بالرغم من اهمية القضية التي اثارها الكاتب الصحفي محمد علي ابراهيم رئيس التحرير حول المخطط الامريكي للسيطرة علي منطقة البحر الاحمر من خلال الإشارة إلي تواجد التابعين للقاعدة وخطورتهم علي المنطقة وقيامه بالشرح لابعاد هذا المخطط بشكل واضح وبسيط ومباشر إلا أنه حتي الآن لم تظهر ردود الفعل من قبل صناع القرار بالدول العربية وايضا من دول منطقة القرن الافريقي وهو مايعكس بصورة اكثر وضوحا استمرار حالة الغيبوبة والتشرذم التي تعيشها المنطقة العربية وغلبة المصلحة الفردية علي المصلحة القومية والوطنية والاقليمية المتزايدة هذه الغيبوبة تقودنا إلي فتح ملف الازمة التي يعيشها ابناء السودان شمالا وجنوبا مع اقتراب موعد الاستفتاء "يناير القادم" حول مستقبل جنوب السودان رغم حرصي الشديد علي تجنب تناول هذا الملف لان هناك وجهة نظر خاصة اعلنتها من قبل ولم ترض الكثيرين واغضبت الاشقاء في السودان شمالا وجنوبا مسئولين ومواطنين وزملاء مهنة ولكن ما اثارة الكاتب الكبير محمد علي دفعني رغما عني بأن اقترب مرة اخري من ازمة السودان . ان ما تشهده السودان حاليا من حراك سياسي يظهر في وسائل الاعلام المختلفة يمكن تفسيره بأنه شكل من اشكال التفاوض السياسي ولكن بصوت عال حيث يعرض كل طرف من الاطراف وجهة نظره علي الرأي العام السوداني والدولي لكي يخلي مسئوليته أمام انصاره ومن ثم يدخل كل طرف المفاوضات وهو يعلم كيف يفكر الآخر ويستعد للتفاوض وهذا الأسلوب يتبعه الاخوة في السودان حيث يتم توزيع الأدوار وبعث الرسائل إلي كافة القوي الداخلية والخارجية وعليه تبدأ هذه القوي ترتيب اوراقها ودراسة كافة الاحتمالات والدليل اعلان امريكا انها تدرس رفع السودان من قائمة الارهاب وتجميد الأرصدة وغيرها من القضايا محل الخلاف بين شريكي الحكم خاصة وان المفاوضات بينهما تسير بشكل جيد حتي الآن وتصريحات وزيري الدفاع عقب الاجتماع المشترك بعدم العودة إلي الحرب مهما كانت نتيجة الاستفتاء وان الانفصال لن يكون اكثر من حدث سياسي وسوف تستمر العلاقات بين السودانيين كافة مهما كانت مع ضرورة التعايش السلمي والتواصل الايجابي بين الجيشين. هذه إشارة بسيطة عما يدور في السودان ولن ندخل في التفاصيل حتي لايغيب الهدف من المقال وهو الغيبوبة التي يعيشها العديد من قادة الدول العربية الذين لم يستوعبوا دروس التاريخ حينما تفتت هذه الدول ووقعت تحت الاحتلال بعد انهيار الدولة العثمانيه وانقسمت إلي ادوات في يد القوي الدولية الجديدة ولم يستفيدوا من نصر اكتوبر الذي وحد العرب وجعل لهم كلمة وموقفاً تعمل له هذه القوي الف حساب ولكنهم لم يحافظوا ولم يستوعبوا لا هذا ولا ذاك بل امتد ايضا إلي دول الجوار العربي للسودان وتبقي مصر لانه قدرها الذي لاتستطيع الفكاك منه التي تدير ملف الازمة السودانية بحكمة ورؤية ودون الاعلان أو الافصاح عما تقوم به بشكل واضح ومعلن وهو مايثير حفيظة الكثيرين لان مصر تعرف قيادة وحكومة اهمية استقرار السودان وعلاقاتها الطيبة بين شريكي الحكم تجعلها دائما ودوما ملاذا وملجأ لكافة الاطياف السودانية. النقطة الهامة التي تستحق القاء الضوء عليها هي دول الجوار الاخري المحيطة بالسودان وخاصة اثيوبيا واوغندا وكينيا سوف نلاحظ تباينا واضحا في مواقفها تجاه الاستفتاء وقضية الانفصال فهناك من يدعم الانفصال منهم لتحقيق مصالحه واهدافه التي تتحقق بالانفصال مثل كينيا التي يمثل جنوب السودان حاليا ومستقبلا في حالة الانفصال مصدرا للقوة بمنطقة البحيرات الاستوائية ومصدرا للدخل القومي حيث ميناء مومباسا به يستقبل السلع الاساسية التي يحتاجها الجنوب وكافة الاحتياجات ومن ثم في حالة الانفصال ستكون هناك صعوبة ان يستورد الجنوب هذه الاحتياجات من الشمال خاصة وانه عاني الكثير خلال الفترة الانتقالية "عقب اتفاقية نيفاشا " في الحصول عليها عن طريق الخرطوم كما ان هناك الكثير من ابناء الجنوب عاشوا ومازالوا يعيشون في كينيا بالإضافة إلي العديد من المصالح السياسية والجيوغرافية ناهيك عن رغبة كينيا في انشاء خط سكك حديدية يربط بين دول البحيرات وموانيها واعتمدت له جزءاً من الاستثمارات المطلوبة وفور اعلان الانفصال سوف تتحرك كينيا ووراءها القوي الدولية لتنفيذ الخط لكي يصبح جنوب السودان افريقيا وليس عربيا رغم انهم يتحدثون العربية بالإضافة إلي اللغات المحلية وبالتالي فأن هناك مصالح كينية تشجع علي الانفصال واعتقد ان ابناءالجنوب مدركيون تماما لكافة الاهداف الكينية وغيرها ولديهم خبرات سياسية وتفاوضية كبيرة اكتسبوها خلال السنوات التي سبقت اتفاقية نيفاشا وبعدها ومازال ملف علاقة دول البحيرا ت بالجنوب مفتوحا. المحرر [email protected]