قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من منطقة الأكراد بشرق سوريا رفع الغطاء عن قوات الفصائل الكردية وجعلها لقمة سائغة وسهلة أمام الجيش التركي. الأحزاب والفصائل الكردية تري في خطوة الرئيس الأمريكي خذلان واضحاً للشعب الكردي وتخلياً عنهم وقضاء مبرماً علي حلم إقامة دولة مستقلة لهم في شرق الفرات كما كانوا يتمنون وكما خططوا من استدعائهم القوات الأمريكية لشرق الفرات منذ الأيام الأولي لاندلاع الأحداث في سوريا. الانسحاب الأمريكي جاء في وقت حرج بالنسبة للاكراد وأكد لهم صحة مقولة ان "المتغطي بأمريكا عريان". وإذا كانت كل مكونات الدولة السورية خرجت خاسرة من الحرب الإرهابية التي استمرت نحو سبع سنوات فإن الأكراد هم أكبر الخاسرين وسيدفعون ثمناً باهظاً لتركهم الرهان علي وطنهم السوري والتضحية به بثمن بخس غير مضمون النتائج والفوائد ورهانهم علي أمريكا من البداية وثانياً رهانهم علي التناقضات في مصالح ومواقف الأطراف الأخري المتناحرة علي الأراضي السورية ومحاولاتهم الاستفادة منها لتعزيز قضيتهم ومطلبهم التاريخي في إقامة كيان خاص بهم ولكن جاءت الرياح السياسية بما لا تشتهي السفن الكردية وعصفت بكل آمالها في الرسو علي شواطيء دولة مستقلة. فلماذا خسر الأكراد "الجلد والسقط" ولماذا كانوا هم أكبر طرف خاسر وما هو المستقبل المنتظر في ضوء تطور الأحداث في شرق الفرات حيث يقطنون وفي ظل تحول المواقف وتبدل الأحوال في العلاقات الأمريكية التركية وكذلك علاقات أنقرة مع روسياوسوريا وإيران والعراق ودول الخليج؟ وضع الأكراد الأسوأ حالياً من بين مكونات المجتمع السوري هم الآن في اسوأ حالة مرت عليهم في تاريخهم وضع لا يحسدون عليه ولا يعرفون إلي أين سيقودهم وعلي أي حال سينتهي. الأكراد يقضمون أظافرهم حزناً علي حالهم وندماً علي انشقاقهم علي الدولة السورية ويأساً من خروجهم من مأزقهم الحالي بأقل الخسائر فكل من راهنوا عليهم ليؤيدوا مسعاهم في الانفصال عن سوريا وإعلان كيانهم المستقل باعوهم بالرخيص وتخلوا عنهم في محنتهم وتركوهم لقمة سائغة لعدوتهم اللدودة تركيا تتلاعب بهم وتقاتلهم وتطاردهم داخل أرضهم وتقتل وتشرد الآلاف وتحتل المدن وتقتطع أراضي كانوا يعدونها أرض دولتهم المنتظرة. خسروا كل الأوراق والتضحيات التي قدموها وخسروا تأييد أحزاب وكُتاب ومفكرين وأدباء سوريين وعرب كما خسروا تأييد قوي سياسية عربية واقليمية تضامنت مع مطالبهم العديدة. أقل وصف لموقفهم انه مراهقة سياسية لا يقدم عليها إلا القوي الطفولية لقد قدموا تضحياتهم قرباناً لرضاء أمريكا فخسروا تأييد قوي اقليمية ودولية. كان بامكانهم ان يحصلوا علي أغلب مطالبهم ونصف حلمهم بالحصول علي حكم ذاتي لو تيقنوا من البداية ان هذا المخطط المدبر للمنطقة محكوم عليه بالفشل ولو كانوا يقرأون التاريخ بشكل صحيح ولو أنهم يكنون مشاعر ود وحب للقومية العربية التي احتوتهم كل هذه القرون دون ان تقترف بحقهم أية جرائم أو آثام كبيرة وأبدوا من البداية حُسن النوايا بالوقوف مع الدولة السورية وليس الانقلاب عليها من اللحظة الأولي وتعاونوا معها في التصدي لهذه المؤامرة الإرهابية أو حتي وقفوا علي الحياد ولم يسمحوا بتحويل أراضيهم ومدنهم إلي مراكز تدريب للارهابيين ولو رفضوا استدعاء أمريكا إلي أرضهم ومنحها أكثر من 10 قواعد عسكرية واعطاء تسهيلات لكل الأطراف المعادية لسوريا لكي تواصل عدوانها علي الأرض السورية لو لم يفعلوا كل ذلك لكانوا حصلوا علي كل ما يريدون وأكثر. هم في الوقت الحاضر يدفعون ثمن خطيئتهم وثمن المعادلات الجديدة التي أفرزتها انتصارات الجيش العربي السوري علي كل الجبهات وتبدل التحالفات العسكرية والتحول والتغير في المواقف السياسية ليس لبعض مكونات المجتمع السوري أو حتي من أعلنوا توبتهم من الارهابيين وعودة الكثير منهم لحضن الدولة وإنما التحولات في المواقف الاقليمية والدولية ومن بينها العلاقة الأمريكية التركية التي لا انفصام ولا خصام فيها بقدر ما فيها من توزيع أدوار لخدمة مصالح استراتيجية مشتركة ممتدة بينهما من عقود. لقد لعبوا وظلوا حتي الآن الذراع العسكرية الأمريكية في شرق سوريا ولم يتعظوا من درس مدينة "عفرين" التي استولت عليها القوات التركية بعد ان كانت تحت السيطرة المشتركة بينهم وبين الأمريكان ولم ينتبهوا إلي الأهداف السياسية والعسكرية التي سعت إليها واشنطن من استخدامهم ورقة أو ذريعة لتسويق وتبرير تدخلها العسكري في سوريا ولم تقدم أمريكا لهم ما يوازي المكاسب الأمنية والعسكرية والسياسية التي جنتها من وراء ذلك بل لم تفرط في أي ظرف في علاقاتها مع تركيا اعداء الأكراد. عندما أعلن أردوغان عن عملية عسكرية جديدة في شرق الفرات لم تتورع واشنطن عن الافصاح عن موقفها الحقيقي عندما أكد المتحدث باسم البنتاجون شون روبرتسون أن "الولاياتالمتحدة ملتزمة بأمن تركيا الحدودي" ولم تسرع إلي حماية حليفها الكردي وقد أدرك الأكراد ان الخطر قادم فاستغاثوا بالدولة السورية طلباً للحماية بدعوي ان أردوغان ينوي شن عدوان علي الاراضي السورية واحتلال أراض جديدة ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقط وانما انشق المئات من جنود ما يسمي قوات سوريا الديموقراطية المعروفة ب "قسد" التي ترعاها واشنطن وانضموا للدولة السورية وقبل أيام تركوا مواقعهم في منطقة منبج ليتسلمها الجيش العربي السوري في خطوة متأخرة حتي لا تدخلها القوات التركية كما حدث في مدينة عفرين.