عندما صدرت مجموعته القصصية"ضوء شفاف ينتشر بخفة " أحدثت رجفة في سطح المشهد الثقافي الذي أعرفه .. كنت كلما تحدثت عنها مع أحد. صمت قليلا وقال لي الشيطي صاحب رواية ورود سامة لصقر .. ويسألني إن كنت قرأتها فأهز رأسي بالنفي فيتحسر الآخر لأنه فاتني الكثير... ورود سامة لصقر رواية حداثية تماما. مميزة تنتمي بجدارة للكتابة الجديدة إن لم تكن في مقدمة الروايات التي عززت هذا النوع من الكتابة في حياتنا الثقافية كما قال عنها الكثير من النقاد .. بمناسبة صدور طبعة ثالثة جديدة وكاملة دون حذف عن دار ميريت للنشر وبغلاف موحي وساحر للفنان احمد اللباد كان هذا الحوار مع المبدع الكاتب أحمد زغلول الشيطي .. ما الذي أردت رصده في روايتك "ورود سامة لصقر" ولم جاءت فارقة من وجهة نظرك ؟ بداية أريد إعادة القارئ لعام 1990.. كان العالم يمر بتحولات دراماتيكية. انهيار الاتحاد السوفيتي. بداية زعزعة الإيمان واليقين بالإيديولوجيات الكبري .. بروز عصر شك كبير في هذه الأجواء نشرت الرواية في طبعتها الأولي. أظن أن القارئ كان يبحث عن خطاب مغاير للخطاب الستيني الذي امتد إلي نهايات الثمانينات وجاءت الرواية بما تحمله من بناء ومحتوي لتطلق عصراً روائياً جديدا في مصر يمكن تسميته إجمالا ما بعد رواية محفوظ والستينيات. وأظن ان روايتي مختلفة بذلك عن كل ما قدمه الجيل الستيني والسبعيني من بعده. فالجيل الستيني كما يظهر في إنتاجه الروائي له تجربة سياسية سابقة. بعضهم كان ينتمي لتنظيمات سياسية تدعو لتغيير الواقع. والبعض كان يؤمن بالنظريات دون التورط في التنظيمات السياسية ..نتيجة لذلك نجد البطل الستيني في الكتابة يحمل تجربة ما بين إحباط من النظام السياسي أو النظرة التي تحمل بعدا اجتماعيا به ثقة كبيرة في إمكانية تغيير الواقع يمثل هذه الرؤية بتفاوت صنع الله إبراهيم وأصلان والغيطاني وبهاء طاهر وغيرهم . أضاف: ورود سامة لصقر جاءت في مطلع التسعينات في ملابسات نشر معقدة. وهي التي ذكرتها في مقدمة الطبعة الجديدة. روايتي جاءت مغايرة تماما للمشهد السردي السائد قبلها. خلقت نمطا روائيا جديدا. قدمت بطلا لا يمتلك تجربة سياسية. لأنه يصنع سياسته الخاصة..فقد جاء بعد انهيار التنظيمات السياسية. وسقوط الايديولوجيات الكبري. بطلا لم يعد يثق في شئ وليس التغيير همه. المسألة لديه أخذت شكل حس احتجاجي عميق ضد كل ما استقر عليه الواقع. هو رفض وبداية مساءله للذات التي انشطرت بدورها ووصلت إلي أزمة عميقة في الانتماء. الرؤية التي قدمت بها روايتي كانت قائمة علي الشك العميق. جاء السرد فيها من خلال أربعة اصوات مختلفة هي صقر وتحية ويحيي وناهد حيث حمل كل صوت هواجسه وأزماته الوجودية ووعيه. * لماذا طبعة ثالثة جديدة من " ورود سامة لصقر" ؟ ** الطبعة الثالثة الجديدة جاءت لأن هذه الرواية لم تصدر كاملة ابدا .. وتعرضت للحذف والتعديل في الشكل الطباعي لبعض الفصول مما أفسد تكنيك التلقي فقد كانت ظروف نشر الرواية قلقة جداً فبعد إدراجها ضمن خطة النشر في سلسلة مختارات فصول والإعلان عن ذلك لمدة عامين. قام الناقد الراحل سامي خشبة رئيس تحرير السلسلة عند قراءة العمل لتحرير كلمة الغلاف بوضع خطوط حمراء تحت بعض العبارات. وطلب حذفها كشرط للنشر.. بطبيعة الحال رفضت الحذف إلي نهاية القصة التي ذكرتها بمقدمة الطبعة الثالثة. كما أعدت طباعة " ورود سامة لصقر" لأن هناك جيلا جديدا من الروائيين والقراء ظهر وسمع عن هذه الرواية ولم يقرأها ولشعوري بأن روايتي تم تجاوزها ربما بشكل عمدي عن الترجمة وغيرها ربما بسبب غيابي طوال تلك المدة عن الساحة الثقافية.اظن ان " ورود سامة لصقر" رواية أحدثت تحولاً في السياق الروائي المعاصر. وكنت احب أن تعاد قراءتها والتفاعل معها من جديد. فأردت أن اقدمها للقراء في طبعة جديدة ارضي عنها شخصيا. * طريقتك في السرد القصصي والروائي تتحرك بين عوالم شديدة الإختلاف فالبنية التي تعتمد عليها ورود سامة لصقر ذات حبكة روائية تقليدية. بينما تعتمد بعض نصوصك الأخري ومنها " مجموعتك ضوء شفاف ينتشر بخفة علي التجريب والرمزية ما هو أسلوب الكتابة الاقرب اليك ؟ ** هناك مسافة زمنية طويلة ما بين" ورود سامة لصقر" "وبين ضوء شفاف ينتشر بخفة" و لعلني في العمل الأخير كنت أحاول التحرر من قيد "الفورم" الصارم الذي ميز ورود سامة لصقر. في "ضوء شفاف" أردت الابتعاد قليلاً عن الرواية. لعلك تفكرين معي أن العازف قبل أن يبدأ العزف يقوم بتجريب نغمات عديدة علي آلته. يختبر إمكانياته وإمكانيات الآلة ذاتها. يكشف الاختبار عن نغمات جديدة وإمكانات لم تكن في الحسبان. هذا الاختبار كان هو نصوص" ضوء شفاف". الجدل حول "الفورم" كان دائماً قرين أعمالي حتي أن البعض رأي إزاء الشكل الجديد الذي قدمته الرواية أنها ليست رواية. وأنها يمكن اعتبارها نصاً في حاجة للتصنيف. * نظرا للتنوع الشديد في إنتاجك كيف تختار عوالمك. ما الذي يحركك لاختيار اسلوب ما للسرد ؟ ** النبر "صوت السرد" أكتب سطرا فيجر خلفه عالما .. لأن اليد تكتب وتحلم وتستمتع. في الكتابة اعتمد أيضا علي ما أعرف. ومنه تجارب خاصة لأماكن وعلاقات لم يسبق أن كتب عنها أحد .. انا مشغول بتقديم مقاربة جمالية لمسقط رأسي مدينة دمياط .. أطمح في الوصول لما يمكن تسميته " النظرة الدمياطية" التي هي بالتأكيد نظرة كونية بعد أن انتقلت للإقامة بالقاهرة منذ سنوات راحت المدينة تتجلي من زوايا جديدة. كشفت عن ذلك في الأساطير التي اكتبها ونشر بعضا منها وفعلته داخل الرواية. والحقيقة انه حتي ونحن نكتب عما نعرف فإن ذلك يحيلنا أيضا لإكتشاف ما لا نعرف. * لماذا تكتب أو بمعني آخر كيف تنظر للكتابة في حياتك ؟ ** أظن نشأتي كان لها دوراً في اتجاهي للكتابة. فأنا نشأت في دمياط أنتمي لطبقة من صناع الموبيليات. هناك في هذه المدينة تعلمنا كثيرا علو قيمة المال. والوقت وأن علي كل واحد أن يعول ذاته منذ سن مبكر وأن هذه القيم تحتوي كامل المعني. عملت طويلا في حرف هذه الصناعة لأمول جزءا من مصاريف تعليمي. وكان لوفاة أبي قبل دخولي التعليم الابتدائي دور مزدوج فقد رأيت العالم بعيون أمي الأمر الذي اوقعني مبكرا في التناقض مع النظرة الذكورية المحكمة في مدينة دمياط الناجحة اقتصاديا القلقة وجوديا وكان لغياب الأب المبكر دور في رفضي" للأب" سواء كان أباً سرديا أو سياسيا أو كان.. ربما اكتب لأبرهن لذاتي علي وجود شئ آخر غير تلك الروح العملية التي صبغت كل شئ حولي. الكتابة بالنسبة لي هي طفولة خالية من القيود. * في رواية ورود سامة لصقر اختلاف شديد في التركيبة النفسية بين بطلك صقر ويحيي رغم انهما أبناء ظروف واحدة فكيف كان ذلك؟ ** أرادت الرواية أن تقول أن هناك فارقا طبقيا ضئيلا للغاية بين أسرة صقر وأسرة يحيي. يحيي أكثر تسامحاً ولديه خيارات تحيله للأمل والتفكير في التغيير.لأنه لم يكن مثل صقر الذي لديه أخت تعمل في محل حلويات و أب يقف علي أبواب المساجد يبيع فاكهة في قفص واحد. الفوارق الاجتماعية شديدة الضآلة بين ابناء الطبقة الواحدة مؤثرة في اختيارات الناس ووعيهم . حضور عبد الناصر في مشهد الوداع كان من الممكن ان يحيلنا للرمزية التقليدية التي يرفضها حضور الحلم الستيني في الكتابة؟ * مشهد عبد الناصر في روايتي ليس ذا حضور أو دلالة ستينية مطلقا كما تظهر عند الغيطاني أو القعيد ** حيث يمثل لديهم عبد الناصر أباً أسطورياً ضخماً مع ما يجره هذا الاب من مجازات و انفعالات. بينما مشهد الجنازة هنا رمزي لنعش فارغ سقط في النهر ومعه مشيعوه الرواية تضع يدها علي الوجع. فكرة الأب الأسطوري زائفة. وهذا ما اخرج المشهد من الإطار الستيني . * كيف تقيم المشهد الثقافي الحالي بجوائزه وحراكه؟ أنا بعيد عن المؤسسات الثقافية التي تمنح التفرغ والجوائز. وتضفي الرتب والألقاب علي الناس. ولم يسبق لي أن حصلت علي جائزة .. بالرغم من ذلك لازلت أعيش وأكتب. كذلك لم أدع للسفر للخارج أبدا. ولم تترجم هذه الرواية. وبالتالي هذه الجوائز لا تعبر في الغالب عن حقيقة الحياة الثقافية ولا عن حقيقة مكانة المبدعين. هناك كت�'اب عظام لم يحصلوا علي نوبل. وجوائزنا المصرية وواقعنا الثقافي طاله ما طال كل شئ في حياتنا. وإنعكست عليها أمراض الواقع . واعتقد ان ما أعطي الجوائز الأهمية الكبيرة التي لها الآن هو الغياب الملغز لدور النقد الذي كان دوره الطبيعي تقديم الأعمال الجيدة. وتقديم النصوص الجيدة للقارئ .