قبل أكثر من عامين صوت الشعب البريطاني بنسبة 52 إلي 48% لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي ووفقا لهذه النتيجة استندت رئيسة الوزراء تيريزا ماي إلي المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي وشرعت رسميا في إجراءات خروج بريطانيا والمقرر له في 29 مارس المقبل. لكن بعد أقل من أربعة أشهر لازال السؤال مطروحا حول ما إذا كانت بريطانيا ستترك الاتحاد الأوروبي بالفعل ووضعت أسواق المراهنات السياسية البريطانية مؤخرا احتمالات ضد خروج بريطانيا من الاتحاد في الربيع القادم. علي المرء أن يأخذ في الاعتبار العلاقة المحفورة تاريخيا بين النظام السياسي البريطاني والديمقراطية المباشرة وذلك لمعرفة السبب في أن الاستفتاء قد لا يترجم فعليا إلي "بريكست" كما هو مخطط له. بريطانيا لديها حكومة تتصف بالديمقراطية لكن نظامها السياسي لا يمنح ثقلا كبيرا لصوت مواطنيها في عمليات صنع القرار. ينظر أعضاء البرلمان البريطاني إلي دورهم علي أنهم يمثلون مصالح ناخبيهم في البرلمان ولا يتصرفون بشأن آراء الناخبين المعبر عنها. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل الاستفتاءات ومبادرات الاقتراع نادرة الحدوث في بريطانيا رغم أنها شائعة في أجزاء من الولاياتالمتحدة. انعدام الثقة في الديمقراطية المباشرة لها جذور عميقة في التاريخ البريطاني. أعلن رجل الدولة اليميني إدموند بيرك بشكل واضح خلال الحملة الانتخابية عام 1774 أن عضو البرلمان يجب ألا يكون خاضعا لأي من ناخبيه, ورأي أن التزامه بصورة عمياء لأي تفويض يُعطي له هو أمر خطير و خطأ جوهري في نظام ومضمون الدستور بأكمله. استمر هذا النهج يتردد صداه علي مدي قرنين إلي وقتنا الحالي حيث تم استخدام الاستفتاء في حالات نادرة ثم اصبح أداة سياسية وليس نوعا من الديمقراطية المباشرة في عام 1973 انضمت بريطانيا إلي ما يعرف وقتها ب "المجتمع الاقتصادي الأوروبي" دون اللجوء إلي استفتاء. وشكك البعض في حق الحكومة في اتخاذ هذا القرار نيابة عن الشعب. في حين أن أغلبية أعضاء البرلمان في حزب ديفيد كاميرون رئيس الوزراء السابق دعموا البقاء في الاتحاد الأوروبي عام 2016 صوت الجمهور علي الرحيل في العام نفسه وأدت النتيجة إلي استقالة كاميرون واستبداله بتيريزا ماي التي كانت تعمل سابقا وزيرة الداخلية بعدما يقرب من عامين من المفاوضات وافقت حكومة ماي علي شروط "الطلاق" مع أوروبا. مؤخرا جاء قرار تيريزا ماي بتأجيل تصويت البرلمان علي مسودة اتفاق بريكست ولم يقم في ميعاده المقرر وذلك خوفا من هزيمة كانت شبه مؤكدة في مجلس العموم التي تتمثل في رفض النواب للبريكست مع انتظار تصويت البرلمان هل يسترشد المجلس بآراء أعضائه أو وجهات نظر ناخبيه. مثلما تم التعبير عن نتيجة استفتاء عام 2016؟ ففي وقت تدعي فيه الحكومة البريطانية أنه يجب الالتزام ب "تفويض" الاستفتاء يؤكد عدد كبير من النواب السيادة البرلمانية علي تقرير مستقبل بريطانيا. كما جادل بيرك عام 1774 لا يجب علي النائب أبدا أن يطيع "بشكل ضمني" إرادة الناخبين. حذر وزير التجارة الدولية ليام فوكس في وقت سابق علانية من وجود خطر حقيقي من أن مجلس العموم. الذي يمثل الأغلبية بالطبع. قد يحاول "سرقة البريكست" من الشعب البريطاني الأمر الذي يعتبره إهانة ديمقراطية. "سرقة بريكست" يمكن أن تتخذ شكلين إما أن يدفع البرلمانيون من أجل تعديل تشريعات بريكست المستقبلية التي تنص علي إجراء استفتاء ثان حول الشروط المقترحة بما في ذلك خيار البقاء الذي أشار إليه المؤيدون علي أنه "تصويت الشعب" وإما أن يقوم البرلمانيون ببساطة بتعديل أي مقترحات مستقبلية لها علاقة ببقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. أيا كان السيناريو الذي سيقرره أعضاء البرلمان, فإنه سيكون له تداعيات خطيرة علي الجدل حول من يملك السيادة في بريطانيا. مجلس العموم أم الشعب البريطاني.