نجحت ثورة الشعب.. والحمد لله.. لكن.. حتي الآن.. لم نصل لمرحلة الاستقرار الكامل وهذا أمر طبيعي يحدث في اعقاب كل ثورة.. إلا ان النجاح الكامل لكل ثورة من الثورات يرجع إلي سرعة الوصول إلي نقطة الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية بشكل كامل، وهو مالم يتحقق لثورتنا المصرية حتي الآن.. نعم امامنا وقت قد يصل الي عدة سنوات، لكن حتي لاتزيد هذه السنوات إلي الحد المقلق فلابد من أن تظل عجلة الانتاج دائرة وان يتحول كل إنسان من مرحلة الاستهلاك والمشاهدة والكلام إلي مرحلة الانتاج والعمل والمشاركة الفعلية في بناء هذا الوطن.. وهذا -ايضاً- لن يتحقق إلا إذا منحنا القوات المسلحة الفرصة الكاملة لتتفرغ لإعادة الاستقرار وبناء الإصلاحات السياسية دون ان نشغلها ونشاغلها بمطالبات يومية أقل أهمية من الاهداف العامة التي تهدف في النهاية إلي مجتمع ديمقراطي حر بلا فساد أو مفسدين. ودون ان نشغلها أو نشاغلها بحفظ الأمن الداخلي، وأقصد الأمن الجنائي بكل معانيه وحذافيره فهذه لم ولن تكون مهمة قواتنا المسلحة الباسلة التي تحمي حدودنا.. وتحمي ثورتنا.. وتقوم الآن بأكبر عملية تطهير لمجتمع عشش فيه الفساد واستوطن! الاقتصاد المصري لن ينهض إلا اذا ساد الأمن وملأ ربوع البلاد.. الاستثمار لن يتشجع إلا إذا تلاشت كل المخاوف الأمنية.. رجل الشارع في مصر لن ينطلق في مهامه الوطنية الجديدة اذا شعر للحظة واحدة أنه خائف من شيء ما!.. ولهذا فإن علي اجهزة الأمن دور لا أبالغ ان قلت انه من أخطر الأدوار الوطنية في المشهد السياسي الحالي.. ولا ابالغ ان قلت ان الافراط والاسراف في الهجوم علي ضباط وجنود الداخلية سواء في الإعلام أو سبهم العلني في الشوارع والطرقات لن يكون في مصلحة هذه الثورة المباركة لاكثر من سبب: أولا: رجل الأمن الخائف لن يمكنه ان ينزع الخوف من قلوب الناس وهي مهمته الاساسية.. لان فاقد الشيء لايعطيه!! ثانيا: القوات المسلحة تريد العودة الي ثكناتها العسكرية بعد انتهاء الستة شهور، ولن يمكنها البقاء في حراسة المنشآت الهامة إلي ما لانهاية!.. وبالتالي لن يكون هذا في مصلحة الثورة اذا طالت المدة المتفق عليها!. ثالثا: الثورة تريد إعادة مصر اقوي مما كانت لتحتل دورها القيادي الاقليمي والدولي.. ولايمكن ان تصل دولة إلي هذه الدرجة وشعبها فاقد الثقة في جهازه الأمني! إذن ما هو الحل حتي يكتمل نجاح الثورة في تحقيق اهدافها؟! الإجابة لاتحتاج إلي فلاسفة أو منظرين أو من لهم مواقف مسبقة مع اجهزة الأمن.. نحن في موقف تاريخي ولحظات فارقة وثورة صارت حديث العالم كله.. والحل كما أراه يتلخص في نقاط محددة. بناء الثقة فورا بين الشعب وجهاز الشرطة قبل البدء في الحديث عن أمور أخري قد تعطل الإستقرار المنشود حتي لو كان هذا الحديث بحسن نية، لان حماية الوطن من الداخل هو اللبنة الأولي في بناء مجتمع جديد. تطهير المؤسسة الأمنية جنباً الي جنب الإصلاحات السياسية ودون إبطاء أو رعونة.. وكلما احيلت قيادة أمنية سابقة إلي التحقيق بتهمة تعذيب أو أهانة مواطن أو تلفيق تهمة له أو التنصت علي حياته الخاصة أو اعتقاله بلا مبرر، كلما نجحت الجهود في إعادة الثقة بين الشعب والشرطة. منح الفرصة الكاملة للسيد محمود وجدي وزير الداخلية الجديد الذي توافرت فيه كل الصفات المطلوبة لقيادة الأمن في مصر بعد الثورة، فقد عاني محمود وجدي وحاربوه وأبعده حزب اعداء النجاح في وزارة الداخلية السابقة التي خدعتنا جميعاً ثم طفح فسادها حتي زكمت رائحته الأنوف.. لابد ان تتاح كل سبل النجاح للسيد محمود وجدي الذي يعرف أكثر من غيره حجم الفساد الذي كان موجوداً في عهد الوزير السجين حبيب العادلي!.. انه أول وزير للداخلية في مصر يأتي من الأمن العام وليس من أمن الدولة ولهذا فهو الشخص المناسب حالياً لإعادة الأمن الداخلي ومقاومة الخارجين عن القانون من بلطجية وفوضوية وعصابات مخدرات وأتاوة وفرض سيطرة وترويع المواطنين وسرقة بالاكراه.. وغيرها من اشكال الأمن الجنائي!.. بالإضافة الي تجربته الرائدة في قيادة مصلحة السجون وهو النجاح الذي فرض عليه الوزير السابق تعتيما مقصوداً خوفاً من أن »يلمع« اسم محمود وجدي أكثر مما كان يرجو الوزير السابق وحاشيته! .. دعونا نراقب ما سيفعله وجدي في الستة شهور القادمة ثم ليقل كل من يريد الحديث الآن رأيه بموضوعية وشفافية .. أما الأنشغال الآن بالحديث عن الماضي فلن يفيد وانما سوف يضرهذا الوطن.. حاسبوا وجدي اذا لم يستأصل الفاسدين.. واذا حدثت في عهده تجاوزات.. وإذا لم تعد للمواطن كرامته وآدميته المهدرة.. واذا لم تعد للشرطة هيبتها واحترامها دون مساس بالحريات الشخصية.. وثقتي كبيرة في ان الرجل سوف ينجح اذا منحناه هذا المناخ فالرجل لم يسعي يوما الي هذا المنصب وانما تولاه في ظروف بالغة الصعوبة .. وهو يؤمن بالعمل الميداني.. ويريد ان يعمل بعيداً عن قانون الطواريء.. ولايعرف الكبرياء والتعالي والتكبر والتجبر كوزراء الداخلية السابقين!.. لكن نجاح الرجل مرهون بعودة الثقة بين الداخلية والمواطنين.. وهي مسئطولية الشعب كله! مصر أبقي من الاشخاص.. لكن مصر تحتاج الي اشخاص اقوياء وشرفاء وليس لهم هدف في المرحلة الحالية سوي ان تستقر الاوضاع وتنجح الثورة في الوصول بالوطن إلي المكانة التي يستحقها عربيا وافريقيا وعالمياً.. .. دعونا نتقدم للأمام.. .. وفي نفس الوقت نطهر انفسنا من وساخات الماضي القريب الذي بلغ من العمر ثلاثين عاما! حمام الثورة! مصر تتطهر.. مصر تغتسل في حمام الثورة من فساد ووساخات علقت بجسدها الطاهر وهي أسيرة عصابة من عصابات النهب والسلب وتدمير الشعوب! مصر سعيدة بثورتها.. لكنها حزينة علي ما حدث لها طيلة سنوات احتل فيها الحرامية خشبة المسرح السياسي، وازاحوا الشرفاء، ونصبوا أنفسهم قضاة.. وهم اللصوص! مصر الآن تفتح عيونها كل لحظة علي قصة فساد جديدة.. مليارات منهوبة.. ملايين مسروقة.. وحكايات لم تخطر ببال صناع الأساطير ومؤلفي روايات الخيال! كنا ندخر من قوتنا لندفع الدروس الخصوصية ونسدد فواتير الكهرباء وندفع الأقساط والديون حتي فكر كثيرون في الهجرة من أرض الوطن بينما كان اللصوص ينهبون المليارات والملايين ومعظم أبناء الشعب يبحث عن ألف جنيه حلال يشترون بها الطعام والملبس! الثورة أعادت لملايين المصريين الأمل.. والثقة في المستقبل