أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن اختطاف الجماعات المتطرفة للخطاب الديني واحتكارها لتفسيراته جعل ما هو في حكم المسلمات محتاجاً إلي التدليل والتأصيل رغم أن السياق والمناخ الفكري والصحي لا يحتاج إلي دليل بحكم رسوخه وثبوته كذلك الدولة الوطنية أمر غير قابل للجدل أو التشكيك بل هو أمر راسخ لا غني عنه في واقعنا المعاصر. قال الوزير في الندوة التي عقدتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع كلية الدعوة الإسلامية والمنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف والهيئة الوطنية للإعلام تحت عنوان "فقه المواطنة في ظل التحديات المعاصرة" أن العدو إذا دخل بلداً من بلاد المسلمين صار الجهاد ودفع العدو فرض عين علي أهل البلد رجال ونساء كبارهم وصغارهم قويهم وضعيفهم مسلحهم وأعزلهم كل وفق استطاعته ومكنته حتي ولو فنوا جميعاً. أوضح الوزير أن الدولة الوطنية تعني احترام عقد المواطنة بين الشخص والدولة والالتزام الكامل بالحقوق والواجبات المتكافئة بين أبناء الوطن جميعاً دون أي تفرقة علي أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة. إلا أن تلك الجماعات الضالة المارقة المتطرفة المتاجرة بالدين لا تؤمن بوطن ولا بدولة وطنية.. فأكثر تلك الجماعات إما أنها لا تؤمن بالدولة الوطنية من الأساس أو أن ولاءها التنظيمي الأيديولوجي فوق كل الولاءات الأخري وطنية وغير وطنية لأن الفضاء التنظيمي لهذه الجماعات أرحب وأوسع بكثير من الدولة الوطنية والفضاء الوطني. وأشار إلي أن العلاقة بين الدين والدولة الوطنية ليست علاقة تقابلية كما تحاول أن تسوق الجماعات الإرهابية والمتطرفة. كما أنها ليست علاقة عداء ولن تكون. فالدولة الرشيدة هي صمام أمان للتدين الرشيد. وأن تدينا رشيداً صحيحاً واعياً وسطياً يسهم وبقوة في بناء واستقرار دولة عصرية ديمقراطية حديثة تقوم علي أسس وطنية راسخة وكاملة وأن دولة رشيدة لا يمكن أن تصطدم بالفطرة الإنسانية التي تبحث عن الإيمان الرشيد الصحيح. علي أننا ينبغي أن نفرق وبوضوح شديد بين التدين والتطرف. فالتدين الرشيد يدفع صاحبه إلي التسامح. إلي الرحمة. والصدق. ومكارم الأخلاق. والتعايش السلمي مع الذات والآخر. وهو ما ندعمه جميعاً. أما التطرف والإرهاب الذي يدعو إلي الفساد والإفساد. والتخريب والدمار. والهدم واستباحة الدماء والأموال. فهو الداء العضال الذي يجب أن نقاومه جميعاً وأن نقف له بالمرصاد. وأن نعمل بكل ما أوتينا من قوة للقضاء عليه حتي نجتثه من جذوره. وأكد جمعة أننا أصحاب قضية عادلة وهي قضية دين وقضية وطن فكل ما يدعو للبناء والتعمير والعمل والإنتاج وسعادة الناس وتحقيق أمنهم واستقرارهم. لهو الدين الحق والإنسانية الحقيقية. وكل ما يدعو للفساد والإفساد. والتخريب والقتل. يدعو إلي ما يخالف الأديان وسائر القيم النبيلة والفطرة الإنسانية القويمة. مشيراً إلي أن الدين والدولة لا يتناقضان. الدين والدولة يرسخان معاً أسس المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات لذا يجب أن نعمل معاً لخير بلدنا وخير الناس أجمعين. وأن نحب الخير لغيرنا كما نحبه لأنفسنا. الأديان رحمة. الأديان سماحة. الأديان إنسانية. الأديان عطاء. وكذلك فإن الدين والدولة يتطلبان منا جميعاً التكافل المجتمعي. وألا يكون بيننا جائع ولا محروم ولا عار ولا مشرد ولا محتاج. قال إن الدين والدولة يدفعان إلي العمل والإنتاج والتميز والإتقان ويطاردان البطالة والكسل والإرهاب والإهمال والفساد والإفساد والتدمير والتخريب وإثارة القلاقل والفتن والعمالة والخيانة وأن من يتوهمون صراعاً لا يجب أن يكون بين الدين والدولة ويرونه صراعاً محتماً إما أنهم لا يفهمون الأديان فهماً صحيحاً أو لا يعون مفهوم الدولة وعياً تاماً. فالخلل لا علاقة له بالدين الصحيح ولا بالدولة الرشيدة. إنما ينشأ الخلل من سوء الفهم لطبيعة الدين أو لطبيعة الدولة أو لطبيعتهما معاً. غير أننا نؤكد علي ضرورة احترام دستور الدولة وقوانينها. وإعلاء دولة القانون. وألا تنشأ في الدول سلطات موازية لسلطة الدولة أياً كان مصدر هذه السلطات. فهو لواء واحد تنضوي تحته وفي ظله كل الألوية الأخري. أما أن تحمل كل مؤسسة أو جماعة أو جهة لواء موازياً للواء الدولة فهذا خطر داهم لا يستقيم معه لا أمر الدين ولا أمر الدولة. أوضح الوزير أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان لا تنفك عنها. وأن كل ما يقوي دعائم بناء الدولة الوطنية واستقرارها. ويؤدي إلي قوتها ورقيها. هو من صميم مقاصد الأديان. وكل ما ينال من استقرار الوطن ومصالح أهله بالتخريب أو التدمير. أو الفساد أو الإفساد مادياً كان أو معنوياً: مادياً كالاستهداف والتفجير والتخريب أو معنوياً كبث الفتن وترويج الأكاذيب والشائعات والعمل علي زرع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد بقصد هدم الدولة أو إسقاطها أو إضعافها أو تقويض بنيانها. كل ذلك لا علاقة له بالأديان ولا علاقة للأديان به.. مؤكداً أن تهنئة أشقاء الوطن بأعيادهم بر وقسط ووطنية. قال الدكتور جمال فاروق عميد كلية الدعوة الإسلامية إن المواطنة تعني عدم التفرقة أو التمييز علي أساس اللون أو العرق أو الدين ويحترم كل مواطن إخوانه من المواطنين. ليتحقق بينهم التعاون والتسامح. رغم التنوع والاختلاف. مشيراً إلي أن القرآن الكريم استخدم كلمة "مساكن" ليعبر بها عن الوطن الذي ينعم فيه بالخيرات. وحب الأوطان في الإسلام ليس متعارضاً مع الدين. أعرب الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر عن سعادته البالغة بالحضور الكبير لطلاب كلية الدعوة الإسلامية. الذي ينم عن عقول متعطشة لمعرفة صحيح الدين. والفكر الوسطي المستنير. مبيناً أن الرسول "صلي الله عليه وسلم" أسس للمواطنة في وثيقة المدينة والتي أرست أسس العيش المشترك والمواطنة بين الجميع. أما الدكتور محمد عبدالفضيل القوصي وزير الأوقاف الأسبق فأوضح أن مصر ليست وطناً نعيش فيه بل وطن يعيش فينا معلناً أننا نريد لوطننا أن يكون متقدماً قائداً لبقية دول العالم. إذ فقه المواطنة ليس فقهاً فردياً يقتصر علي مجرد العبادات. بل فقه اجتماعي لا تتنازعه اتجاهات التشدد سواء يمينياً أو يسارياً. مشيداً بجهود معالي وزير الأوقاف المضنية في تجديد الخطاب الديني ونشر الفكر الوسطي.