انعكس تكرار اختطاف المروحيات الروسية في السودان بخفة ظل منقطعة النظير علي الشارع الروسي فاختطاف المروحية الروسية الثانية في غضون شهر تقريبا قوبل بهدوء لا يقارن بطبيعة الحال بحالة التوتر التي حدثت أثناء اختطاف المروحية الأولي. ونصح البعض الخاطفين بإنشاء شركات طيران خاصة واستخدام المروحيات الروسية فيها بدلا من الخطف اليومي للمروحيات وطياريها وذلك علي غرار نكتتنا المصرية القديمة حول الجراح الذي قام بإجراء عملية فتح بطن لمريض ونسي في المرة الأولي مقصا فأعاد فتح بطنه, ثم نسي في المرة الثانية فوطة, وفي الثالثة قفازا وفي النهاية طالبه المريض من كثرة فتح بطنه وخياطته مرة تلو الأخري أن يضع لبطنه سوستة بدلا من هري الجلد المستمر. الأحداث الجارية في السودان, قبل أقل من4 أشهر علي تنفيذ أهم بنود اتفاقية السلام ألا وهو إجراء استفتاء حر علي تقرير مصير الجنوب, ليست جديدة علي شريكي حكم( حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في الجنوب) بحاجة ماسة إلي بعضهما البعض للبقاء في مواقع الثروة والنفوذ والنضال, ومن ثم الحكم شريكا الحكم في الشمال والجنوب اتفقا ضمنيا علي إزاحة أحزاب وحركات المعارضة في مساحات نفوذهما, ويواصلان لعب الدور الرئيسي في سيناريو قديم كتب بركاكة شديدة لممثلين في غاية التواضع لا يهمهم إلا التأكيد للمتفرجين والمنتجين المحتملين علي حسن الأداء في الفيلم الحالي وفي أفلام تالية فقد يطلبها هذا المنتج أو ذاك. يبدو أن السودان قد تحول فعلا إلي منتدي لمبعوثي الدول وممثلي الرؤساء والمنظمات الدولية والأهلية, السودان تحول إلي ساحة للصراع الاقتصادي والسياسي والعسكري والجيوسياسي, بل والأمني أيضا, بين كل دول العالم, السودان يواجه مخاطر التقسيم وفقدان السيادة, السودان يواجه صراعات داخلية بين الشمال والجنوب, وبين الخرطوم ودارفور, وبين المعارضة السودانية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم ويبدو أن السودان أصبح من جديد معقلا لقوي وتنظيمات لها أجنداتها تعمل بحرية تامة في السودان وتتحرك إعلاميا واقتصاديا وسياسيا تحت غطاء الشرعية. منذ انتهاء الانتخابات الأخيرة في السودان والكل يتحدث عن استحالة إجراء الاستفتاء علي تقرير مصير الجنوب في ظل شريكي حكم قديمين مصرين علي الاستمرار في السلطة رغم كل مصائب السودان, لم تكن عقبات ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب أو معضلة أبيي خافيتين علي أحد ولكن الطرفين فضلا إبقاءها إلي اللحظات الأخيرة لأهداف في نفس اليعقوبين الشمالي والجنوبي فماذا وراء ذلك والطرفان يهددان ويتوعدان؟ ماذا وراء ذلك والتوترات تتصاعد في دارفور وحولها والتدخلات الخارجية تتزايد باطراد مثير للشكوك؟ بعض المتنفذين القريبين من الخرطوم وجوبا ألمحو بأن الاستفتاء سيكون جزءا ثانيا في فيلم سوداني طوي, قد يكون أكثر دموية من الجزء الأول, وقد يكون باردا ومشحونا بالعدوانية والتآمر والعنصرية والاستعانة بقوي دولية من جهة, وتدخل قوي دولية أخري بضغوط هنا وهناك ليس إطلاقا من أجل مصلحة السودان ولكن من أجل تحقيق مصالح يراها البعض مشروعة ويراها البعض الآخر من طبيعة الأمور. أهل الحكم في الشمال يرون أنه في حال انفصال الجنوب ستظهر دولة جديدة في الجنوب, ما قد يفسره قدة حزب المؤتمر الوطني الحاكم فيما بعد بأشكال وألوان مختلفة تخدم علي سياساته المستقبلية وأهل الحكم في الجنوب يؤكدون انه بانفصال الجنوب سوف تظهر دولتان جديدتان في المنطقة واعترضوا علي فكرة أهل الشمال فيما يتعلق بالدولة والدولة الجديدة من المؤكد ان مفكري وأيديولوجي الجنوب يقصدون أبعد مما يقولون. ولكن ماذا بشأن دارفور التي أصبحت قاب قوسين أو أدني من الانسلاخ القسري عن السودان؟ ماذا بشأن العنف المتصاعد هناك, وعمليات الاختطاف المستمرة سواء للدارفوريين أو للأجانب؟ مع شديد الأسف قد يتم طرح الموضوع العقائدي والعرقي بشدة في الفترة المقبلة, مما سيمهد شئنا أم أبينا أرضية خصبة للتيارات والقوي الدينية والعنصرية من ممارسة مهامها المقدسة ولا يخفي علي أحد أن حزب التحرير الإسلامي في ولاية السودان أصدر العديد من التحذيرات بشأن تفتيت السودان بل وعقد مؤتمرات شرعية وعلنية في ولاية السودان بشأن انفصال الجنوب ذي الغالبية المسيحية وفي المقابل نجد أن دارفور كلها مسلمة! إذن عما يمكن ان تسفر هذه اللوحة الغائمة؟! وأين سيضع الجراحون الممثلون السوستة: في الجنوب أم دارفور, أم في الخرطوم؟