عبر هذه المساحة الحلقة الثانية والأخيرة من ملف الاستيلاء علي أراضي الدولة استكمالاً للحلقة الأولي التي نشرت علي صفحات "قلب مصر" الجمعة الماضي.. وفي هذه الحلقة نطوف بالقضية عبر المزيد من القري والمدن المصرية في مختلف المحافظات حيث يتكرر نفس السناريو الهابط تقوده مافيا جديدة تخصصت في الاستيلاء علي أراضي الدولة سواء المملوكة لوزارتي الأوقاف والري أو لمختلف الهيئات الحكومية تحت غطاء من مسئولين فاسدين سهلوا للخارجين عن القانون مهمة تقنين عمليات السلب والنهب باستصدار التصريحات اللازمة والالتفاف علي القوانين وتزوير المستندات، فازدادت المافيا خبرة واحترافاً وتشعباً، وفتحت أبواب العضوية علي مصراعيها في كل شبر علي أرض الوطن لاستقبال أعضاء جدد من الطامعين في الثراء السريع الحرام، فيما وقف القانون عاجزاً ليس فيه من الإجراءات والتشريعات ما يردع الخارجين.. وسجلت كل محافظة عشرات الآلاف من حالات التعدي بمختلف صورها، وأصبح من الصعب تغيير الأمر الواقع وإزالة كل هذه التلال من المنشآت والأبراج التي ارتفعت فوق أرض مغتصبة، كانت فيما مضي ملكاً للدولة التي لم تستطع حماية أملاكها! والحقيقة المؤلمة التي يمكن الخروج بها عبر ما رصدناه في كل محافظات مصر علي مدار حلقتين من هذا الملف الأسود أن السرقات القانونية أصبحت أقوي من القانون وأن قرارات الإزالة التي تكومت بمئات الآلاف ربما أصبح من المستحيل تنفيذ أغلبها بما تتطلبه من دراسات أمنية وقوة قادرة علي حماية عمليات التنفيذ علاوة علي التكلفة العالية وغيرها من العقبات بخلاف الحالات التي مازالت متداولة في المحاكم وتحتاج إلي سنوات قبل صدور أحكام الإزالة يكون المغتصب خلالها قد استكمل تقسيم الأرض وبيعها أو البناء عليها وسكنتها آلاف الأسر البريئة التي ربما تكون قد دفعت كل ما تملك للحصول علي أربعة جدران لا تعلم أنها فوق أرض مغتصبة. من هذا المنطلق فإن القضية تبحث عن حل في اتجاهين أهمهما وأولهما إيقاف هذا النزيف الحاد من النهب المتوالي العشوائي والمنظم سواء باستصدار قوانين وتشريعات جديدة مغلظة مع إحكام الرقابة وسرعة التدخل ومعاقبة الجناة وتطهير المحليات من عوامل الفساد.. وثانيهما: إجراء دراسة دقيقة حول المشكلة والبحث عن مخرج عملي ممكن ولو لحالات التعدي الأكثر إجراماً ومنها استباحة حرمة النيل وردم مساحات من المجري والبناء عليها أو علي الارض الزراعية الخصبة التي كانت ولا تزال مصدراً لطعام المصريين مع حلول مناسبة للحالات التي يصعب إزالتها بحيث لا يخرج المجرم سالماً بجريمته وهو ما يناقض العدل والمنطق. بالقانون سرقة 2000 فدان من أراضي مدينة المنصورة الجديدة قديما قالوا: "المال السايب يعلم السرقة" هذا المثل ينطبق تماما علي ما تتعرض له أملاك الدولة في كافة ربوع مصر .. آلاف الأفدنة المنهوبة وأراض فضاء تم التعدي عليها بالبناء .. عصابات تستعين بعدد من المحامين الذين احترفوا تزوير الأوراق والتدليس علي المحاكم للحصول علي أحكام تغل أيدي المسئولين وترهبهم لمنعهم من حماية أملاك الدولة.. الأخطر من ذلك كله أن هناك شوارع رئيسية وميادين كبيرة يتم التعدي عليها نهارا جهارا ببناء أبراج شاهقة بعدما تأكد الجميع أن سياسة الأمر الواقع فوق كل القوانين. ورغم أن التعدي علي أملاك الدولة ظاهرة قديمة ترجع لعقود طويلة ماضية إلا أنها تفاقمت بعد الثورة في إطار الفوضي التي واكبت التعدي بالبناء علي الأراضي الزراعية. محمود السعيد محسن 41 سنه موظف يشير إلي قدر هائل من التعديات علي أراضي الأوقاف بمدينة نبروه وأن هناك أبراجاً شاهقة ارتفعت علي هذه الأراضي عقب الثورة وتم التعدي علي حملات الإزالة في وضح النهار وفرض الأمر الواقع تحت تهديد السلاح.. وطالب باسترداد أملاك الأوقاف من براثن هذه العصابات وتوقيع عقوبات رادعة عليها. المهندس محمد زكي 36 سنه من المنصورة يشير إلي هذا الكم الهائل من التعديات علي حرم نهر النيل وعلي أراضي الري سواء بمدينة المنصورة أو قرية مين خميس المجاورة لها، بل بلغت الجرأة بالبعض أن يهدد مأخذ محطة مياه المنصورة الرئيسية ويحصل علي أحكام قضائية والذنب بالطبع ليس ذنب القاضي الذي أصدر الحكم بل أن الفساد الإداري هو الذي مكن هؤلاء من الحصول علي مستندات بالتدليس أهلتهم للحصول علي مثل هذا الحكم. السعيد محمد المغازي "كيميائي" من أجا يشير إلي هذا الكم الكبير من التعديات علي معظم طرق المحافظة والاستيلاء علي أراضي الدولة التي تمثل حرم الطرق وهو ما يترتب عليه كوارث يومية علي الطريق حتي أصبحت بعض الطرق بمثابة قنابل موقوته.. وهو ما يتضح من هذا الكم الهائل من الحوادث التي تقع علي هذه الطرق يومياً. عشوائية بمدخل المنصورة محمد "ا. س 51 سنه مدرس" صاحب قطعة أرض بتقسيم الزعفران بالمنصورة يقول: اشتريت قطعة الأرض منذ 3 سنوات عقب عودتي من العمل بالسعودية عندما أكد لي جميع الموجودين بالمنطقة أنها ستدخل الحيز العمراني وأن المخطط الاستراتيجي لها سينتهي خلال أيام حتي أتمكن من استخراج التراخيص اللازمة للبناء وتصورت أنني ستبدأ البناء في غضون شهور أو سنة علي أقصي تقدير لكن للأسف لم يحدث شئ من ذلك وكلما أتردد علي الإدارات الهندسية يكون الرد واحداً وهو عدم انتهاء المخططات الاستراتيجية. ويشير إلي أن المنطقة اكتظت بكل أنواع المباني المخالفة في ظل تجاهل تام من جانب المسئولين وعدم الرغبة في إنهاء المشكلة ولا أعرف متي ستنتهي وأحصل علي الترخيص بعد أن تحولت منطقة من أجمل مناطق المنصورة إلي منطقة عشوائية ويجب محاسبة كل المسئولين الذين أوصلوها لهذا الحد بحجج واهية.. هذا في الوقت الذي تمكن فيه عدد من البلطجية من البناء علي أراضي الدولة دون أن يعترض لهم أحد. تآكل الأراضي الزراعية المهندس سمير أحمد الصي يؤكد أن هناك حجماً هائلاً من المخالفات الواقعة علي الأرض الزراعية وأملاك الدولة بكافة مدن وقري المحافظة تضاعفت بصورة كبيرة خلال فترة الفوضي الأمنية عقب الثورة والأمر يحتاج لعلاج متكامل تشريعي وفني وإداري من خلال رؤية شاملة قائمة علي أسس علمية توازن بين العرض والطلب علي ضوء الزيادة السكانية واحتياجات التنمية العمرانية . وأشار إلي أن المسئولين يضعون رؤوسهم في الرمال ويدركون جيدا أنهم يضطرون المواطنين للمخالفة بعدم إيجاد حلول واقعية لمشكلة ندرة الأراضي بالكتلة السكنية القديمة وعدم توسعة الأحوزة العمرانية بصورة مخططة ومتوافقة زمنيا مع احتياجات المواطنين.. كما أبدي تعجبه من التهاون من بعض المخالفات الصارخة الصادمة بكافة محافظات مصر وتحت أعين جميع المسئولين بالدولة. ويتساءل: إلي متي الانتظار علي هذا الانتشار السرطاني الذي يجرف حق الأجيال القادمة في الحياة ؟ وهل من الممكن أصلا أن نترك لأبنائنا وأحفادنا تلك الثروة العقارية العشوائية شديدة القبح التي تحمل كل صور المخالفات والانتهاك الصارخ للقانون.. ولماذا الصمت علي من تركوهم يقيمون تلك المباني العشوائية.. ومتي يتم استرداد تلك الأراضي المنهوبة؟ إدارة مستقلة للإزالة عبد الرحمن الشهاوي رئيس حي غرب المنصورة يؤكد أن المواطن نفسه مسئول بدرجة كبيرة عن انتشار الفساد بالمحليات والكثير من الجهات الحكومية حيث يسعي لدفع الرشوة ليحصل علي مالا يستحق، من هنا لابد من تشديد العقوبة علي الراشي بجانب المرتشي وفي حالة طلب الموظف للرشوة يجب ألا يستسلم المواطن لذلك بل يجب أن يكون إيجابيا ويلجأ لرئيس هذا الموظف بل لأعلي مسئول إذا اقتضي الأمر حتي يمكن مواجهة هذه الظاهرة ..ويجب أن يكون المواطن إيجابيا وإذا وجد تعديات علي أملاك الدولة في أي مكان يقوم بالإبلاغ الفوري والمتابعة لما يتم حيال تلك المخالفات.. ويطالب بإنشاء إدارة مستقلة بالشرطة بالتعاون مع المحليات لتنفيذ قرارات الإزالة بصورة فورية وعدم التهاون تحت أي ظرف من الظروف في تنفيذ تلك القرارات. وأشار إلي استحالة مواجهة فساد المحليات قبل إصلاح أحوال العاملين بها وإصلاح الخلل الجوهري في دخولهم.. فلا يعقل أن تظل مرتبات العاملين بها أقل مرتبات بالدولة رغم خطورة وأهمية الدور المنوط بهم، وحتي حين خروجهم علي المعاش لا يحصلون علي مكافأة نهاية خدمة تذكر مقارنة بباقي العاملين بقطاعات الدولة المختلفة والمعاش هزيل بحيث لا يجد قوت يومه ولا تكاليف علاجه. تطبيق اللامركزية اللواء أحمد الخميسي السكرتير العام المساعد للمحافظة يشير إلي ترسانة القوانين المتشعبة والمتضاربة أحيانا والتي يجد فيها الكثير من معدومي الضمير فرصة للتعدي علي أملاك الدولة بأشكال وصور متعددة بعضها يمكن التصالح فيه وتقنين أوضاعه والبعض الآخر لابد من إزالته. وأكد علي صدور حوالي 60 ألف قرار إزالة لتعديات بالبناء علي الأراضي الزراعية أو أملاك الدوله أو مخالفات متعددة وذلك بعد الثورة، البعض تم تنفيذه لكن هناك مشاكل كثيرة تواجه إزالة البعض الآخر، مع ذلك نسعي لإيقاف المخالفات وإزالتها في مهدها والأمر يستلزم سرعة إصدار تعديل تشريعي لمواجهة تلك الجريمة بصورة قاطعة وسد الثغرات القائمة في تضارب هذه التشريعات. إسترداد حقوق الدولة المحافظ اللواء صلاح الدين المعداوي أكد خطورة ظاهرة التعدي علي أملاك الدولة والتي تفاقمت خطورتها مع حالة الفوضي الأمنية عقب الثورة وكذا انفجار ظاهرة البناء علي الأراضي الزراعية التي بلغ ما أمكن حصره منها 70 ألف مخالفة حيث تم إزالة 4657 حالة فقط وباقي 64 ألفا و368 حالة بدون إزالة ولا يخفي علي أحد المشاكل التي تواجه إزالة هذا العدد ورغم ذلك فإننا نبذل جهودا خارقة لمنع المزيد من المخالفات ولولاها لتضاعف حجم الكارثة. أما الذي أمكن حصره من التعديات علي أملاك الدولة فيقدر بحوالي 300 ألف متر مربع في أماكن متفرقة و400 فدان بالساحل الشمالي و2000 فدان بموقع مدينة المنصورة الجديدة و1592 حالة تعد علي جسر نهر النيل و4000 حالة تعد علي أراضي الأوقاف ومعظمها مشاكل متراكمة نسعي لاستعادة حقوق الدولة في هذا المضمار مؤكدا بأنه لن يتهاون في التعامل مع من يتعدي علي متر واحد من أراضي الدولة. وضرب المحافظ المثل بإزالته للتعديات علي مساحة ال2000 فدان بموقع مدينة المنصورة الجديدة وما واجهه من صعوبات وملاحقات قضائية لكن كل ذلك لم يثنه عن استرداد حقوق الدولة.. وطالب المحافظ بسرعة إصدار تشريع يغلظ عقوبة التعدي علي أملاك الدولة ومخالفات البناء بجعلها عقوبة مخلة بالشرف سواء لمن يرتكبها أو من يسهلها من الموظفين لتكون بمثابة عقاب رادع لمن تسول له نفسه ارتكابها.