ألقي فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف كلمة تقدم فيها بالتهنئة للرئيس السيسي ولشعب مصر الأبي ولعالمنا العربي والإسلامي قادة وشعوبا بمناسبة الاحتفال بليلة القدر تنزل القرآن الكريم من الله تعالي علي قلب نبيه -محمد صلي الله عليه وسلم- ليبلغه للناس مصباحا ينير لهم طريق الحق والخير ويهديهم به سبل السعادة في الدنيا والآخرة. قال الدكتور الطيب "إن الحديث عن القرآن الكريم الذي هو آخر التنزلات الإلهية حديثا لا يستوعبه الزمان ولا يحصره المكان لأنه يتعالي إلي ما هو فوق الزمان وما فوق المكان ويذهب بعيدا إلي ما وراء التاريخ ومطارح الوهم والخيال . وقد تكفل الله سبحانه وتعالي بحفظه وصيانته وحراسته ولم يترك أمر ذلك إلي أحد من البشر لا من الأنبياء ولا من غيرهم." أضاف الإمام الأكبر: وكما تفرد الله تعالي بتنزيله تفرد بحفظه "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ". والعارفون بالقرآن وبأسرار بلاغته يدركون ما اشتملت عليه هذه الآية القصيرة من أساليب التأكيد بالحروف والإظهار في موضع الإضمار وقد صدق الله وعده فقيض لهذا الكتاب من وسائل الحفظ في الصدور والسطور ما لم يقيض في كتاب آخر من الكتب. وتابع الطيب. أنه قد مر علي نزول هذا القرآن ما يقرب 15 قرنا من الزمان وجيوش المتربصين به ساهرة تلتمس فيه العيوب وتفتش عن الهفوات إلا أن أحدا منهم لم يظفر ببغيته ولم يستطع أن يسجل عليه هفوة واحدة يأباها العقل السليم أو انحرافا تضيق به الفطرة أو قضاء واحدا يصدم ثوابت العلم وتجاربه المستقرة. واستطرد شيخ الأزهر قائلا "هذا الكتاب الكريم حرر ضمير الإنسان من عبادة الأحجار والحيوانات والأشخاص وعقله من الأوهام والأساطير والخرافات. وتسامي بنفسه ومشاعره فوق رهق المادة وعبودية الغرائز وإغراء الشهوات . هذا الكتاب المجيد صنع رجالا بل صنع أمة نقلها علي ضعفها وبساطتها من المحلية إلي العالمية في غضون عقود قليلة استطاعت أن تنشر في شرق الدنيا وغربها حضارة لا يزال دينها ثقيلا في أعناق صناع حضارة اليوم ورموزها و فلاسفتها وعلمائها ومفكريها. وكانت حضارة معجزة بكل المقاييس لا يزال علماء التاريخ في الغرب قبل الشرق في حيرة من أمر تفسيرها. وقال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إن الحديث عن هذا الدين الحضاري الذي يجازي أهله اليوم جزاء سنمار حديث طويل وهو أقرب إلي أن يكون حديثا عن طبيعة اللص الذي يعيش علي قدرات الناس ثم يكره أن يذكرهم بكلمة شكر أو تقدير أو عرفان بالجميل. وتابع قائلا: "أنا أقصد هنا جزاء الأمة العربية والإسلامية في مرآة الغرب الحديث. وما تمخضت عنه قيمه الحضارية في باب سداد الديون والاعتراف بالجميل لأصحابه .. أقصد هذا المصطلح الكريه الذي نجح في تصوير الإسلام بصورة الدين المتعطش لسفك الدماء. ومطالبة العالم المتحضر بتعقبه الإجهاز عليه أني وجده في غرب أو شرق. وقال "أتحدث عن الإسلامو فوبيا. تلكم الكلمة اللقيطة. والتي ما فتئ علماء المسلمين. ومفكروهم الأحرار يفندونها ويكشفون عن زيفها. وتهافتها منذ أكثر من خمسة عشر عاما. في ندوات ومؤتمرات وأوراق علمية ونقدية. وحوارات الأديان والحضارات. دون أي ثمرة تذكر في لجم الآلة الإعلامية الغربية وردعها عن غرس كراهية الإسلام في عقول الشعوب الأوروبية والأمريكية وقلوبهم وبأساليب متعددة ما بين أفلام وبرامج وكتب وروايات وصحف ومجلات وغيرها." تابع الإمام الأكبر شيخ الأزهر يقول "هذه الكلمة التي تعني التخويف من الإسلام أو صناعة التخويف من الإسلام . هذه الكلمة ما كان لها أن تتجذر في ثقافة السياسيين والإعلاميين الغربيين . ثم في وعي جماهير الغرب لولا التمويل الضخم المخصص لدعم الاستعمار الحديث. وسياسته في الهيمنة والتوحش والانقضاض الجديد علي ثروات العالمين العربي والإسلامي." وقال الطيب "لولا تقاعسنا نحن العرب والمسلمين عن التصدي الجاد لمطاردة هذا المصطلح والاحتجاج عليه رسميا وإعلاميا . ومن المؤلم أن أقول إن لدينا من الإمكانيات المادية و الإعلامية. ومن هذا السيل العرم من محطاتنا وأقمارنا الفضائية ما يمكن أن ننصف به هذا الدين الذي ينتمي إليه أكثر من مليار ونصف المليار مسلم. ولكنا آثرنا اهتمامات أخري زادتنا ضعفا وهوانا وأطمعت فينا أمما تداعت علينا كما تتداعي الأكلة علي قصعتها." أضاف "إننا حتي هذه اللحظة لا نسمع عن فوبيا المسيحية ولا فوبيا اليهودية. ولا فوبيا البوذية ولا الهندوسية. ويقيني أن لا تتجرأ جريدة أو قناة أو برنامج فضائي لا في الغرب ولا في الشرق أيضا علي مجرد النطق بفوبيا ما شئت من الملل والنحل والمذاهب. فالعصا غليظة وحاضرة مع أن التاريخ. يشهد علي أن الأديان كلها نسبت إليها أعمال العنف. وأن من هذه الأعمال ما اقترف تحت لافتة ديانات كبري في العالم. وفي قلب أمريكا نفسها. غير أن المقام لا يتسع لسردها." تابع "أننا لا نريد تأريث الأضغان ولا بعث الكراهية بيننا وبين إخوتنا من أبناء الأديان والمذاهب في الغرب. فهذا ما يأباه علينا الإسلام. ولكنا أردنا فقط أن نتوقف عند نقطة فارقة يندر إلقاء الضوء عليها من المسلمين وغير المسلمين. وهي أننا حين نذكر المجازر البشعة التي تعرض لها المسلمون علي أيدي الأديان الأخري. فإننا لا نحمل الدين المسيحي ولا المسيح عليه السلام ولا موسي عليه السلام ذرة واحدة من المسئولية . ولا نصم دينا من الأديان بوصمة الإرهاب والعنف والتوحش. بل نظل علي وعي عميق بالفرق الهائل بين الأديان وتعاليمها وبين سماسرة الأديان في أسواق السلاح وساحات الحروب. قال فضيلة الإمام الأكبر "ونحنُ نعلمُ أن المسلمين دَفَعُوا ثمنًا فادِحًا من دمائهم وأشلائهم في الحروب الصليبيَّة. وفي فلسطين وما حولها منذ عام 48 وحتي اليوم وكذلك في البوسنة والهرسك وفيتنام والفلبين والهند وميانمار ونيوزيلاندا. ومع ذلك لم يجرؤ مُؤرِّخ ولا كاتب مسلم أن يتفوَّه بكلمةي واحدةي تُسئ إلي المسيحية أو اليهودية كأديان إلهيَّة. لأنه يعلم أن كلمة واحدة من هذا القبيل تخرجه من الإسلام قبل أن تخرج من فمه." أضاف أن نقطة فارقة أخري تظل حجر عثرة في طريق الحوار بين الإسلام والغرب هي: حرص رؤساء المسلمين وملوكهم وأمرائهم وعلمائهم ومفكريهم علي إدانة جماعات الإرهاب. بكُلِّ لافتاتها وانتماءاتها. والحكمُ الجازم عليهم بأنَّهم فِرَقى ضالَّةى مارقةى من الدِّين كما يمرق السهم من الرمية. وأنَّ جرائمَهم ومجازرهم إنَّما تحصد من أرواح الأبرياء من الرِّجال والنِّساء والأطفال المسلمين أضعاف أضعاف ما تحصده من غير المسلمين.. ومع ذلك لم يفلح كل ذلك في تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في نظر الغرب وأمريكا. لأن المطلوب هو: "إدانة الإسلام" ورميُه بأفظع البذاءات والاتهامات وتصويره بأنه دين قادم من عصور الظَّلام. يعادي المنطق والحداثة. وأنه النظام الثقافي الوحيد الذي ينتج القاعدة وداعش وأخواتها وحفدتها. وهو دينُ صُوَرِ الانتحاريين. واختطاف الطائرات. والاغتيالات والانتفاضات. إلي أوصاف أخري يعف اللِّسان والمقام عن ذكرها. ووجه الدكتور أحمد الطيب حديثه إلي الرئيس عبدالفتاح السيسي قائلا "لقد سعدتُ وسعد الأزهر الشريف بعلمائه وطلابه وهو يستمع لحديثكم المتزن الجريء. في مؤتمر القِمَّة الإسلاميَّة بمكة المكرَّمة . والذي لمستم فيه -بحكمة- جرح الأُمَّة النازف بسبب ما اُبتليت به من جماعات العُنف والإرهاب. في الشرق وبسبب الإسلاموفوبيا وأكاذيبها في الغرب. وطالبتم كل المؤسَّسات المعنية بالتصدِّي لوباء الإرهاب. كما طالبتم بوقف خطاب الإسلاموفوبيا وكراهية العرب والمسلمين. والذي لم يَعُد مقبولًا لا إنسانيًّا ولا حضاريًّا. فجزاكم الله سيادة الرَّئيس عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء." وأضاف الطيب : الأزهر الشريف وهو يؤكِّد علي ما طالبتم به -سيادة الرئيس!- فإنه ليطالب علماء المسلمين. ويطالب إخوتهم من رجالات الكنائس في الشرق والغرب أن يبذلوا الجهود المنظمة من أجل مكافحة هذه الأكذوبة الماكرة الخدَّاعة. فما كان الإسلام يومًا إلَّا دعوة سلام وتراحم بين النَّاس. وفي نهاية كلمته وجه شيخ الأزهر حديثه إلي الرئيس السيسي قائلا. "إنَّ الأزهرَ الشريف لَيعلم ويُقدِّر جَيِّدًا ما تبذلونه من جهودي كبيرةي من أجلِ تحقيقِ آمال الشَّعب وتطلُّعاته إلي عيشي كريمي. ومستقبل أفضل وعدالة اجتماعيَّة أرحب .. كما يُقدِّرُ جهودكم في استعادَةِ مِصْرَ دورَها الرَّائد في المحيطِ العربيِّ والإفريقيِّ والإسلاميِّ." وتابع : إنَّه لا يَخْفَي علي أحدي ما تمر به منطقتنا العربيَّة والإسلاميَّة من مخاطر وظروف صعبة تستدعي استمرار جهودكم مع إخوانكم حُكَّامِ العرب والمسلمين للعبور بمنطقتِنا من هذه الفترة العصيبة ولتحقيقِ السَّلام والاستقرار للشُّعوب. وأضاف الطيب: الأزهر الشَّريف بعلمائِه ورجالِه وطُلَّابه وانتشاره في إفريقيا وجنوب شرق آسيا. ومكانتِه في نفوس العرب والمسلمين لَيدعمكم -سيادة الرَّئيس- ويُقدِّرُ جهودكم ويَشدُّ علي أيديكم في هذه المرحلة الدَّقيقة. قال شيخ الأزهر "نَسْأل الله في هذه اللِّيلة المباركة أنْ يُوفِّقَكُم -سيادة الرَّئيس- وأن يُعينكم علي تحقيقِ آمال مصر والمصريِّين. وأنْ يُوفِّقَكُم لما فيه خَيْر البِلاد والعِبَاد."