استعير اسم مسلسل صديقى الحبيب الغائب عبقرى الدراما المصرية أسامة أنور عكاشة.. لأتذكر طعم الشهد الذى أحلم به لوطنى.. والدموع التى تملأ قلوب الكثيرين خوفا على ضياع روح مصر وقلبها الحى. حدثتنى ايمى صديقتى السكندرية أن قلبها ظللته الكآبة وهى قادمة من الاسكندرية حين رأت الأهرام.. وتساءلت مقهورة.. هل يباع الهرم؟ وامتد سؤالها هل تباع مصر قطعة قطعة؟ بكت ايمى فأدهشتني.. كما يدهشنى يأس الكثير من أصدقائي.. ويبدو أن دهشتنا متبادلة.. فأنا شديد التفاؤل.. بل واعمل بشراهة عجيبة كتابة واخراجا للمسرح فى انتظار الميلاد القادم للوطن. أشعر بهذا التفاؤل ومخاضه المدوى فى عيون الشباب الذى يلقى بنفسه فى خضم الدخان الخانق والنار وطلقت الخرطوش دون أن يهتز. فى قلوبهم التى تبدو كأنها لا تهاب الموت.. وكلما زاد عدد الشهداء زادت ضراوة المقاومة.. منذ عامين كان من يخرج للتظاهر يقولون عنه أحمق أو مجنون مستغنى عن عمره ثم فجأة.. عمت الحماقة.. وانتصر الجنون.. فحدث تغيير عميق فى مزاج الشعب المصرى.. أصبح بين ليلة وضحاها.. شعبا سياسيا. نتجمع أيام العيد فى بيت أمى أنا وفايزة كمال زوجتى الحبيبة وأولادى الصغار ليلى ويوسف ونشتبك مع أخواتى الأربعة الذين كانوا لا يطيقون السياسة ويعاتبوننى دوما على تاريخ اعتقالى سياسيا ثلاث مرات.. تندلع بيننا حوارات سياسية محملة بوعى مدهش.. واصرار على المقاومة أكثر دهشة. دفعنى هذا لاتأمل كيف تغير الناس.. كيف أصبح أقلهم ثقافة واهتماما بالشأن العام يناقشون الاعلان الدستورى المشبوه.. والتروماى الجاثم على صدورنا أعلى المقطم.. ومحاولة الاخونة التى تثير الضحك.. فأدرك كم أن هذا الشعب بما ورثه من جينات آلاف السنين من الحضارة المضيئة.. بموجات الاستعمار التى كسرها وعبر آلامها.. بمقاومته الصامتة دائما والمدوية أحيانا.. بالنكتة.. والصرخة والإيمان الحقيقى.. هذا الشعب عصى على الانهزام.. فأدعوا أصدقائى الذين يقهرهم اليأس وتغلبهم الدموع أن يقلبوا فى كتب التاريخ.. فليتذكروا كيف قاومت بورسعيد فى 56 كانت السماء تمطر جحيما والرجال والنساء يلقون بأنفسهم أمام دبابات الانجليز ليمنعونهم من التقدم داخل المدينة.. كان المسيحيون بجانب المسلمين صفا صلبا واحدا يتلقون الموت والشهادة ببسالة مرعبة.. وهم يمسكون بالسلاح لأول مرة فى حياتهم.. وعندما تقدمت جيوش اسرائيل لضفة القناة فى 67 تركنا جامعاتنا فى عز الامتحانات وحملنا البنادق الآلية والقينا بأنفسنا فى مواجهة العدو.. لم نفكر لحظة كيف سنموت وانما بكينا خشية الا ننال الشهادة.. وأنا هنا احكى عما رأته عيناى وعاشه قلبى.. هذه هى مصر التى عرفتها.. ونظرة عابرة لتاريخنا ستصفع الواهمين بحقيقة واحدة.. مصر.. لا تهزم.. أبدا.. مصر لا ينال منها أحد.. مصر التى قال فيها عمنا صلاح جاهين.. مصر السما الفزدقى وبياعين الفل ومراية بهتانة ع القهوة ازورها واطل والقى النديم طل من مطرح ما انا طليت والقاها برواز معلق عندنا فى البيت فيه القمر مصطفى كامل حبيب الكل المصرى باشا بشواربه اللى ماعرفوا الذل ومصر واقفة فى الفراندة واسمها جولييت ولما جيت بعد روميو بربع قرن بكيت ومسحت ألمى فى كمى ومن ساعتها وعيت على اسم مصر وأسألكم بالله عليكم.. من يستطيع أن يهزم مصر.. مصر عرابى وسعد زغلول وجمال عبدالناصر.. مصر حليم وأم كلثوم وسيد درويش.. مصر بيرم وحداد والابنودى ونجم وحجاب.. يوسف شاهين والاهرامات وأبوالهول.. مصر صفحات المجد التى لا تسع أوراق التاريخ لعظمتها.. هذا يا سادة وطن لا يهزم.. ومن يحاول أن يبتلع مصر سيموت غارقا فى بحر صلابتها.. وتبتلعه السنون ليصبح مجرد ذكرى باهتة فى زمن اعرج. هذه ليست رقصة رومانسية على أنغام خيالى لكنها حقيقة ثابتة فى وجدانى.. لهذا أسست فرقة مسرحية وأسميتها فرقة مسرح - فن - مراد منير.. نعم.. سأعرض فنى فى كل أنحاء مصر وسأرفع نبضات الفن المصرى على كل الرايات معلنا أن المسرح المصرى لن يموت.. رغم محاولات البعض أخافتى بدعوى اننى سأخسر الجلد والسقط.. فأقسم لهم بقلبى وربى انى اثق بالجمهور المصرى.. واذكرهم بأن مسرحيت »الملك هو الملك« أعادت الثقة والاعتبار بمسرح القطاع العام فى زمن التبشير بانهياره. ولكى لا أكون ناكرا للجميل هناك بواسل يشجعوننى وعلى رأسهم الصديق والكاتب المسرحى الكبير سلطان القاسمى المحب لمصر لدرجة العشق.. لهذا فأنا أهيب بالمسرحيين جميعا شباب وكبار.. لا تيأسوا.. فاليأس الآن جريمة.. اصنعوا كيانات مسرحية.. اعرضوا فى الشوارع أو على المقاهى.. أو فى جراجات.. أو حتى على أسطح المنازل.. مسرحيات بأسعار تذاكر رخيصة لكل الناس.. لا تنتظروا الجمهور.. اذهبوا إليه.. وسيأتيكم بحب وود بلا حدود.. لا تخذلوا مسرحكم.. وأهيب بأصدقائي.. ادفعوا روح تفاؤلى للأمام.. قد أربح رهان الشهد.. وأمسح الدموع عن عيون اليأس الذى أأباه. الكاتب والمخرج المسرحي