،‮ ‬فلم يقعوا في اللبس الذي وقع فيه‮ ‬غيرهم‮..‬
فابن رشد أشهر الفلاسفة المسلمين يقول في كتابه‮ «الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة‮»‬ ‬أنه لامفر من التسليم بوجود حياة أخري تعود اليها النفس كي تتلقي جزاءها‮..‬
ويقول الإمام شمس الدين أبوعبدالله ابن القيم‮: «أن النفس جسم نوراني علوي خفيف،‮ ‬يسري في البدن سريان الماء في الورد،‮ ‬وسريان الدهن في الزيتون،‮ ‬والنار في الفحم‮.. ‬وإذا خرج منه مات واندثر‮»‬.‬
أما الفيلسوف الطبيب ابن سينا،‮ ‬فإنه يقول في رسالته‮ «معرفة النفس الناطقة وأحوالها‮»‬.. ‬أن جوهر الإنسان لايفني بعد الموت،‮ ‬بل هو باق لبقاء خالقه تعالي‮.. ‬وهو محرك البدن،‮ ‬ومديره،‮ ‬ومتصرف فيه‮.. ‬وجوهر الإنسان‮- ‬أو نفسه‮- ‬ينفصل عن البدن اثناء النوم،‮ ‬ويري الأشياء ويسمعها‮.. ‬بل يدرك ما ينطوي عليه المستقبل في المنامات الصادقة،‮ ‬وهو ما لايتيسر له أثناء اليقظة‮.. ‬وهذا برهان ساطع علي أن الجوهر‮ ‬غير محتاج الي البدن‮.. ‬بل هو يقوي بتعطله‮.. ‬فإذا مات البدن وخرب،‮ ‬فإن الجوهر يتخلص من قيوده،‮ ‬وينطلق إلي آفاق أرحب وأوسع،‮ ‬ويسافر عبر الزمن،‮ ‬ليري أبعد،‮ ‬ويسمع أعمق‮»‬.‬
رؤية أحداث المستقبل‮!‬
وإذا كان الفيلسوف ابن سينا قد ألمح‮ ‬ألي أن‮ «النفس‮»‬ ‬الإنسانية تستطيع أن تري الأشياء وتسمعها أثناء نوم البدن،‮ ‬فإن الطبيب والعالم الفسيولوجي البريطاني‮ «اليكس كارل‮»‬‬،‮ ‬الحاصل علي جائزة نوبل عام ‮2191 ‬يقول أن البصر المغناطيسي قد يكتشف اشياء مخبأة علي مسافات بعيدة‮.. ‬وأن بعض الأشخاص كان في وسعهم رؤية أحداث وقعت فعلا في الماضي،‮ ‬أو ستقع في المستقبل،،‮ ‬ويقول أن التجارب العملية،‮ ‬التي خضع لها العديد من أولئك الأشخاص كانت نتائجها العلمية تشير للوهلة الأولي إلي أن الإنسان يعيش حاضرا منفصلا عن الماضي والمستقبل بحاجز كثيف يحول دونه ودون الرؤية الواضحة للأحداث الموجودة في كل منهما‮.. ‬إلا أن هذا الحاجز موجود داخل الإنسان نفسه،‮ ‬وأن القفز فوقه يصبح أمرا مستطاعا لو توافرت لدي الانسان الارادة علي ذلك‮.‬
ويضيف اليكس كارل أنه تم اكتشاف أفراد معينين لديهم القدرة علي السفر في الزمن،‮ ‬وكأنهم يتجولون بسهولة في العالم المادي‮.. ‬وهم يستطيعون تأمل أحداث وقعت في الماضي،‮ ‬أو ستقع في المستقبل ثم يعودون مرة أخري إلي الحاضر‮..‬
وفي القرآن الكريم أكثرمن دليل علي أن الإنسان يستطيع عبور الحاجز الكثيف إلي الماضي أو المستقبل‮.. ‬وفي الآيات‮ ‬4‮ ‬و5‮ ‬و6‮ ‬من سورة يوسف يقول تعالي‮:‬
‮«إِذْ‮ ‬قَالَ‮ ‬يُوسُفُ‮ ‬لأَبِيهِ‮ ‬يَا أَبَتِ‮ ‬إِنِّي رَأَيْتُ‮ ‬أَحَدَ‮ ‬عَشَرَ‮ ‬كَوْكَباً‮ ‬وَالشَّمْسَ‮ ‬وَالْقَمَرَ‮ ‬رَأَيْتُهُمْ‮ ‬لِي سَاجِدِينَ‮ (‬4‮) ‬قَالَ‮ ‬يَا بُنَيَّ‮ ‬لاَ‮ ‬تَقْصُصْ‮ ‬رُؤيَاكَ‮ ‬عَلَي إِخْوَتِكَ‮ ‬فَيَكِيدُوا لَكَ‮ ‬كَيْداً‮ ‬إِنَّ‮ ‬الشَّيْطَانَ‮ ‬لِلإِنسَانِ‮ ‬عَدُوٌّ‮ ‬مُّبِينٌ‮ (‬5‮) ‬وَكَذَلِكَ‮ ‬يَجْتَبِيكَ‮ ‬رَبُّكَ‮ ‬وَيُعَلِّمُكَ‮ ‬مِن تَأْوِيلِ‮ ‬الأَحَادِيثِ‮ ‬وَيُتِمُّ‮ ‬نِعْمَتَهُ‮ ‬عَلَيْكَ‮ ‬وَعَلَي آلِ‮ ‬يَعْقُوبَ‮ ‬كَمَا أَتَمَّهَا عَلَي أَبَوَيْكَ‮ ‬مِن قَبْلُ‮ ‬إِبْرَاهِيمَ‮ ‬وَإِسْحَاقَ‮ ‬إِنَّ‮ ‬رَبَّكَ‮ ‬عَلِيمٌ‮ ‬حَكِيمٌ‮»‬‬
هذه الآيات تشير إلي حقيقة ذات شقين‮.. ‬الأولي منهما توضح لنا أن يوسف،‮ ‬عليه السلام،‮ ‬عبر‮ -‬وهو نائم‮- ‬الحاجز الفاصل بين الحاضر‮ ‬والمستقبل ورأي ما رآه‮..‬وأن أباه يعقوب،‮ ‬عليه السلام،‮ ‬عبر نفس الحاجز‮- ‬وهو متيقظ‮- ‬ليري نفس المشهد‮.. ‬والشهر الثاني أن يوسف رأي الحدث مرموزا بينما يعقوب رآه بغير رمز،‮ ‬بدليل أنه طلب من يوسف ألا يقصص رؤياه علي اخوته،‮ ‬وكانوا أحد عشر أخا‮.. ‬وكان لابد أن يمر عدد من السنين يقترب من العشرين،‮ ‬علي الأقل،‮ ‬يقع الحدث بكل تفاصيله ويراه يوسف ويعقوب واقعا ملموسا‮.. ‬كما أوضحت ذلك الآيتان‮ ‬99‮ ‬و001‮ ‬من نفس السورة‮:‬
‮«فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَي يُوسُفَ‮ ‬آوَي إِلَيْهِ‮ ‬أَبَوَيْهِ‮ ‬وَقَالَ‮ ‬ادْخُلُوا مِصْرَ‮ ‬إِن شَاءَ‮ ‬اللَّهُ‮ ‬آمِنِينَ‮ (‬99‮) ‬وَرَفَعَ‮ ‬أَبَوَيْهِ‮ ‬عَلَي العَرْشِ‮ ‬وَخَرُّوا لَهُ‮ ‬سُجَّداً‮ ‬وَقَالَ‮ ‬يَا أَبَتِ‮ ‬هَذَا تَأْوِيلُ‮ ‬رُؤْيَايَ‮ ‬مِن قَبْلُ‮ ‬قَدْ‮ ‬جَعَلَهَا رَبِّي حَقاًّ‮ ‬وَقَدْ‮ ‬أَحْسَنَ‮ ‬بِي إِذْ‮ ‬أَخْرَجَنِي مِنَ‮ ‬السِّجْنِ‮ ‬وَجَاءَ‮ ‬بِكُم مِّنَ‮ ‬البَدْوِ‮ ‬مِنْ‮ ‬بَعْدِ‮ ‬أَن نَّزَغَ‮ ‬الشَّيْطَانُ‮ ‬بَيْنِي وَبَيْنَ‮ ‬إِخْوَتِي إِنَّ‮ ‬رَبِّي لَطِيفٌ‮ ‬لِّمَا يَشَاءُ‮ ‬إِنَّهُ‮ ‬هُوَ‮ ‬العَلِيمُ‮ ‬الحَكِيمُ‮»‬‬
والنظرة المتأملة لهذا الحادث تضعنا أمام حقيقة هامة أكدها القرآن الكريم،‮ ‬وهي أن الأحداث موجودة بكل تفاصيلها في المستقبل والحاضر في ذات اللحظة‮.. ‬
ولربما يقول قائل أن يوسف ويعقوب،‮ ‬عليهما السلام،‮ ‬من النبيين،‮ ‬وأن الله سبحانه وتعالي قد رفع عنهما الحجاب‮.. ‬لكن ما جاء بعد ذلك في نفس السورة لايفيد هذا المعني بقدر ما يؤكد حقيقة وجود المستقبل والحاضر جنبا إلي جنب في ذات اللحظة‮.. ‬وأن الإنسان‮ -‬أي انسان‮- ‬يستطيع القفز فوق الحاجز إلي المستقبل،‮ ‬حتي إذا كان من‮ ‬غير النبيين‮.. ‬وهذا ما تؤكده الآية‮ ‬34‮ ‬حين قالت‮:‬
‮«وقال المَلِكُ‮ ‬إِنِّي أَرَي سَبْعَ‮ ‬بَقَرَاتٍ‮ ‬سِمَانٍ‮ ‬يَأْكُلُهُنَّ‮ ‬سَبْعٌ‮ ‬عِجَافٌ‮ ‬وَسَبْعَ‮ ‬سُنْبُلاتٍ‮ ‬خُضْرٍ‮ ‬وَأُخَرَ‮ ‬يَابِسَاتٍ‮ ‬يَا أَيُّهَا المَلأُ‮ ‬أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ‮ ‬إِن كُنتُمْ‮ ‬لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ‮»‬‬
لقد استطاع فرعون،‮ ‬الذي لم يكن نبيا،‮ ‬ولا حتي قديسا،‮ ‬أن يتوغل في المستقبل،‮ ‬وهو نائم،‮ ‬ويري حدثا حقيقيا،‮ ‬قام يوسف الصديق بعد ذلك بتفسير رموزه‮.. ‬وكان عليه السلام علي يقين من أنه نفذ الي المستقبل،‮ ‬ولمس الحقيقة،‮ ‬الي درجة أنه طلب من فرعون أن يسند اليه الولاية علي صوامع الحبوب بعد تخزينها،‮ ‬وهو ما أكدته الآية‮ ‬55‮ ‬التي تقول‮:» ‬قَالَ‮ ‬اجْعَلْنِي عَلَي خَزَائِنِ‮ ‬الأَرْضِ‮ ‬إِنِّي حَفِيظٌ‮ ‬عَلِيم‮»‬‬
‮‬
إن التاريخ الإنساني حافل بعشرات النماذج من الرجال والنساء الذين امتلكوا القدرة علي التوغل في عمق المستقبل‮.. ‬ومنهم من رأي أحداثا تحققت بعد أيام‮.. ‬ومنهم من رأي أحداثا وروي تفاصيلها بمنتهي الدقة قبل أن تصبح واقعا،‮ ‬بنفس التفاصيل،‮ ‬بعد عشرات السنين‮!!‬
وبعض هؤلاء كان يستيقظ من النوم ليروي ما شاهده وتلك هي الرؤي‮.. ‬وبعضهم الآخر كان يستطيع اقتحام المستقبل والتوغل بين أحداثه وهو في حالة يقظة كاملة،‮ ‬ليشير إلي تفاصيل ما سيحدث وهذه هي التنبؤات‮.. ‬وما أكثر ما تحقق من تلك التنبؤات ولو بعد حين‮!!‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.