أضاءت ألسنة اللهب مدينة الأنوار باريس في ليلة حزينة عندما التهمت الحرائق كاتدرائية نوتردام التاريخية وسط صدمة عارمة اجتاحت فرنسا والعالم قبل أن تشرق الشمس لتكشف عن آثار الكارثة التي حلت بأحد أهم المعالم الدينية. انتشر الحريق الذي اندلع في وقت مبكر من مساء أول امس بسرعة في سقف كاتدرائية نوتردام التي بنيت قبل ثمانية قرون. وامتد إلي قمة البرج العملاق للكاتدرائية الذي انهار علي أثر ذلك ومن ثم سقط السطح كله. في حين نجح رجال الإطفاء الفرنسيين من إنقاذ برجي الجرس الرئيسيين والجدران الخارجية من الانهيار قبل السيطرة علي الحريق وتم إطفاء الحريق بعدما ظل مستعرا لنحو ثماني ساعات ونجح رجال الإطفاء الذين كانوا يكافحون للحيلولة دون انهيار أحد برجي الجرس الرئيسيين إنقاذ الكثير من الآثار الدينية والتحف الفنية التي لا تقدر بثمن. وتجمعت حشود من سكان باريس يرتلون الصلوات أمام الكاتدرائية وسط العاصمة الفرنسية وأعلن اثنان من أغني رجال فرنسا وأوروبا وهم برنار أرنو وفرانسوا هنري بينو التبرع بمبلغ 300 مليون يورو للمساهمة في إعادة بناء وإصلاح كاتدرائية نوتردام. وتقع كاتدرائية "نوتردام دو باري" وترجمتها للعربية كنيسة "مريم العذراء في باريس" في جزيرة إيل دو لا سيت في نهر السين. وتم تصميمها علي الطراز القوطي. وشيدت في مكان بناء أول كنيسة مسيحية في باريس وهي كنيسة "بازيليك القديس استيفان" والتي كانت بدورها مبنية علي أنقاض معبد جوبيتير الجالو- روماني. وكانت النسخة الأولي من نوتردام كنيسة بديعة بناها الملك شيلدبرت الأول وذلك عام 528. وعن مصير "الكنوز" التاريخية قالت رئيسة بلدية باريس آن هيدلاجو. في الموقع ان بعض التحف الفنية التي كانت في الكاتدرائية نقلت إلي الخارج ويجري وضعها في مخزن آمن. وفي حين دعا رئيس أساقفة باريس جميع القساوسة في المدينة إلي قرع الأجراس في لفتة تضامن مع نوتردام. صدرت بالفعل مناشدات لجمع تبرعات في الولاياتالمتحدة لإعادة بناء كاتدرائية نوتردام. ومن الجوانب المثيرة في تاريخ الكنيسة ما يتعلق بالألغاز والأسرار. وقد قدمت قناة فرانس 24 تقريرا عن هذا الأمر فيه "أن الأسرار أحاطت بالكنيسة منذ زمن بناء الكاتدرائية. ففي ورشة البناء الهائلة كان هناك صانع أقفال اسمه "ديسكورنيه" وقد أنجز الرجل مهمته في ليلة واحدة وصنع أقفالا غريبة وجميلة لكل أبواب الكنيسة. مما أثار الأقاويل حول استعانته بالسحر والشياطين في تنفيذ ذلك خاصة أنهم عثروا علي "ديسكورنيه" بعد يوم من إنجاز عمله ميتا في سريره بعد تشنجات رهيبة. معتقدين أن الشيطان قد سلب روحه منه مقابل مساعدته في إبداع الأقفال كما أن الكاتدرائية تحتوي علي منحوتات. وتوجد علي جدرانها تماثيل لوحوش خرافية يقال إنها تستيقظ ليلا. وعلي مستوي الأحداث التاريخية شهدت كنيسة نوتردام العديد من الأحداث ففي العام 1185 كانت الدعوة إلي الحملة الصليبية الثالثة من الكاتدرائية التي لم تكتمل وفي 16 ديسمبر 1431 توج هنري السادس ملك إنجلترا ملكا علي فرنسا كما تم تتويج نابليون الأول في 2 ديسمبر 1804 في نوتردام. وارتبطت الكنيسة تاريخيا برائعة الأديب الفرنسي فيكتور هوجو "أحدب نوتردام" وهي الرواية التي نشرت عام 1831 وتدور أحداثها الرئيسية داخل الكنيسة ويقال إن فضل الرواية علي الكنيسة كان كبيرا بل إنها منعتها من السقوط قديما. فعندما نشر هوجو روايته كانت الكاتدرائية في أسوأ أحوالها. حيث كانت متهالكة وتؤول للسقوط. وعند نجاح الرواية وانتشارها تمت الموافقة علي ترميمها.