بعد أن لقي نحو مليون سوداني حتفهم في حروب دامية علي امتداد ما يزيد علي عشرين سنة خلت.. بعد أن تم إعداد الساحة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وتمهيد الطريق كلية لانطلاق المسيرة صوب تفكيك السودان وتفتيته.. بعد أن بات انفصال جنوب السودان عن شماله قاب قوسين أو أدني.. أقول : بعد خراب مالطة. استيقظت الجامعة العربية من عميق سباتها وتذكر ت أن السودان دولة عربية شقيقة!!! ومن ثم عقد مجلس الجامعة العربية اجتماعا تشاوريا يوم السبت 27/11/2010 حول عدد من القضايا العربية الراهنة. وفي مقدمتها الاعداد لمساهمة عربية في مراقبة "الاستفتاء حول تقرير مصير جنوب السودان" في ضوء الزيارة التي قام بها وفد الأمانة العامة لكل من الخرطوموجوبا وفي هذا الصدد خليق بنا أن نشير إلي حزمة من الأمور: ** الأول : أن انفصال جنوب السودان عن شماله ليس نهاية العالم. وبالرغم من أن "الدولة" تسعي. في المقام الأول من أجل تماسك مواطنيها بمختلف انتماءاتهم دينية كانت أو مذهبية أو عرقية أو سياسية وأن "الدول" تتجه في عالمنا المعاصر صوب التكتل.. إلاأن تجارب "الانفصال" علي امتداد الأزمنة والحقب لا تعد ولا تحصي. وفي العقود الأخيرة علي سبيل المثال لا الحصر : انشطار دولة باكستان إلي دولتين شرقية وغربية والأولي اختارت لنفسها اسم "بنجلاديش" وذلك في 26/3/1971 ويذكر أن باكستان بشطريها الشرقي والغربي كانت جزءا من الهند. * تفكيك الاتحاد السوفيتي في عهد "جوربا تشوف" إلي "15" دولة في نهاية العقد التاسع من القرن الماضي. انفصال "اريتريا" عن اثيوبيا في 22/5/..1993 وغيرها. ونقول : إن الانفصال سييء بكل المقاييس وكارثة بكل معني الكلمة. وما يجب العمل من أجله بعد الانفصال هو السعي نحو تجنب الكوارث الأسوأ. ** الأمر الثاني : أن الدولة المزمع قيامها أيا كان اسمها تستعد للانضمام إلي هيئة الأممالمتحدة. فقد أعلن "إيزيكيل جاكتوث" ممثل الحركة الشعبية لتحرير السودان في الولاياتالمتحدةالأمريكية يوم 26/10/2010 أن الاستعدادات بدأت بالفعل لانضمام الدولة الوليدة في جنوب السودان إلي الأممالمتحدة مطلع العام المقبل مؤكداً أن الاستفتاء سيؤدي إلي الانفصال. هذا من ناحية. ومن ناحية أخري رحب "برنابا بنجامين" وزير الإعلام بحكومة جنوب السودان في العاشر من أكتوبر الماضي ب "إقامة علاقات جيدة بين جنوب السودان ودول العالم في حالة الانفصال بما في ذلك "إسرائيل". ** الأمر الثالث : في سبيل رأب الصدع السوداني. وفي محاولاتها المستمرة والمستميتة.. لتجنب تداعيات "الانفصال" وتبعاته حال ترجيح كفته. فقد طرحت مصر خيار "الكونفيدرالية" ويعني بقاء الشمال والجنوب في إطار دولتين لكل دولة حدودها وشعبها وجيشها ونظامها وسفاراتها.. إلخ .. كل ذلك في إطار "الكونفيدرالية" لكن هذا الطرح لم يحظ بالقبول من جانب أهل الجنوب وقادته. ** الأمر الرابع : يواجه السودان ضغوطاً غربية. سافرة وخفية. والرئيس عمر حسن البشير مازال مطاردا أينما ذهب من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "موريس مارينو أوكامبو" جراء قضية دارفور وضحاياها . وبسبب المطاردة حسب اعتقادي أجلت كينيا اجتماع منظمة "إيجاد" إلي أجل غير مسمي وكان تحدد له أوائل نوفمبر الماضي حيث طلب أوكامبو من كينيا القبض علي البشير حال وجد علي أراضيها. كما انسحبت السودان من القمة الافريقية الأوروبية الثالثة التي عقدت في العاصمة الليبية طرابلس يومي 29. -30/11/2010 وذلك بسبب ما وصفه وزير الخارحية السوداني "علي أحمد كريتي" بأنه "ضغوط مورست كي لا يحضر الرئيس السوداني عمر البشير القمة" وقال كريتي لوزراء خارجية أوروبا وافريقيا خلال اجتماعهم يوم 28/11/2010 في طرابلس: "أن السودان لا يريد أن يكون سببا لإفساد مصالح افريقيا. ** الأمر الخامس : خطط وخطوات ما بعد الانفصال يجري إعدادها وتفعيلها علي قدم وساق. مؤتمرات ومناقشات واطروحات جادة علي امتداد الشهرين الماضيين في جنوب السودان لعل أبرزها مؤتمر "جوبا" العاصمة والذي استمر خمسة أيام خلال شهر أكتوبر الماضي حيث كان علي رأس جدول أعماله تحديد خطوات ما بعد الانفصال.في المؤتمر المذكور وافقت الأحزاب الجنوبية علي تشكيل حكومة انتقالية موسعة لفترة ما بعد الانفصال يتزعمها "سلفاكير ميارديت" لحين اجراء انتخابات جديدة وأوضح البيان الختامي للمؤتمر أن الحكومة الانتقالية ستتولي مهام اجراء احصاء للسكان وانتخابات عامة لمجلس نيابي تأسيسي يتولي صياغة الدستور الدائم. ** الأمر السادس : ان اقتسام الغنائم حال انفصل الجنوب عن الشمال. لا يقتصر علي الدول الغربية وإسرائيل. إن دولا شرقية ايضا تتأهب للحصول علي نصيبها من "الكعكة" لاسيما الصين. كما أن بعض الدول الافريقية وبالتحديد دول "الايجاد" ترقب بشغف شديد واهتمام بالغ انضام دولة افريقية "غير عربية" لمجموعتهم.. وأكاد أقرر وهذا رأيي أن الاحتفالات بالدولة الوليدة سوف تعم "أوغندا" و"اثيوبيا" و"كينيا" من هنا نري أن تقوم الجامعة العربية بمبادرة تحسب لها وتتمثل في الترحيب بالدولة الوليدة حال الانفصال في العائلة العربية. ** الأمر السابع : من المؤسف والمحزن معا أن الساحة السودانية تعج اليوم بكل ألوان التراشق بين الجنوب والشمال. والاتهامات المتبادلة بينهما تتواصل والترصد الميداني يتزايد والتربص العسكري يتصاعد. الأنباء التي تخرج من العاصمتين "الخرطوم" و"جوبا" صادمة.. صادمة .. الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الجيش الشعبي التابعة للحركة الشعبية تخفت تارة لتندلع أشد ضراوة تارة أخري. علي سبيل المثال : خلال شهر نوفمبر الماضي أعلن الجيش السوداني وقوع اشتباكات مع قوات الجيش الشعبي في منطقة "الزمالي" الواقعة في ولاية "سنار" شمال حدود .1956 وكانت مصادر سودانية قد أكدت خلال شهر أكتوبر الماضي أن الجيش الشعبي يحرك مدرعات علي الحدود بين الشمال والجنوب وأنه رصد تحركاً ل "40" مدرعة في منطقة "بنية" شرق الاستوائية باتجاه "ابيي". ** وأري أن الأيام حبلي بما هو أسوأ. وأرجوا الله أن يخيب رؤيتي.. والحديث يتواصل.