كان ما بين 25 و28 يناير ضبابياً. الصورة غير واضحة والبيانات المعلنة غير كافية ولا تنم عن شيء ولا يمكن لأحد علي الأقل من العامة أن يتوقع ماذا سيفعل هؤلاء الذين أعلنوا أنهم سيخرجون يوم الجمعة. ولا ماذا سيفعلون. وهل ستكون الأحداث مثل ما حدث يوم 25 أو أقل. ولم يكن في الحسبان أبداً أن تزيد علي ذلك. الجمعة يوم اجازتي الاسبوعية. لكن توجهت إلي العمل بالجريدة صباحاً مبكراً علي غير المعتاد. تحسباً لما يحدث. وبمجرد دخولي "الجمهورية". علمت من زملائي أن اتصالات الموبايل مقطوعة. كي لا يستطيع المشاركون في المسيرات أن يتواصلوا علي مواقع التواصل. وحتي لا يستجيب الناس للدعوات. فتخرج أعداد قليلة ويفشل المخطط. أدينا صلاة الجمعة في المسجد الداخلي بالمؤسسة. وصعدت إلي الطابق التاسع حيث قسم الحوادث لأتابع ما يحدث مباشرة. في شارع رمسيس الممتد. ومسجدي الفتح والجمعية الشرعية. وكنت أراقب ما يحدث وشهدته بأم عيني لحظة بلحظة وثانية بثانية. كانت أجهزة الأمن مستعدة من قبلها بيومين وقد تمركزت في هذا الشارع الحيوي المهم. أمامي سيارات الأمن المركزي بضباطها وجنودها وأسلحتها التي كان أكثرها قنابل الغاز والدخان والصوت. مجموعات متراصة من الجهود. أغلقوا الشارع عند نهاية عمادالدين المتجه إلي نفق شبرا. وما أن انتهت صلاة الجمعة في مسجد الفتح حتي خرجت جحافل المصلين التي لم تكن معهودة بهذا العدد من قبل. تصيح وتردد هتافات لم أستطع تبين كلماتها من كثرة الهرج والمرج. تدافعوا ودفعوا أمامهم صفين من الجنود الشباب الأقوياء. جرفوهم أمامهم مثل التيار القوي. كأن السماء كانت تمطر بشرا. وكأن الأرض هي الأخري أخرجت أثقالها. بدأ المشاركون الاحتكاك بالجنود والضباط للاشتباك معهم لكن فضل الضباط التراجع حتي لا يتم التشابك. واكتفوا بإطلاق قنابل الصوت المدوية والغاز المسيل للدموع والدخان. لكن هذا كله لم يكن له أثر ولم يستطع إيقاف الأمواج البشرية التي تتوالي. وتتزايد الأعداد التي لا نعرف من أين تأتي. وبدأت الخسائر بإشعال النيران وإحراق سيارات الشرطة. شاهدت إحراق قسم الأزبكية ومحكمة الجلاء ومسرح الهوسابير. وغيرها بخلاف ما كان يحدث بصورة طبق الأصل في كل مكان. "الأسبوع القادم "عصر جمعة الغضب"