»كده برضه يا عمار«! تعطيني موعداً لنتقابل في بيتك علي نهر النيل، وتجبرني علي أن يتم اللقاء في حجرة الإنعاش بمستشفي السلام بالمهندسين؟! كنا نتحدث تلك الليلة حتي قبل الفجر علي التليفون.. كان عمار الشريعي الذي هو عندي »أبومراد« قد تحدث قبلها بيوم مع الإعلامية الرائعة مني الشاذلي عن ثورة الشباب في ميدان التحرير، وبكي عمار الشريعي وبكت مني الشاذلي، وبكي ملايين المشاهدين.. كان عمار قد تحدث عن الشباب من قلبه. وقلب عمار الشريعي غير أي قلب.. ليس بسبب »عمليات« القلب المفتوح التي أجريت له عدة مرات، وإنما وأن هذا »قلب عمار« الفنان الموهوب الذي صاغ ويصوغ أجمل ألحانه من نيل وطين وناس شعب مصر. هذا »قلب عمار« الذي قفز فوق جراحه مع فورة وثورة شباب مصر. طوال أيام ميدان التحرير وقلب عمار الشريعي مع الشباب.. شباب مصر الذين عشقوا ألحانه وتغريده.. شباب من كل نوع.. كانوا يتصلون به طوال النهار ومعظم الليل.. يرددون له حكايات ثورتهم وآمالهم وطموحاتهم. وكان كثير منهم يناديه: بابا عمار! وتحدث عمار مع مني الشاذلي عن يوم »الأربعاء الأسود« وطالب بمحاكمة الذين دبروا للهجوم علي الشباب وقتل بعضهم وجرح الآخر!
واتفقت مع عمار الشريعي علي أن نلتقي مساء السبت الماضي في بيته.. الذي لا يبعد خطوات عن بيتي! وجاء صباح السبت بخبر سقط علي قلبي مثل صخرة مؤلمة.. كان عمار قد زار ميدان التحرير مع عمرو موسي، والتقيا بالشباب.. وعاد الاثنان بعدها إلي مكتب عمرو موسي في جامعة الدول العربية. كان جسد عمار الشريعي غارقاً في العرق، وقلبه يترنح مثل طائر جريح.. وفجأة أصيب عمار بنوبة قلبية، وسقط في غيبوبة علي مقعده، وهرعت سيارة اسعاف لتنقله بين الحياة والموت إلي مستشفي السلام بالمهندسين. كان الفجر قد أشرق.. عندما دخلت عليه حجرة الإنعاش بالمستشفي، وكان الأطباء قد نجحوا- بفضل الله- في إنقاذ عمار الشريعي من الأزمة القلبية. - كده برضه يا عمار.. كده يا أبو مراد؟! ابتسم عمار الشريعي في ضعف.. ورد: كده وأبو كده.. يا أبوصلاح! - قلت له: يعني انت قلبك ناقص؟! قال عمار الشريعي: أيوه.. قلبي كان ناقص يفرح!
دخل الطبيب ليطلب مني الخروج لأن صحة عمار الشريعي تحتاج الهدوء، وهو لم يكن قد نام ثلاثة أيام كاملة. لكن عمار الشريعي قال لي: أوعي تمشي.. قبل ما أقولك! - قلت له: قول يا عمار! قال عمار الشريعي: هما حاجتين.. الأولانية أنا ضد أي إساءة للرئيس حسني مبارك.. ده حسني مبارك المصري والبطل ورئيس مصر، والحاجة الثانية أن الشباب المصري هم »حبة العين« هم ماء الوضوء الذي علي الجميع أن يتوضأ به، وهم كمان قلب مصر وروحها.. وبكره اللي عشنا نحلم به. وسكت عمار الشريعي برهة.. وزفر بحرارة علي فراش المرض. ليقول لي: وحاجة كمان مهمة جداً.. لابد من محاكمة كل الذين اعتدوا علي الشباب يوم »الأربعاء الأسود«.. لابد من محاكمتهم علي تلك الجريمة الكبيرة في حق أولادنا.. وتحيا مصر!