يبقي مهرجان »كان« السينمائى متألقاً وسط كم كبير من المهرجانات الدولية، والإقليمية، والمحلية، حيث يحظى بمكانة خاصة لدى أغلب صناع الأفلام، وتكمن أهميته القصوى فى أنه جعل العالم كله يتكلم لغة السينما، بل لايخفى على أحد أنه أصبح من خلال عرضه لأفلام مخرجين مضطهدين فى بلادهم، بوابة العبور إلى الحلم ولفت الانتباه لمشاكل ومتناقضات المجتمعات الانسانية والدفاع عن الحريات، ويبقى البعض القليل الذى يعتبره غابة «لا إنسانية» تستنزف كل قوى الزائر نظرا لعدد مرتاديه الذين يفوقون الثلاثين ألفاً، من وسائل إعلام، إلى السوق، وصانعى الأفلام أنفسهم، بالإضافة إلى البرامج الكثيرة المتعددة، وانتهاء بصرخات وتهاليل العامة الذين ينتظرون لحظات رؤية نجومهم المفضلين من على بعد قاس. فما الذى نتوقع ان تحمله لنا دورته ال «66»، وهل يمكن المراهنة بالفعل على دورة استثنائية تبدأ فعالياتها بعد أيام وتستمر حتى 25 من الشهر الجاري، تم حشد برامجها المختلفة (المسابقة الرسمية، وقسم «نظرة خاصة»، و «نصف شهر المخرجين»، و «أسبوع النقاد»، ومسابقة الأفلام القصيرة، و «السينى فاونديشن»)، بأهم عروض الأفلام التى تكشف المواهب السينمائية الجديدة، أو تعيد وتكرر الأسماء الكبيرة ذاتها، التى تحرص سنوياً على أن لايفوتها هذا العرس السينمائي، بالتأكيد هناك الكثير مما يمكن توقعه إيجاباً بمجرد التنقل ما بين تلك الأقسام ومعرفة الأفلام والأسماء التى تشملها، ولكن هل هى كذلك؟ ربما ستكشف الأيام المقبلة الكثير. ومثل كل سنة، يبدأ «كان» بتوقعات وأحلام كبيرة، ثم لاتلبث أن تنطفيء فى الليلة الأخيرة. لكن تبدو هذه الدورة مغايرة عن سابقتها، فهناك حضور كثيف للسينما الأمريكية يأتى فى مقدمته المخرج ستيفن سيبلبرغ أهم صانع للأفلام فى هوليوود، والذى يرأس لجنة تحكيم المسابقة الكبري، والتى تشهد أربعة اختيارات أمريكية متميزة، حيث ينافس للمرة الثانية مع فيمله «نبراسكا» أليكسندر باين، المخرج والكاتب الذى حصد أوسكار أفضل سيناريو مرتين، ويعود نيكولاس وبندينغ ريفين مع فيمله «فقط يغفر الله» وهو يضع عينه على السعفة الذهبية بعد أن حصد جائزة أفضل مخرج عن فيلم «قيادة» عند مشاركته الأولى قبل عامين، بينما يطمح المخرج جيمس غراى فى منافسته الرابعة على الجائزة، وعن خمسة أفلام فقط فى مسيرته، أن يحصد جائزة عن فيلمه «المهاجر»، خصوصاً مع طاقم رفيع المستوى يقوده جواكين فينيكس وماريون كوتيارد، ويأتى الاختيار الأمريكى الأخير تكريمياً بحتاً، من خلال فيلم «خلف الشمعدنات» بطولة مايكل دوغلاس ومات ديمون، وذلك لكونه الفيلم الأخير للمخرج ستيفن سودربيرغ الذى أعلن اعتزاله السينما بعد وصوله إلى الخمسين، وكان واضحاً أن اختياره أقرب لاحتفاء المهرجان بمسيرة الرجل الذى فاز بالسعفة الذهبية فى أول أفلامه «جنس، أكاذيب، وشريط فيديو» عام 1989، لتكون البداية والخاتمة من «كان». وتبقى المشاركة الفرنسية فى المسابقة الرسمية كالعادة عامرة بالكثير من الأفلام والأسماء المخضرمة، حيث يعود من جديد المخرج الفرنسى الشهير رومان بولانسكي، أحد أكبر المخرجين فى تاريخ السينما، وللمرة الأولى منذ فوزه بالسعفة الذهبية قبل 11 عاماً عن فيلمه «عازف البيانو»، مع فيلمه الجديد «فينوس فى الفراء»، وعلى الرغم من التوعك الذى يصيب مسيرة بولانسكى بين الحين والآخر إلا أنه يظل اسماً كبيراً وقادراً على إخراج أفلام عظيمة فى أى وقت، ومن ضمن الإنتاجات الفرنسية الأخرى فيلم «الماضي»، من إخراج الإيرانى أصغر فرهادي، الذى توج بالأوسكار قبل عامين عن عمله الرائع «الفصال»، ليقرر بعدها تقديم فيلم بانتاج أوروبي، لما يحمله من دلالة على صعوبة ما يتعرض له داخل إيران من حصار، وكذلك فيلم «الأزرق لون دافيء» للمخرج التونسى عبداللطيف كشيش الذى يأمل أن يقتنص وأمريكا يشارك اليابانى تاكيشى ميكى للمرة الثانية فى المهرجان عن فيلمه «درع سترو»، واليابانى الآخر كورى إيدا هيروكازو للمرة الثالثة وعن مواضيع العائلة نفسها التى تشغله دوماً فى سينماه مع فيلم «مثل والده، مثل الابن»، والصينى جيا زانكى للمرة الثالثة أيضاً من خلال فيلم «لمسة من الخطيئة»، بينما يمثل السينما الأفريقية المخرج التشادى الكبير محمد صالح هارون عن فيلم «السحر»، وذلك بعد أن فاز بجائزة لجنة تحكيم عن فيلمه السابق «صرخة رجل» عام 2010. ويتضمن المهرجان مسابقة ذات أهمية خاصة وهى للأفلام القصيرة، والتى يتنافس خلالها 9 أفلام منها فيلم فلسطينى عنوانه «واقى ضد الرصاص» إخراج الأخوين محمد أبوناصر وأحمد أبوناصر، وفيلم إيرانى عنوانه «أكثر من ساعتين» إخراج على أصغري، كما تضم المسابقة نفسها فيلمين فرنسيين وفيلم يابانى وفيلم من كوريا الجنوبية وفيلم بلجيكى وآخر بولندى وآخر دانماركي. واللافت للنظر هذا العام، هو تراجع المشاركة العربية واختفاء المشاركة المصرية تماما، بالمقارنة بالعامين الماضيين، وتأتى مشاركة المخرج الفلسطينى هانى أبوأسعد بفيلمه «عمر» ليكون بين المتنافسين فى القسم الثانوى «نظرة خاصة»، ليمثل المشاركة العربية الوحيدة التى يمكن القول عليها (ذر رماد فى العيون درءاً للحسد)!، ويتناول فيلم «عمر» قصة أصدقاء طفولة ثلاثة وامرأة شابة يفرقهم نضالهم الفتاك من أجل الحرية، ويعد هو أول فيلم تموله صناعة الأفلام الفلسطينية الصاعدة بالكامل، وستكون هذه مشاركة هانى أبو أسعد الأولى فى مهرجان كان، وذلك بعد نجاح فيلميه الروائيين السابقين، «الجنة الآن» عام 2005 وفيلم «القدس فى يوم آخر» و»عرس رنا» عام 2002، ومن ثم تأتى اختيارات عام 2013 لمهرجان كان السينمائى لتؤكد هيمنة قوة الإبداع الإنسانى الحقيقى بعيدا عن أى خلل قد يخرب جمال هذه التظاهرة، التى أتمت زينتها لاستقبال فرسان السينما من أرجاء العالم.