نكتب بالدموع وبالدماء، في هذه اللحظات التي يختلط فيها كل شيء بأي شيء، وتري الناس حياري متعبين، قلوبهم واجفة ونفوسهم حسرة كما تكون الحسرة عصرا لما في الصدور، نكتب ونحن نبحث عن دولتنا التي كانت لها الهيبة والقامة، فلا يتجرأ عليها هارب من الأيام في الداخل أو عدو أو مارق يحاول اقتحام حدودنا من الخارج، فهل نحن أمام نفس الدولة وقدرها الكبير بالرغم من عبث الفاسدين السالف، وهل قامت الناس غاضبة عليهم سدي وهباء؟! لقد ضللنا الطريق بما تعنيه الكلمة، ودخلنا إلي حيز الفوضي الذي يتسع يوما وراء يوم، وصحونا من سبات عميق علي نوبات اغراق مجنونة لبلدنا من سلاح ومخدرات، لا قبل للشعب بها، وبنفس النوبات رأينا جهارا كيف تحولت الحرية إلي مفهوم آخر مؤلم وحالة محمومة من العنف وسفك الدماء والاختطاف والسلب والنهب، وأصبح الواقع هو عنوان الحقيقة، إذ نشطت عصابات تحمل السلاح لتحمي تجارة المخدرات أو تحمي تجارة مشبوهة أشد نكالا من المخدرات، وها نحن نري كيف اهتزت الدولة ولم تعد قادرة علي تحديد قتلة جنودنا علي الحدود في رمضان، أو استعادة المختطفين علي غرار التنوع في أساليب إهانة القوة التي ينبغي لها أن تحمي الدولة من اطرافها وفي أعماقها. لقد كنا نتصور أن الأمور أهون من ذلك بكثير، وأننا أمام أعداء واضحين محددين، نستطيع في أي وقت دحرهم إذا اجترأوا ومسوا أمن مصر، فإذا بنا أمام أشباح تكالبت علينا من كل حدب وصوب، قطاع طرق ولصوص دول وتاريخ، ينقضون علي روح مصر يهتكون عرضها بلا هوادة، وأصبحت القضية أكبر من مجرد حوادث قتل واختطاف لجنود يمثلون هيبة الدولة، وكرامة قواتها المسلحة، إنما هي عملية تتجاوز ذلك إلي تحويل وطن بعمر الزمن إلي أرض مشاع يفد إليها السفاحون والقتلة، ويتخذونها وكرا ويقطعون أوصالها كما يشاءون، إننا نموت ولا يتم ذلك إلا فوق جثث الملايين المصريين البسطاء الانقياء الذين لم تلوث ضمائرهم الاطماع الدنيوية الرديئة. الاستهانة بمن يا معالي الوزير؟! هذا هو عنوان المقال الذي كتبته بجريدة «الأخبار»، في 91/8/7002 وكان يرأس تحريرها آنذاك، الأستاذ محمد بركات، الذي نشر المقال وبه هجوم عنيف علي وزير الثقافة وقتها، بسبب دفاعه عن سكرتيره اللص، ولذا فقد لزم أن أنوه بموقف سجلناه في حينه، ولم يسكت عليه الضمير، وقد ملأ الفساد علينا حياتنا، وما كانت وزارة الثقافة بمنأي عن ذلك. يا هول ما نعيش من أيام المسافة التي تفصل بين قلبي وقلبك.. هي نفسها التي مزقتها وقت أن كانت الكتابة صلاة وابتهالا.. يا وجعي الذي دفنوه في الرمال.. واطلقوا علي نور عشقنا الغل والظلام.. ليقتلوه غيلة بأقبح الخصال.. دميمة عليك هذه الوحوش يا بلادي.. غريبة ملامح الغيطان والوديان.. كئيبة بوجهك الذي أضاء الكون هذه الأوحال.. مسافة تزيد بالأميال وقلب الجريح لم يعد يبوح بالأوجاع.. مسافة تقطع الأرحام والأوصال.. وتفصل الانسان عن أخيه.. وأمه وأبيه.. وصاحبته وبنيه.. لكل امريء منهم شأن يغنيه.. يا هول ما نعيش من زمان.. يطيح بالمحبة.. ويمحو ما تبقي من خواطر الآمال.