حينما يصرخ الشعب فلابد أن شيئا قد حدث، فهو كالطفل الصغير حينما يشعر بشيء ما في جسده تكون وسيلة التعبير الوحيدة هي اطلاق صوته، ولكن بحنان الأم وفراستها تستطيع أن تحدد موضع الألم وبالتالي جرعة الدواء اللازمة لتخفيف آلامه. كانت صرخة الشعب هذه المرة صرخة صافية لا تشوبها شائبة، ولا تعكر صفوها نائبة، هكذا شباب مصر النقي الذي أراد لمصر التحرر، أعاد إلي أذني معاني كلمات الشاعر الكبير كامل الشناوي التي شدت بها سيدة الغناء العربي أم كلثوم وصاح من الشعب صوت طليق.. قوي أبي عميق عريق.. يقول أنا الشعب والمعجزة.. أنا الشعب لا شيء قد أعجزه.. كل الذي قاله أنجزه.. أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيلا.. ولا أرتضي بالخلود بديلا.. والآن أرجو أن نكون قد كسرنا شوكة من كان يريد لجيش مصر أن ينكسر وتحققت آمال وطموحات الشعب ويكون العلاج هذه المرة ناجعا حتي لا نظل ندور في حلقة مفرغة متعللين بنقص الدواء، فالشعب لا يريد أن يكون حقلا لنجرب فيه جرعات من دواء منتهي الصلاحية. مدرعة علي الطريق في رحلتي الطويلة التي غالبا ما أقطعها في حوالي 9 ساعات متواصلة.. حيث تعودت أن أقضي اجازتي بين أهلي في قفط بقنا، وتعودت أيضا أن تكون رحلتي عن طريق البحر الأحمر، الذي أبدعت فيه أيادي قواتنا المسلحة، تلك الرحلة التي تبدأ من القطامية والعين السخنة مرورا برأس غارب والغردقة وسفاجا حتي أصل إلي مقصدي، لتبدأ بعدها رحلة الاسترخاء بعد عناء سفر طويل في منزل العائلة بين الأهل والأحباب، وما أن استفيق من حالة الاسترخاء التي مهما طالت أشعر أنها دقائق حتي أجد نفسي مجبرا علي حمل أمتعتي والعودة مرة أخري، ولكن رحلة العودة هذه المرة لم تكن كسابقتها، فلابد ومع انتهاء اجازتي أن أبدأ رحلتي إلي القاهرة يوم 03/6 وما أدراك ما المخاوف التي انتابت الناس من هذا اليوم، ووسط تحذير الاخوة والأهل بعدم السفر في هذا اليوم، خاصة وأنا أقود سيارتي في طريق طويل معظمه يقع فيه البحر يمينا والجبل يسارا، أما عدا ذلك فأنت في صحراء جرداء ولكني تعودت السير عليه مرارا حتي في فترات وهن الشرطة أسير فيه مطمئنا في حضن قواتنا المسلحة، ولكن ما يميزه عن بقية أقرانه الأمن والطمأنينة التي تبثها قواتنا المسلحة في قلوب أبنائها، فهي الحامية للشعب والساهرة علي أمنه رغم المحاولات المستميتة التي تحاول أن تنفذ الخطة الاستعمارية بالوصول بمستوي جيشنا العظيم إلي المستوي الذي وصلت إليه معظم الجيوش العربية. حملنا أمتعتنا داخل سيارتنا وبدأنا رحلة العودة ونحن نعلم أن اليوم هو الميعاد المحدد لانتفاضة الحركات الثورية ضد حكم الإخوان، طمأنت أولادي بأن ثورة يناير نادت بالحرية للاعتراض بطريقة سلمية علي كل ما يراه يعرقل تلك الحرية أو العدالة الاجتماعية، اطمأن أولادي وبدأوا فك الأحزمة.. مرت الرحلة بطولها بسلام إلا من كيلومترات قليلة تفصلنا عن المحروسة، وما أن عبرت المطبات الثمانية الفوسفورية التي تتميز بها القطامية، وجدت أولادي يصفقون التفت فوجدت أنهم لمحوا مدرعة للقوات المسلحة تحمي مدخل مصر.. اخرجوا أيديهم لتحيتهم مقرونة بالدعاء في سعادة بالغة، متلقين ردا أسعدهم أكثر.