يجوز طبعاً ان تلعب في الفن.. فالفن نفسه "لعبة".. جيم مفتوح بين الممثل والمشاهد بتحريك مخرج ومؤلف.. واللعبة مشروطة بعقد بين الفريقين.. فإذا ما حافظ الفنان علي الاتفاق.. وبالذات علي عنصر "التشويق" في اللعب.. فإن المشاهد سيتقبل مصداقية أو صحة ما يراه!! وفيلم "ابن القنصل" للمخرج عمرو عرفة بالتأكيد أفضل شكلا ومضموناً من فيلم أحمد السقا السابق "الديلر". وطبعاً أفضل من الأسبق "إبراهيم الأبيض". حيث انه هنا يبدو متألقاً وقد استعاد توازنه كممثل يجيد ألعاب الدراما المختلفة.. والتنقل بين عناصر البناء من تراجيديا الي كوميديا الي الشكل الثالث المعروف بالكوميديا السوداء. ثم ختم الفيلم بعنصر المفاجأة الدرامية.. وهي ان تأخذ بذهن المتفرج وانفعالاته وتوقعاته في اتجاه مسار مختلف تماما عما كان يسير عليه!.. وإن كنت قد توقعت هذه النهاية من منتصف الفيلم تقريباً بسبب ترهل الإيقاع والمط الذي حدث في بعض المشاهد مما اعطي انطباعا بأن هناك مفاجأة ستحدث تغير من مسار الحدوتة كلها.. رغم حرصهم الفائق علي ان تكون الأحداث غير مؤدية لهذا بما في ذلك التضليل بالمعلومات وهذا طبعاً عيب خطير. وأبرز تضليل كان في طفولة شخصية البطل!! النص الذي كتبه أيمن بهجت قمر تأثر فيه بطريقة الأفلام الأمريكية البوليسية التي تصدم المشاهد في آخرها.. ولكنه نجح هنا في ان يقدم دراما شيقة وممتعة بصرف النظر عن شكلها البوليسي أو الاحتيالي. والتي تدور حول عالم النصب والنصابين.. وكأنه غزل خيوط عمله من نفس أقطان الحالة.. أو كما يقول المثل الدارج: "من ذقنه وافتل له"!! في ثنائية جديدة بين السقا وخالد صالح نري الأخير بمساعدة ماكياج متميز يقضي عقوبة السجن بتهمة التزوير والنصب.. وبعد ان قضي بين الجدران لأكثر من 20 عاماً يعود للعالم الخارجي ليلتقي بابنه "أحمد السقا" الذي لا يعرفه. حتي يحاول هذا الابن إثبات بنوته للأب الذي يشك فيه. لأن علاقاته العابرة لم تكن تحتمل اي أبناء.. ولكنه يقبل به حتي يجد متوي له خاصة وانه ليس لديه أهل.. وفي بيت هذا الشاب الملتحي المتدين تحدث المفارقات الساخرة بين الأب المزور النصاب المتشوق للجنس والنساء وبين ولده المتطرف المنضم لإحدي الجماعات الإرهابية ويراسلها عن طريق النت.. الذي يحاول الأب استعماله لاصطياد إحدي الفتيات!.. وتجيء الفتاة العاهرة "غادة عادل" ويزداد الإيقاع سخونة وإمتاعاً حيث بدت مباراة تمثيلية شيقة بين الثلاثة. أب يريد ان ينفرد بفتاته. وابن متدين يحول دون ذلك. حتي تتفتق قريحة القنصل بإقناع ابنه الشيخ عصام بترك الجماعة والعمل معه في التزوير وتقنعه الفتاة بذلك. فيقوم بعدة عمليات مجانية لها طابع خيري. حتي تقع مفاجأة نهاية الفيلم مثل "حرب اطاليا" لنفس البطلين. حيث تظهر الحكاية كلها لعب في لعب. أو نصب في نصب!! بالفيلم الكثير من التفاصيل الممتعة خاصة عن عالم النصب والاحتيال. وكذا عن التطرف والإرهاب.. وقد وفق المخرج عمرو عرفة مع مصور محترف مثل محسن أحمد في تقديم صورة جيدة تؤثر في بناء الفيلم. خاصة وان مشاهد كثيرة تدور في حجرات مغلقة أشبه بالمسرحية.. عوضها المخرج باختيار أماكن جديدة ولافتة للنظر في الاسكندرية موقع الحدث. كما كان السقا من الذكاء الذي افرد فيه مساحة كبيرة لغريمه خالد صالح ليلعب دور عمره. ثم صب في صالحه في النهاية!! لم اعرف ان غادة عادل ممثلة جبارة الي هذا الحد حتي علي المستوي الشخصي.. فقد رفضت الفيلم السابق للسقا لأنها تلعب فيه دور راقصة.. وقبلت العمل في هذا الفيلم برغم ان الدور لعاهرة.. لكن الفرق كبير وهو ان الراقصة كانت تتعري.. بينما العاهرة هنا لا تكشف عن اي شيء ولا تضطر لهذا.. لأنه في النهاية ستظهر انها زوجة النصاب الصغير!! [email protected]