مواجهة التعديات بالإزالة لاتكفى! تصاعدت في الآونة الأخيرة وبشكل لافت حالات التعدي علي الأراضي الزراعية بمختلف المحافظات ، حيث الانفلات الأمني وانشغال كوادر الدولة بالشئون السياسية دون الالتفات إلي هذه الكارثة التي تعد بمثابة قنبلة موقوتة تتراجع فيها رقعة الأراضي الزراعية والمحاصيل والغذاء ، حيث نصت آخر التقارير الرسمية التي أصدرها مجلس البحوث الزراعية والتنمية أن مصر تفقد أكثر من 30 ألفا و509 أفدنة سنويا من رقعتها الزراعية . وطبقا للتقرير الصادر عن الإدارة المركزية لحماية الأراضي التابع لوزارة الزراعة، فإن إجمالي مساحات الأراضي الزراعية التي جري التعدي عليها بالبناء، قبل ثورة 25 يناير، بلغ 101 ألف و777 فدانا، بينما جري التعدي علي 17 ألف فدان بعد الثورة، في حين بلغت المساحات التي حولت إلي مشروعات عامة خاصة قبل الثورة أكثر من 50 ألف فدان، بدلا من محاولة تنفيذها خارج الوادي والدلتا، لحل مشكلة التكدس السكاني، وتحقيق التنمية الاقتصادية والعمرانية بالمناطق الجديدة. وأوضح التقرير ارتفاع نسبة التعديات علي الأراضي الزراعية إلي 652 ألفا و901 حالة، بزيادة 8 آلاف و580 حالة عن منتصف شهر ديسمبر الماضي، بإجمالي مساحة بلغت 27 ألفا و529 فدانا، بينما لم تنجح الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع أجهزة الرقابة بوزارة الزراعة، سوي في إزالة التعديات علي 3 آلاف و846 فدانا، من إجمالي مساحات الأراضي الزراعية التي تم التعدي عليها. وكشف التقرير أن محافظة البحيرة جاءت في المرتبة الأول، حيث بلغ عدد حالات التعدي علي الأراضي الزراعية 84 ألفا و911 حالة، تليها محافظة المنوفية ب 80 ألفا و509 حالات، ثم محافظة الشرقية ب 67 ألفا و590 حالة. كما أن التقارير الرسمية تفيد بزيادة حالات التعديات علي أراضي الدلتا ووادي النيل إلي 653 ألف حالة، منذ اندلاع ثورة 25 يناير، في مساحة 27 ألف فدان، بينما قدرت المصادر عدد حالات التعدي علي الأراضي الصحراوية المملوكة للدولة بأكثر من 400 ألف حالة، ليصل إجمالي حالات التعديات إلي أكثر من مليون حالة، بمساحة تقترب من مليون فدان بالأراضي الزراعية والصحراوية. وطبقا لإحصاءات وزارة الزراعة، فإن معدل التعديات علي الأراضي يرتفع خلال فترات الانتخابات البرلمانية والرئاسية، استغلالا للوعود الانتخابية بحل مشاكل مخالفات التعديات، سواء بتشريعات برلمانية أو قرارت وزارية، بالإضافة إلي استغلال الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد في استمرار التعدي علي الأرض الزراعية، الذي يجني صاحبه أرباحا خيالية من تحويلها إلي مبانٍ. قالت مصادر رسمية بوزارة الزراعة مؤخرا إن 6 وزارات هي الزراعة، والإسكان، والعدل، والكهرباء، والتنمية المحلية، والمياه والمرافق، تقوم حاليا بإعداد مشروع قانون لتجريم التعديات علي الأراضي الزراعية وأراضي الدولة بالمناطق الصحراوية، ومصادرة أراضي المخالفين لمدة يحددها القانون لمنع تكرار المخالفة. وصرح الدكتور صلاح عبدالمؤمن، وزير الزراعة، إنه يجري حاليا تشكيل لجان فنية وقانونية تضم الوزارات المعنية بالأراضي، لوضع مشروع قانون لتجريم التعديات علي الأراضي الزراعية أو جهاز شرطة مختص بالتعديات، لافتا إلي أن الوزارة شكلت لجانا معاينة لحصر جميع المساحات المتعدي عليها، سواء في القري الريفية أو الأراضي الصحراوية، وتفعيل قرارات الإزالة الفورية بالتعاون مع الأجهزة المعنية. وشدد الوزير علي ضرورة توعية المزارعين بالحفاظ علي الرقعة الزراعية، وعدم التعدي عليها بالتبوير والبناء، لأنها تهدد بتآكل الرقعة الزراعية، والاقتصاد الزراعي. وقام مجلس الشوري بتشكيل لجنة ثلاثية من وزارات الزراعة والداخلية والتنمية المحلية للبدء في المتابعة الفورية لإزالة التعديات علي الأراضي الزراعية علي مستوي الجمهورية ، وتشكيل لجنة عليا يصدر بها قرار من رئيس الوزراء خلال الفترة القادمة. وصرح المهندس السيد حزين رئيس اللجنة إن الحفاظ علي الأراضي الزراعية هي مسألة أمن قومي لأنها ملك للأجيال القادمة التي ستلعننا إذا تركنا ثرواتهم تهدر أمامهم ، لافتا إلي أن بعض العاملين بالمحليات والمشرفين الزراعيين يتهاونون في الحفاظ علي الرقعة الزراعية ويسمحون بالتعدي بشكل سافر عليها". وشدد حزين علي أن استصلاح الأراضي الصحراوية لن يعوضنا عن الأراضي الزراعية القديمة التي تكونت عبر الآلاف السنين ، مشددا علي أهمية التنسيق فيما بين الوزارات المختلفة لمتابعة إزالة التعديات مطالبا وزارة الزراعة بإرسال تقرير أسبوعي عن موقف التعديات علي الأراضي الزراعية وما تمت إزالته أسبوعيا، حتي يتسني للجنة الزراعة متابعة ما يتم ومساعدة وزارة الزراعة في إصدار أي قرارات من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية . ومن جانبه يقول محمد عبد القادر نقيب الفلاحين إنه لابد من اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية حيال التعديات التي تقع علي الأراضي الزراعية فور حدوثها بتطبيق القانون وتحرير محاضر المخالفات للمتعدين، ويتم إخطار أجهزة الشرطة بالمحافظات لتحريك الدعاوي القضائية ضد المخالفين، ويتم إخطار الوحدات المحلية طبقا لنص المادة 60 و61 من قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008 حيث إنها الجهة المسئولة عن التخطيط والتنظيم وذلك بالتنسيق مع الأجهزة المعنية بالمحافظة وحماية الأراضي لسرعة إزالة هذه التعديات. وأشدد علي أهمية متابعة التعديات علي الأراضي الزراعية بالمحافظات مع وضع برنامج زمني لإزالة التعديات علي الأراضي الزراعية علي مستوي المحافظات وإخطار السادة سكرتيري عام المحافظات وكذا مديريات الزراعة وذلك لإخطار الحكم المحلي لسرعة استصدار قرارات الإزالة وتنفيذها قبل تطور المخالفة، وفي هذه الحالة يتم إخطار الإدارة العامة لشرطة المسطحات باعتبارها الجهة الأمنية لمساندة حملات الإزالة التي تتم مع الإخطار والتنسيق مع جهاز تحسين الأراضي للمساهمة بالمعدات المستخدمة في الإزالات. كما أطالب بسرعة إصدار قرار جمهوري لوقف التعديات علي الأراضي الزراعية وتجريمها وحماية الرقعة الزراعية من التعديات ، وتشكيل لجنة عليا لوقف التعديات علي الأراضي فورا وتحديد الأحوزة العمرانية للقري والمدن لمعاقبة المتعدين عليها . وأيضا يجب تشديد الرقابة علي المشرفين الزراعيين وتحديد الغرامات التي يتم توقيعها علي المخالفين وفقا لحجم التعدي والمساحة وسرعة تحصيلها وذلك للحصول علي معلومات واقعية عن حجم التعديات علي الأراضي الزراعية وسرعة استصدار تعديل تشريعي لتغليظ العقوبة علي المخالفين، والتوعية بالخطب والدعوة للناس في المساجد والكنائس ودور العبادة ,وكذلك الندوات واللقاءات التي تم تنظيمها مع الأهالي وأعضاء مجالس الإدارات الزراعية وغيرها من الجهات المختصة. ويقول أسامة البهنساوي أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر إن ما يحدث في هذه الفترة الحرجة والأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد، وظاهرة التعدي علي الأراضي الزراعية سواء بالبناء، التجريف، أو بأي شكل وصورة أخري، وتعد هذه الظاهرة، جريمة في حقِّ الوطن والأجيال القادمة وبداية نشأة أكبر معدل نمو للمجتمعات العشوائية في تاريخ مصر. كما سيتأثر وضع الاقتصاد القومي وحالات الاستيراد والتصدير وتواجد وتوافر المحاصيل الزراعية والسلع الأساسية، وانعدام فرصة البلاد من الاكتفاء الذاتي والإنتاج. ويضيف أن التعدي علي الأراضي الزراعية يشكل خطرا كبيراً علي المدي البعيد حيث أنه إذا كان كل فدان يكفي لإعاشة 10 مواطنين وكانت التقارير الأخيرة رصدت خلال الأعوام العشرة الأخيرة أن مصر فقدت نحو 350 ألف فدان من أخصب أراضيها الزراعية، فبحسبة بسيطة يكون أكثر من 3500 ألف نسمة مهددين بعدم وجود غذاء. وفي ذلك تهديد لمستقبل مصر الغذائي، لذلك يجب عمل إثبات حالة لكل مخالفة، مع ضرورة تفعيل العقوبات للمخالفات، وسرعة النظر في قضايا التعديات علي الأراضي الزراعية وتشكيل لجان شعبية ومجموعات عمل في كل محافظة من أجل حصر جميع الحالات ومحاسبة مرتكبيها. كذلك يجب التشديد علي شركات مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء بعدم توصيل أي مرافق لكل المباني المخالفة نهائيا لحين اتخاذ الإجراءات القانونية تجاهها. من جانبه يقول أحمد الخطيب رئيس قسم الاقتصاد الزراعي بمعهد البحوث الزراعية إن مصر تخسر سنويا، بسبب التعديات علي الأراضي الزراعية، ما يربو عن 30 ألف فدان، ونحن لم نتجنب مثل هذه الأفعال غير عن طريق تفعيل دور الأجهزة الرقابية لوضع حد لهذه التعديات، حتي لا تواجه مصر أزمة غذائية بسبب تآكل الرقعة الزراعية، والزيادة السكانية الكبيرة خلال السنوات الماضية. كما إن استمرار معدلات التعدي علي الرقعة الزراعية المصرية التي لا تتجاوز 9ملايين فدان، مع التزايد المضطرد في عدد السكان يعني تضاؤل نصيب الفرد ليرجع إلي أقل من قيراطين، وهي مساحة لا تكفي لسد احتياجاته بأي حال من الأحوال، مطالبا الرئيس بأن يضع ملف التعديات علي رأس اهتماماته خلال المرحلة المقبلة. وعلي هذا الحال فإن مصر تفقد 4 أفدنة في الساعة من أجود الأراضي الزراعية، يتم تحويلها إلي مبان وطرق، وهو ما يعني أن حوالي 300 ألف مصري يفقدون سنويا مصدر غذائهم، وأن البلاد فقدت خلال ال18 يوما الأولي من الثورة حوالي 6400 فدان. وبذلك فإن ظاهرة التعدي علي الأراضي الزراعية تمثل مصيبة كبيرة، حيث تتآكل سلة طعام المصريين يومًا بعد الآخر ولا يمكن تعويض هذه الأراضي، مشيرًا إلي أنها تمثل ثروة قومية ولا يمكن استبدال أراضٍ صحراوية بأراضٍ خصبة ،فمصر خسرت خلال عامين من أراضٍ زراعية ما يفوق ما فقدته خلال سنوات طويلة، كنتيجة طبيعية للانفلات الأمني وغياب البيانات الدقيقة عن حجم الأراضي التي تعرضت للاعتداء وتضارب أرقام الحكومة عنها.