** من المحزن أن انفصال جنوب السودان عن شماله هو الخيار الوحيد أمام الجنوبيين. من الأسف أن صيغة الاستفتاء علي حق تقرير المصير لا تتضمن خياراً ثالثاً سوي الانفصال أو الوحدة. ويحق لنا القول أن يوم 9/1/2011 هو تاريخ إشهار الانفصال رسمياً حيث أصبح حقيقة قائمة وواضحة وراسخة علي أرض الواقع. ** واستطراداً للحلقة "20" من هذا المسلسل الكئيب القميء الموجع.. نواصل حديثنا بشأن التداعيات الكارثية حال انفصل جنوب السودان عن شماله.. * إن تفتيت "الدولة" يؤدي بالتبعية إلي متاعب جمة وأضرار بالغة وخسارة فادحة بالدويلات أو الدول المنفصلة عن بعضها يستوي في ذلك الدولة المنفصلة والدولة الأم. ومن البديهي أن البيت المنقسم علي نفسه يعتريه الوهن والضعف والاهتزاز ويصبح مطمعاً للآخرين وللمترصدين وللمتربصين علي وجه التحديد. وقس علي ذلك جميع الكيانات أسرة صغيرة أو قبيلة أو نقابة أو جمعية أو جماعة أو شركة أو مؤسسة أو دولة.. هذا من ناحية. ومن ناحية أخري فإن الكيانات الصغيرة في عالمنا المعاصر. إمارات كانت أو دويلات أو دول تتجه - غالباً - صوب التكتلات الكبري لتحتمي في إطارها وتدور في فلكها سواء أكانت التكتلات إقليمية أو اقتصادية أو سياسية... الخ. * وفي ظل "العولمة" فإن "التكتلات" هي الأقوي وهي الأكثر قدرة علي المنافسة ومواصلة الإبداع والاختراع والتقدم وتحقيق الرفاهية والأمن والأمان والازدهار والاستقرار لشعوب الدول المنضوية تحت لوائها. فضلاً عن كونها الأقوي في مواجهة "دولة" بمفردها. * وفي حالة السودان فإن دولة الجنوب المزمع تسميتها ب "الأماتونج" أو أي اسم آخر مازال في علم الغيب. سوف تواجه من المصاعب والمصائب والكوارث أكثر وأعنف مما سوف تواجهه الدولة الأم. ان المتربصين سيتكالبون عليها لاقتسام الغنائم فيما بينهم ولا يقتصر هذا الأمر علي الدول الغربية وإسرائيل. إن دولا أخري شرقية وشرق أوسطية وإفريقية تتلمظ للحصول علي نصيبها من الكعكة. إن الجنوب كما هو معلوم يعوم علي بحيرة من خام النفط ليس لدي أبناء الجنوب امكانيات أو معدات أو خبرات لاستخراجه من باطن الأرض فضلاً عن تصنيعه. إن الصين وإيران - علي سبيل المثال - لهما اطماعهما وأهدافهما في قارة إفريقية بوجه عام وفي الدولة الوليدة علي وجه أخص. الصين تتأهب للانقضاض وإيران تتلمظ وهي تتسلل بخبث ومكر ودهاء إلي جنوب السودان وإلي دول حوض النيل. ومن المتوقع أن تقوم الدول "الطامعة" ولن تقعد حتي يتسني لها أقتناص ما ترغب في اقتناصه ونهب وسلب ما تريد نهبه وسلبه من الدولة الوليدة الفقيرة العاجزة المتخلفة "جنوب السودان". * وهناك العديد من القضايا الوارد ذكرها في قانون الاستفتاء والمعروفة بقضايا "ما بعد الاستفتاء" وكلها في غاية الأهمية والخطورة معا وقابلة للالتهاب. في مقدمتها قضية "أبيي" الساخنة والتي ينذر الخلاف والاختلاف حولها بتحويلها إلي قضية مزمنة مثل مشكلة "كشمير" بين الهند وباكستان.. كذلك نصيب كل دولة من البترول وعائداته وأوضاع الجنوبيين في الشمال ومشكلة الديون المشتركة والأصول المتداخلة بين الدولتين فضلاً عن قضية المياه. كل هذه القضايا ربما تظل عالقة ومن المحتمل أن تتصاعد المواقف بشأنها بين الدولتين "جنوب السودان" و"شمال السودان" ليصل إلي ما لا تحمد عقباه. * أما بشأن ترسيم الحدود بين البلدين "الجنوب" و"الشمال" وفقاً لرأي شخصيات سودانية لها ثقلها ومكانتها ودورها وفي المقدمة "الصادق المهدي" رئيس حزب الأمة السوداني ورئيس الوزراء السابق فهي: 1- تبعية الجبلين ما بين "الرنك" و"النيل الأبيض" وهو خلاف بين "دينكا ابيلانق" وقبائل "رعوية سليم" و"الصبحة" و"الأحامدة" و"نزي رفاعة". 2- "جبل مقينص" و"كاكا التجارية" محل خلاف بين أعالي النيل وجنوب كردفان. 3- "بحر الغزال" محل خلاف بين شمال بحر الغزال وجنوب دارفور. 4- "كفياكنجي" و"حفرة النحاس" محل خلاف بين غرب بحر الغزال وجنوب دارفور. ** ومازلت - شخصياً - أري أن الأيام حبلي بما هو أسوأ. وأرجو الله أن يخيب رؤيتي.. والحديث يتواصل.