مرت منذ أيام. وتحديدًا يوم 10 ابريل الذكري الخمسون لوفاة رائد ديني واجتماعي مصري. وواحد من الداعين للحوار بين المذاهب والأديان. إنه الأب هنري عيروط. الراهب اليسوعي الذي طالب منذ ثمانين عامًا بانصاف الفلاح المصري. وانتشاله من الفقر والجهل والمرض. ولد هنري في 20 مايو 1907 لأسرة سورية نزحت إلي القاهرة عام 1818. كان والده حبيب عيروط مهندسًا معماريًا شهيرًا. اختاره البارون امبان ضمن مهندسي بناء ضاحية مصر الجديدة. وكانوا جميعًا من البلجيك. التحق هنري بمدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين بالفجالة. ثم حصل علي الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة ليون الفرنسية عن موضوع "أخلاق الفلاح وعاداته". وهي دراسة ترجمت إلي العربية فيما بعد بعنوان "الفلاحون". في 1926 دخل هنري الرهبنة اليسوعية. تدفعه رغبة في "العمل علي رفع شأن الطبقات الفقيرة في مصر. خصوصًا أبناء الصعيد¢. وفي 1941 أصبح مدير الجمعية الكاثولوكية للمدارس المصرية. ثم ترأس دير الآباء اليسوعيين بالمنيا ومدرسة الدير لمدة عامين. ومن 1962 إلي 1968 ترأس مدرسة العائلة المقدسة بالقاهرة. ثم سافر إلي الولاياتالمتحدة لإلقاء محاضرات بمعهد دراسات الشرق الأوسط والأدني بجامعة كولومبيا. إلا أنه توفي فجأة هناك بأزمة قلبية في 10 أبريل 1969. وتم نقل جثمانه إلي القاهرة وأقيمت الصلاة عليه بحضور مندوب عن الرئيس جمال عبد الناصر. ومنحت الدولة اسمه وسام الجمهورية من الطبقة الأولي في يوليو التالي. سيذكر التاريخ أن الأب عيروط لعب دورًا في الوساطة بين كنيستي الإسكندرية وروما لإعادة رفات القديس مرقس الرسول إلي مصر. حيث قابل البابا بولس السادس في الفاتيكان في 1968. وهو لقاء أسفر عن إعادة الرفات في العام التالي. ووضعه في الكاتدرائية المرقسية الجديدة بالعباسية. وسيذكر التاريخ أيضًا أنه اهتم بالحوار الإسلامي المسيحي. وشارك مع الأب جورج قنواتي والشيخين محمد يوسف موسي ومحمد بدران في تأسيس جمعية إخوان الصفا عام 1944. التي تحولت فيما بعد إلي جمعية الآخاء الديني. أسس الأب عيروط جمعية الصعيد للتربية والتنمية سنة 1940. وكان عضوًا مؤسسًا بالجمعية المصرية للدراسات الاجتماعية منذ 1937. ومرشدًا للكشافة المسيحية في مصر. وعضوًا بلجنة التربية المسيحية بوزارة التعليم. ولجنة السياحة الدينية بوزارة السياحة. يعتبر كتاب "الفلاحون" أهم انجازاته الاجتماعية. نشر الكتاب بالفرنسية عام 1938 بمقدمة كتبها اندريه اليكس رئيس جامعة ليون. ونشرت منه طبعات باللغات الانجليزية والروسية. ثم ترجمه إلي العربية في 1942 د.محمد غلاب استاذ الفلسفة بالجامعة الأزهرية. وبعد ثورة يوليو 1952 نقحه المؤلف وأضاف اليه فصولا جديدة وترجمه محيي الدين اللبان ووليم داوود مرقص. وصدر بمقدمة لمحمد العزب موسي. قال فيها "الأب عيروط رجل دين شغلته مشكلة الفلاحين ولم يجد فائدة في إلقاء عظة من فوق المنابر. بل رأي أن يفعل شيئا من أجل طبقة تؤلف ثلاثة أرباع سكان هذه البلاد". تضمن الكتاب فصلا بعنوان "بؤس الفلاح" قال فيه عيروط: "يتمثل بؤس الفلاح في صورتين: الأولي بؤسه المادي وحرمانه من مقومات حياته الجسمية. فهو فقير لا يكاد يجد القوت والملبس والمسكن. والصورة الأخري معنوية تتمثل في حرمانه من التعليم. وجهله وذلته وهوانه علي نفسه وعلي غيره. حتي أصبح دون المستوي الإنساني من هذه الناحية".