لماذا تتزايد الجريمة رغم مكافحتها ليل نهار؟!.. ولماذا ترتفع نسبة الطلاق رغم التعديلات المتلاحقة علي قوانين الاحوال الشخصية؟!.. ولماذا قفزت أعداد المكتئبين رغم كل وسائل الترفيه التي اسرفنا فيها بمناسبة وغير مناسبة؟!.. ولماذا استحكمت أزمة المرور رغم الجهد الخارق لرجال المرور!! لماذا يسب الناس بعضهم البعض في الاشارات؟! هل يحتاج الامر الي تدخل علمي وأكاديمي تتضافر فيه كل أجهزة الدولة ومراكز البحوث القومية؟!.. أنا شخصيا لا أري في ذلك حلا لاننا جربنا هذه الوسائل.. وجربنا التشريعات.. والردع.. والتخويف.. والتهويل.. فلم نجن غير الأشواك! زمان.. ومنذ عشرين عاما أو يزيد.. سألت مجرما مفرجاً عنه من تأبيدة.. لماذا ارتكب جريمته واضاع عمره ومستقبله خلف جدران السجن؟!.. يومها لم يقل لي هذا الانسان البائس سوي جملة واحدة واعترف انني سخرت منها، ولم تؤثر في رد فعلي ولم اتأثر بمضمونها.. قال لي: دنيا غرورة يا بيه! اعتقدت وقتها انه مصطلح يحفظه المجرمون ليبرروا به جرائمهم.. لكن بمرور الوقت وتعاقب السنوات ومعايشة الحياة بكل تفاصيلها وأشخاصها ووقائعها وأسرارها بدأت هذه العبارة تلح علي خاطري إلحاحا.. وتتحول إلي هذا المعني العميق الذي أراده محدثي البائس ولم يعبر عنه بدقة! نعم.. هي الحقيقة.. الذين تعاملوا مع الدنيا ورسخ حبها في قلوبهم هم أصحاب الهموم.. والمشاكل.. والأزمات.. والذين تخونهم أعصابهم فيرتكبون جريمة أو يخربون بيتا أو يتآمرون علي شخص.. فلا مكان للقيم والاخلاق مع عشق الحياة المطلق.. نعم بيننا من يعشقون الحياة عشقا مطلقا ومن أجل هذا العشق يضربون بالقيم عرض الحائط.. فسادا وانحرافا وعنفا عائليا وبلطجة وصلت الي حد اطلاق الرصاص علي المارة الابرياء في الطريق العام!.. رشاوي وذمم خربة وصغير لا يحترم الكبير وزوج يقسو علي زوجته.. وزوجة تذبح زوجها.. لان الناس تركوا المباديء ونسوا الموت والحساب وان السماء مطلعة علي ما يفعلون وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يري، ومن يعمل مثقال ذرة شر يري! أي قوانين سوف تصلح قلوب ماتت ودفن فيها الايمان بأن الحياة بعدها حساب!.. أي قوانين سوف تصلح مع رجال ونساء لم يكن ضمن مناهج تعليمهم منذ المرحلة الابتدائية تهذيب للسلوك وعلو للقيم واحترام للمباديء!.. هل تدخل القوانين البيوت لتعيد للأب هيبته.. وللزوج احترامه؟!.. لو كانت القوانين تصلح لهذه المهمة لكان الله سبحانه وتعالي أمرنا بأن نشرع القوانين الاخلاقية ونتعايش بها.. لكن الله ارسل أنبياءه ورسله وكتبه المقدسة.. وبغير هذه الكتب المقدسة سوف تفشل كل الحلول!.. المسلم والمسيحي يجب أن يعودوا جميعا الي حظيرة الايمان ويدفعهم الخوف من الحساب يوم الحساب العظيم ألا يفسدوا في الارض.. وأن يعطوا كل ذي حق حقه! الخطاب الديني يحتاج الي اعادة صياغة.. ومناهج التعليم تتطلب إعادة النظر ووسائل الإعلام عليها مسئولية عظمي هي الاخري الطريق واضح.. والبداية ليست مستحيلة.. بناء المساجد ليس أهم من بناء المسلم.. واقامة الكنائس اقل اهمية من مسيحي يعرف حدود الحق فلا يتخطاه.. نحن وقعنا جميعا مسلمين ومسيحيين في عشق الدنيا فانشغلنا بالمال والمنصب والعمارة والشاليه والبنوك وتأمين مستقبل الأولاد.. رغم أننا سوف نترك هذا كله ونرحل، ثم نحاسب عليه!.. نحن بحاجة الي جيل جديد يتمتع بالحياة وهو يعرف تمام المعرفة ان متاعها قليل! وان يعمل لآخرته وهو يعلم تمام العلم انها دار الخلود.. جيل يستقر في وجدانه ان اليوم عمل بلا حساب وان الغد حساب بلا عمل.. وقتها سوف يراجع كل واحد نفسه قبل أن يمد يديه لمال حرام.. أو يلفق تهمة لزميله.. أو يحقد علي جاره.. أو يتربص بزوجته .. أو تنتقم من زوجها!.. التحايل علي القوانين سهل.. لكن المؤمن يدرك انه لو مكر فسوف يمكر الله والله خير الماكرين! القوانين في العين وفوق الرأس، نأخذ منها ما تنتظم معه الحياة.. لكن الاخلاق لا تصنعها القوانين وانما تنبع من البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة ووسائل الاعلام.. وقديما قال الشاعر: انما الامم الاخلاق.. ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم.. ذهبوا يجب أن نعلم أطفالنا أن المال نعمة.. لكن يجب أن يكون من حلال.. وان القوة ميزة، لكن يجب ألا تقهر بها الضعفاء.. وان الحياة متاع.. لكنها زائلة!! يجب أن نعيد تدريس القيم بشرط أن يكون المدرس قدوة!.. وأن نعلم صغارنا أن الفقر ليس عيبا.. وان الثراء ليس دليلا علي رضا الرب.. ولا الفقر دليلا علي غضب الإله.. وانما هي ابتلاءات لكل منا نصيب منها مثل الصحة والانجاب والزوجة الصالحة والابن البار.. الرزق ليس مالا فحسب وانما أبواب الرزق كثيرة.. ومن رزقه الله الصحة ربما يكون قد سلب منه راحة البال.. ومن رزقه المال ربما يكون قد سلب منه الانجاب.. ومن رزقه حب الناس بعد رضوان الله فهو الفائز فوزا عظيما! نحن في أمس الحاجة الي ان نتكاتف ان جميعا ونواجه علي قلب رجل واحد أزمة الاخلاق التي نعيشها وتنبع منها كل أزماتنا ومشاكلنا وتنغص علينا حياتنا ليل نهار.. علينا قبل أن نواجه تلوث البيئة ان نواجه تلوث الاخلاق، فماذا نكسب لو اختفت تلال القمامة من الشوارع وسكنت سلوكنا.. وماذا فعلنا لو نظفنا المباني ومنعنا العوادم وطهرنا المياه وظل فينا من يكذب ويناور ويتآمر ويسرق ويحقد ويحارب النجاح!.. ألا تستحق أن تكون أزمة الاخلاق هي مشروعنا القومي الذي نلتف جميعا حوله للقضاء عليها قبل أن تهلكنا ونهلكها.. سؤالي المحدد.. ما هو المانع؟!.. وعلي من يعترض القاء نظرة علي أحوال الشارع المصري.. مجرد نظرة.. سوف تعبر له عن صميم الازمة! تأملات! دخل عمر بن الخطاب علي النبي »صلي الله عليه وسلم« فوجد أعواد الحصير قد تركت أثرا في جسده الشريف وهو نائم فوقها.. فسأله عمر في دهشة: أتنام علي الحصير يا رسول الله واعداء الله كسري وقيصر يدفلان في الحرير! قال له صلي الله عليه وسلم: أفي شك انت يا عمر.. انها نبوة لا ملكا.. وهلاك امتي يوم يكون فيها قيصر وكسري.