قال لنا مفكرون ينتمون إلي الفكر السلفي وسافروا عدة مرات إلي إيران في مهمات صحفية أو للتسوق من السجاد الفاخر. ان مصر تماثل إيران من حيث عدد السكان فلماذا لا تكون في قوتها الاقتصادية خاصة وأن القاهرة لا توجد عليها ضغوط مثل تلك المفروضة علي طهران ولا تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة. بل ان البرادعي ورفاقه يطالبون المصريين بعصيان مدني في تحرك يستهدف شق وحدة المصريين ويحرضونهم ضد حاكم قوي وصاحب خبرة سياسية وعسكرية تمكنه من إدارة البلاد. ويحتذون في ذلك بالنموذج الإيراني حيث ثار الإيرانيون ضد نتيجة الانتخابات التي جاءت بأحمدي نجاد رئيساً للمرة الثانية. والحقيقة أن البرادعي ورفاقه ومعهم في "سلة واحدة" الصحفيون المستفيدون من إيران اخطأوا التقدير في حكمهم.. فالإيرانيون لم يثوروا لإعادة انتخاب نجاد معترضين علي نتيجة التزوير. ولكنهم ثاروا وغضبوا لأنهم يعيشون ظروفاً اقتصادية غاية في السوء رغم انهم ثاني أكبر الدول انتاجاً للغاز والبترول في العالم.. من ثم فإنهم يرفضون هذا النظام الذي يضيع أموالهم ويبعثرها علي حركات ثورية ومقاومة شفهية لن تحرر أرضاً أو تطرد عدوا غاصبا محتلا.. المعارضة في إيران سببها الرئيسي أن هذه الدولة الغنية التي تصدر بترولها وغازها إلي العالم كله. بدأت إجراءات تقشف هائلة ضد المواطنين. رفع ملالي إيران أسعار الوقود والغاز 4 أضعاف سعره المدعم منذ السبت الماضي. وطهران التي يضربون بها المثل في صحافتنا علي الثراء والعدالة الاجتماعية قررت تطبيق ما أسماه نجاد عملية جراحية اقتصادية سريعة لإلغاء الدعم عن 7 منتجات رئيسية منها البنزين والغاز والكيروسين والكهرباء والمياه والخبز والمحروقات. وقد حدثت حالات هياج في الشارع الإيراني واندفع المواطنون إلي محطات الوقود في عدة مدن فور الاعلان الرسمي عن رفع الدعم الحكومي عن السلع الغذائية والطاقة في البلاد. فور الإعلان عن ذلك أصدرت السلطات الإيرانية أوامرها إلي الشرطة و"الباسيج" قوات مكافحة الشغب للنزول إلي الشوارع في طهران ومشهد وساري وتبريز خشية حدوث مواجهات في الشارع أو محطات الوقود. هذه هي إيران التي بها تسبحون! اضطرت إلي أن تجور علي الفقراء والكادحين.. ممنوع علي أحد التظاهر في إيران احتجاجا علي رفع الأسعار أو إلغاء الدعم.. الديمقراطية في طهران إنشائية وللاستهلاك الإعلامي.. الفرس يعرفون أن السير في أي مظاهرة معناه الضرب بالشوم وإطلاق الرصاص الحي.. ما حدث العام الماضي ليس بعيدا عن الأذهان.. الإيراني لن يضحي برزقه ويذهب إلي السجن لمجرد الاحتجاج علي زيادة أسعار مواد غذائية أو طاقة! هذه هي إيران التي يتشدقون بها.. ترفع سعر الخبز والبنزين ومن يعترض يُسجن أو يُضرب أو يتم سحله في الشوارع.. الأوامر صريحة لدي "الباسيج" أي مظاهرة تزيد علي 500 شخص يتم إطلاق رصاص في الهواء للتحذير. وإذا استمر التقدم تكون الطلقات الحية في انتظارهم وقنابل الدخان. الاقتصاد المصري الذي لا يملك واحدا علي ألف من دخل إيران النفطي مازال صامداً.. ترفض الحكومة رفع أسعار الطاقة وتتحمل دعماً لا نهائياً لكافة المنتجات التي يحصل عليها المواطن.. الرئيس أكد أمس الأول في خطابه أن الفقراء لن يتحملوا أعباء إضافية وستوفر لهم الدولة كل شيء. كما قلت بالأمس الأغنياء يتسولون. ومصر بفضل الله صامدة.. الدول البترولية ستبدأ في تسيير السيارات يوماً بعد يوم.. لن يستطيع المواطنون استخدام سياراتهم كل يوم.. الحكومة الإيرانية تفكر في جعل يوم للسيارات ذات الأرقام الفردية وآخر للأرقام الزوجية وثالث في المواصلات العامة تقليلاً للإنفاق. هذه هي إيران الديموقراطية التي تجوع شعبها وتحاسبه علي رغيف الخبز.. مصر يهمها المواطن أولاً وقبل كل شيء.. لا يهمنا الشعارات الثورية بقدر ما يهمنا الفقراء ومحدودو الدخل الذين يدفعون دائماً ثمن التصريحات العنترية للحكام الطائشين!