بكي نقيب الممثلين تأثراً بكلمات أم أحد الشهداء عندما أصرت ان تري ابنها في الكفن الأبيض وهي تستعيد صورته لحظة ميلاده في "اللفة" وما بين دخول الحياة.. والخروج منها.. يكتب قصة هي واحدة من مئات بل آلاف القصص الشامخة العظيمة التي سطرها أبطالنا من الشهداء عبر معاركنا القديمة والحديثة.. ويكفي ما يضمه سجل مكافحة الإرهاب.. وعصابات الشر في السنوات الأخيرة. الحجة الواهية بأن بعض الأعمال قدمت مشهدا هنا وهناك.. يكشف جريمة التقصير والتنكر لهؤلاء الأبطال واختصار تكريمهم علي مشهد جنائزي يكشف الافلاس.. لأن كل بطل خلف منه.. حكاية في بيته وبين أهله وأصحابه.. يقشعر لها الأبدان ثم ان تقديم هذه الصور المجيدة.. يجعل البلد كله في حالة تأهب جاد.. ويشيع روح النضال أمام الماكينة وفي المدرسة والشارع والدكان والوطن في أشد الحاجة إلي كل عمل جاد.. وحتي إلي الترفيه الجاد.. وحتي لا أكون ظالما أو متجنيا.. أقدم حيثيات اتهامي لأهل الفن في شكل أسئلة: "1" ** إذا كان أغلبكم يبحث عن الأكشن علي اعتبار ان الجمهور يحب الصراع والاثارة.. ومعظم الأعمال الدرامية السينمائية والتليفزيونية التي تدخل البيوت لجأت إلي العنف والبلطجة بشكل مبالغ فيه وانحصرت القصص في الثأر وسرقة الآثار وتجارة المخدرات.. وتجارة الأعضاء.. والسرقات الكبري.. عندما لجأ أمير كرارة إلي استثمار الأكشن في مكانه.. من خلال شخصية ضابط الشرطة في مسلسل "كلبش".. نجح مع الجمهور والنقاد.. لكنه سرعان ما اجتر هذا النجاح في أجزاء أخري تحولت إلي كر وفر.. حيث تحول الأنصاري إلي الداخلية.. أمام رئيس عصابة أو إرهابي وفقد العمل أهم عنصر في نجاحه.. لأسباب تجارية بحتة.. وكان من الممكن استمرار الأجزاء من خلال بطولات جهاز الشرطة.. وليس من خلال ضابط واحد.. تحول إلي الرجل الخارق. فماذا لو قدمتم الأكشن من خلال قصص الأبطال والشهداء.. إلا انه الافلاس الفكري والفني وسيطرة الإعلان علي الإعلام.. ورغم وجود ورش الكتابة إلا انها لم تقدم جديداً. "2" ** السؤال الثاني: معروف ان المسلسل التليفزيوني يتم كتابته بمتوسط من ألف إلي ألف وخمسمائة مشهد.. فهل يكفي مشهد أو اثنان لجنازة شهيد لكي تغني عن قصة كاملة.. الجانب الانساني بين أهله وزملائه.. أهم وأعظم وأمامكم قصص المنسي والجعفري والوتيدي وخالد دبابة وأبنوب وعشرات أخري علي رأسها أمير الشهداء عبدالمنعم رياض القدوة والرمز الذي كان يردد دائما في كل مناسبة وهو يجهز لمعركة النصر عندما تولي رئاسة أركان حرب القوات المسلحة "1969/68". لقد حقق أجدادنا وآباؤنا أعظم البطولات وخلفوا لنا تراثا عريضا يجب أن نصونه ومستقبلا علينا ان نطوره.. ولن يكون ذلك إلا بهمة الرجال الأقوياء فالناس يولدون تصنعهم ظروفهم وبيئاتهم ولابد ان نصنع نحن في الجيش الرجال الأقوياء. صدقت يا بطل.. لكن في مصرنا غير كل الدنيا جيشنا شعب.. وشعبنا جيش.. وحكاية الشهيد لا تبدأ عند لقطة الاستشهاد.. لكن تبدأ في البيت المصري الذي يربيه علي الوطنية والفداء. ويا أهل الفن ألم تتحرك قلوبكم ووالد أحد الشهداء وقد تجاوز الثمانين من عمره.. يقول لمن حوله يقدمون له واجب العزاء ويسألونه ماذا تريد؟ فيكون جوابه: أريد أن ارتدي بدلة ابني الشهيد وان أحل محله.. ولو كان عندي من أولاد غيره.. ما تأخرت بهم عن الوطن الغالي. وفي بعض الأسر كان هناك أكثر من شهيد.. وهناك من جاء بالأولاد والأحفاد يقدمهم بكل الشموخ والكبرياء. يأتي هذا في وقت نري فيه الأعمال الفنية تدور في فلك الجرائم والعنف والقبح والبلطجة بدلا من ان تستثمر هذه القصص وتشارك في صناعة الوطن العظيم الحديث الذي نحلم به ولن يصنعه غيرنا.. جميعا. "3" ** هل الشهداء في مفهومكم من كان في ميدان الحرب؟ الاجابة لا.. لأن كل مكافح شريف خرج يسعي علي رزق بيته وعياله ومات دونهم فهو شهيد وكم في بلادنا من هذه النماذج بعيداً عن تجميل المنحرفين والمنحرفات.. واللصوص ونشر القيم التي تهدم المجتمع.. بما يثير الشبهات حول أغلب أموال الإنتاج الفني الهابط.. الذي تخطي الملايين في ميزانياته.. وهبط إلي الدرك الأسفل في مستواه.. إلا من رحم ربي.. وأمامكم الأعمال استعرضوها واحكموا بأنفسكم واسألوا: هل تشبهكم؟.. هل تعبر عنكم؟.. هل تتناسب مع بلد يتحرك إلي الأمام في كل اتجاه والفن في أبسط تعريف له هو مرآة تعكس أحوال المجتمع.. وعودوا إلي أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب وإلي أفلام فريد شوقي وماجدة ورمسيس نجيب. "4" ** تسألني المذيعة في البرنامج التليفزيوني: وهل يمكن تقديم قصص الشهداء كلها في مسلسل بطله الرئيسي عبدالمنعم رياض؟ وقلت له: ممكن جداً. عادت تسأل: كيف؟ قلت: أسف.. هذه اجابة تعني تقديم معالجة درامية علي الهواء وأولاد الإيه.. يصطادون بكل السبل كل فكرة والدليل تشابه معظم الأعمال وقصة عبدالمنعم رياض فيها الكثير ويمكن ربطها بقصص شهداء مصر في حربها ضد الإرهاب الذي تواجه فيه أعداء الداخل والخارج الذين أرادوا بمصر كيداً.. فاذا بشعبنا وجيشنا وشرطتنا في 30 يونيه يدمرون عليهم مخطط التقسيم والخراب للمنطقة كلها وهنا نعود إلي ما كتب الشاعر عبدالرحمن الأبنودي في رثاء "رياض" بعد استشهاده.. وكأنه يكلمنا في صميم موضوعنا حيث قال الخال: ميلنا روسنا في خشوع جسدك يا عبد منعم رياض نطق لسان انسان فقير بحقه في الحرية وبحقه في تقرير المصير خلينا نتوحد جميعا في جسد خلانا نتوحد جميعا في هتاف واحد يهز سما البلد بالروح بالدم.. نفديكي يا مصر هدية "الجمهورية" "الجمهورية" الصحيفة لا يمكن ان تكون فاعلة وحاضرة ليس فقط علي المستوي الصحفي والإعلامي ولكن علي المستوي الفني.. وها هي تقدم سيناريو وحوارا لفيلم "نسر النور".. عن قصة البطل اللواء محمد محمود خليل الذي فقد بصره في حرب أكتوبر 73.. لكنه ظل يرتدي البدلة العسكرية ويدرس ويذاكر حتي حصل علي الدكتوراه وكان يقوم بالتدريس في أكاديمية ناصر.. ورأس بعثة رسمية إلي ألمانيا ووقتها قال الألمان: الآن عرفنا ان مصر ليست حضارة قديمة فقط لكنها حضارة ممتدة من جيل إلي جيل.. والسيناريو نضعه تحت تصرف الشئون المعنوية ومن يريد من شركات الإنتاج وقد حصل علي الموافقة الحربية سابقا وتم إعادة كتابته مرة أخري في قالب عسكري رومانسي انساني شعري. كادر ثابت ** عجيبة هذه الدنيا فيها من يضحي بالروح في صمت ومن يلعب بالأرواح في ضجيج فارغ بلا معني!!